أسئلة لشيخ الازهر: ما دخل الاسلام بجلد الصحافيين؟
وإلي فتوي شيخ أزهرنا بجلد الصحافي ثمانين جلدة واستمرار ردود الأفعال عليها، فقال زميلنا بـ الوفد فتوح الشاذلي يوم الثلاثاء: لم يطلب أحد من الدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر أن يدلي بدلوه في الأزمة الحالية بين السلطة والصحافة ولم يناشد أحد فضيلته إعلان رأي الإسلام في هذه الأزمة.
وعلي طريقة حسن البارودي في فيلم الزوجة الثانية وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، تطوع الدكتور طنطاوي ليحرض السلطة علي الصحافيين مطالبا بجلدهم 80 جلدة بتهمة ترويج الشائعات، ورغم قناعتي بأن الدكتور طنطاوي أضاع هيبة الأزهر ـ جامعا وجامعة ـ إلا أنني أري أنه أفضل من شيوخ الأزهر في دولة بيزنطة القديمة، فشيخ الأزهر في بيزنطة وكله ورع وتقوي ويقول إنه يعيش علي راتبه البسيط الذي يتقاضاه وأن دخله الإضافي الوحيد هو من الحلقات التي يسجلها بالإذاعة والتليفزيون البيزنطي، ثم اكتشف أهل بيزنطة أن فضيلته من طبقة الأثرياء الجدد، وأنه يمتلك ثلاثة قصور فخمة في بيزنطة الجديدة وطبعا لم يسأله أحد من أين لك هذا؟ وشيخ الأزهر في بيزنطة كان يفرض كتبه علي طلاب الأزهر في المعاهد والجامعة ليجمع من ورائها مالا وفيرا، وشيخ الأزهر في بيزنطة كان يضرب الصحافيين بالحذاء ويطردهم من مكتبه ويوجه إليهم أقذع الألفاظ، والغريب أنه كان يخلع عمامته وجبته ويسير حافيا ممسكا بحذائه ليمارس هوايته في ضرب الصحافيين والمراسلين، وشيخ الأزهر في دولة بيزنطة كان يخصص خطبة الجمعة لإهانة عامل كهرباء بالمسجد ويسب الأمة الإسلامية ويصف المسلمين بالرعاع، باختصار، كان شيخ الأزهر في دولة بيزنطة يتم تعيينه مقابل ما كان يقوم به من دور سواء عندما كان طالبا داخل دولة بيزنطة أو خارجها .
ياه، كل هذا من شيخ الأزهر في بيزنطة القديمة؟ نحمد المولي جل وعلا، انه لا توجد عندنا بيزنطة وانما مصر، وعاصمتها القاهرة.
في أي دولة نحن؟ وفي ظل أي مرحلة تاريخية نعيش؟ وهل هذا سؤال نسأله ونكون مثل زميلنا ـ الدستور محمد صلاح العزب الذي تساءل أيضا في نفس اليوم: هل أتاك نبأ شيخ الأزهر؟ الإمام الحبر، العالم، الورع، التقي الجهبز، العالم ببواطن الأمور، المطلع علي خفايا الشريعة الحاكم باسم الدين، مسموع الكلمة، نافذ القرار، الهاديء في كلامه بترك مسافة زمنية لا تقل عن ثانيتين بين كل كلمة وزميلتها.
قرر فضيلته ـ أطال الله في زمن إمامته وزاد في حجم عمامته ـ أن يطبق شرع الله علي الصحافيين الذين يقذفون المحصنين من قيادات الحزب الوطني، وكما هو معروف فهو حزب شرعي بمعني أنه يقوم بالذبح علي الطريقة الشرعية.
هذه الفتوي المباركة أسعدت أكثر من مليار مسلم يعيشون في مختلف أنحاء العالم،فها هي أكبر مؤسسة إسلامية علي الإطلاق تقرر العودة إلي شرع الله الحنيف.
بعد هذا النجاح غير المسبوق الذي حققته الفتوي تردد أن كثيرا من المشايخ يعكفون حاليا علي إعداد فتاوي برجم رؤساء الأحزاب المعارضة، وتقطيع أيادي وأرجل نشطاء حقوق الإنسان من خلاف وقتل المرتدين الذين استخرجوا كارنيهات عضوية الحزب الوطني ثم انسحبوا منه .
وإلي ثاني هجوم تعرض له الشيخ طنطاوي في مطبوعة حكومية، إذ جاءت من زميلنا محمد الشماع، رئيس تحرير مجلة آخر ساعة ، الذي قال عنه وهو في قمة الضيق منه: ورغم أن فضيلته ليس أول المحرضين ضد الصحافة فإن تحريضه يتخذ أبعادا خطيرة لعدة أسباب:
* أولا: من المفترض أن شيخ الأزهر يمثل أعلي مكانة دينية بين المسلمين السنة في العالم الإسلامي وليس في مصر وحدها، وهذه المكانة تضع مسؤولية أكبر علي عاتق من يتولي هذا المنصب الكبير، فالمفترض أنه عالم، وأن لرأيه صفة رسمية بخلاف هواة الفتوي في الفضائيات فما يقوله شيخ الأزهر سيحسب ـ شئنا أم أبينا ـ علي الإسلام خصوصا عند المتربصين الذين يتهمون الإسلام بالتحجر والجمود.
* ثانيا: فضيلة شيخ الأزهر يجعل من قضية سياسية حتي ولو تعلقت بشائعات أو أخبار كاذبة قضية دينية، ويفتي بفتواه الغريبة بجلد من يذيع أخبارا كاذبة قياسا علي عقوبة رمي المحصنات الغافلات المؤمنات وهذا لا يجوز طبقا لأي منطق سليم.
* ثالثا: يلغي شيخ الأزهر بفتواه مواد الدستور وقوانين العقوبات والمحاكم بدرجاتها لصالح هذه الفتوي العجيبة، أي أنه يعتدي علي مدنية الدولة المصرية وإذا كان لفضيلته رغبة في العمل السياسي فلينزل علي السياسة بقوانينها وليطالب بما يريد من خلال طرح سياسي وليس من خلال إعطاء القضية هذه الأبعاد التي تسيء إلي الدين والدنيا معا!
* ونحن نعرف أن تاريخ فضيلة الإمام الأكبر مع الصحافة ليس مريحا علي الإطلاق لا له ولا للصحافة وهناك العديد من المواقف لفضيلته مع زملاء صحافيين، ولكن هذا شيء وتلبيس الأمور لباسا دينيا شيء آخر يحول القضايا إلي هزل ويشمت الأعداء في المسلمين الذين يتركون القانون والقضاء ويعودون إلي الكرباج! .
ورغم ذلك، فقد تلقي شيخ الأزهر في اليوم التالي ـ أمس ـ الأربعاء ـ دعما قويا في الصفحة الأولي من الأهرام بمقال كتبه رئيس تحريرها زميلنا وصديقنا أسامة سرايا، قال فيه: هذا الخطاب الديني تعرض لقراءة مغرضة تأثرت بسياسات بعض وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، وتعرض العالم الجليل لكثير من النقد الخارج عن حدود الخطاب مع رمز ديني له مكانة لابد من الحفاظ عليها، إن حديث الشيخ الجليل يعد حديثا تثقيفيا لعامة المسلمين وكان الأجدر من توجيه الاتهامات اللجوء إلي المناقشة الفقهية والعلمية التي يستحقها لكي تنقي الأجواء، وليس اللجوء الي لي العنق بالكلمات التي تصب المزيد من النار علي الحوار الملتهب وتخيف الآخرين وتمنعهم من الاقتراب حتي لا تحترق أصابعهم.
فالشيخ الجليل الذي نحترم قدره وتواضعه مع عموم الناس ومشاركته للمجتمع في أداء رفيع لشيخ الأزهر الشريف، لم يأت في حديثه بجديد لم يسبقه إليه فقهاء المسلمين علي مدي القرون الأربعة عشر الماضية، وربما أراد الذين هاجموا الشيخ تفصيل الوعظ الديني الرشيد لصالح جماعات بعينها، إذ أن الكثيرين من المتربصين الراغبين في افتعال المعارك يحاولون الوصول بالإثارة إلي حدودها القصوي بصرف النظر عن نتائجها فقد خرج علينا من يقارن شيخ الأزهر بموقف الرهبان البوذيين في بورما وهو في حقيقته يريد المقارنة بين مصر وبورما التي يحكمها نظام عسكري، ولو أنصف هؤلاء لقالوا لنا كيف كان مصيرهم لو أنهم كتبوا في تلك البلاد مقالا واحدا من الألوف التي يكتبونها نقدا وتلفيقا وتجريحا في مصر، ولم يقل أحد أن الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر قد أحاط نفسه بهالة أو قداسة ولم يفعلها أحد له، ولكنه يظل رمز المؤسسة دينية لها مكانتها في الماضي والحاضر والمستقبل، وهذا الرمز لا يوجب القداسة ولكنه يوجب التزام أدب الحوار وإنزال الناس منازلهم وهذا من مباديء الأخلاق في مجتمعنا والقيم التي يجب أن نلتزم بها إذا أردنا أن تنمو الديمقراطية فيه، وهؤلاء الذين ينادون بأن يحتفظ الأزهر بمسافة تفصله عن السياسة العامة للدولة هم في الحقيقة يريدون إقصاء علماء الأزهر بفهمهم الصحيح للدين من أجل أن تصبح الساحة خالية أمام المتلاعبين بالدين والسياسة معا من أجل أهداف الجماعات المحظورة ولأشباه العلماء وأنصاف المتعلمين الذين يريدون السير بالمجتمع إلي طريق الهلاك باسم الدين وقد عرفناهم زمنا ومازلنا نعاني وبال أعمالهم في الداخل والخارج .
ولا أعرف ما هو الدافع الحقيقي وراء دفاع أسامة عن شيخ الأزهر، وإن كنت أعتقد أنه أراد الرد علي مقال زميله بـ الأهرام والكاتب الإسلامي الكبير فهمي هويدي في الدستور يوم الثلاثاء لأنه الذي قارن بين شيخ الأزهر والرهبان البوذيين.
ثم أتحول إلي البديل أمس أيضا، والغارة التي شنها الدكتور إبراهيم السايح ضد الشيخ وما قاله وفعله من قبل في بابه اليومي ـ للكبار فقط ـ عندما تعرض الرئيس مبارك للأزمة الصحية الشهيرة أثناء أحد خطاباته في مجلس الشعب ظل فضيلة شيخ الأزهر رافعا يديه إلي السماء وهو يتضرع إلي الله بصوت مسموع أن ينقذ السيد الرئيس من الأزمة الصحية وأن يمن عليه بالشفاء العاجل وأن يمتعه بالصحة وطول العمر كانت كاميرات التليفزيون في مجلس الشعب تركز علي المقصورة التي يجلس فيها شيخ الأزهر وتنقل للسادة المشاهدين الدعاء المتواصل المسموع الذي كان فضيلة الشيخ يؤديه بحماس بالغ طوال فترة إغماء السيد الرئيس.
لا أحد يعترض بالطبع علي الدعاء للرئيس أو لأي شخص آخر بالشفاء ولكن فضيلة شيخ الأزهر يعلم أكثر منا أن الله سبحانه وتعالي لا يحتاج في الدعاء إلي صوت عال أو أيد مرفوعة أو أية طقوس شكلية من هذا القبيل، لو كان شيخ الأزهر يمثل صحيح الإسلام لما ارتضي لنفسه الاستمرار في هذا المنصب يوما واحدا في ظل الفساد المنهجي المرير الذي يضرب جنبات البلاد في جميع الاتجاهات، ولكن الشيخ الجليل يمثل النظام السياسي ولا يمثل صحيح الإسلام أو الشعب البائس المقهور، ومن هنا خرجت فتواه التاريخية التي أشار فيها بعقاب الصحافي المغضوب عليه بالجلد ثمانين جلدة فهذا هو الولاء الفقهي الذي أضاع الأمة بأسرها ووضعها في جيوب الحكام والمشايخ والأمريكان والصهاينة!! هذا ولاء أهل الحل والعقد والطواريء والتزوير والتلفيق وعمامة السلطة! .
واكتفي اليوم بهذا القدر عن معركة الشيخ والجلد، ولكن قبل الانتقال إلي قضية أخري، سنشير إلي كاريكاتير زميلنا بـ الوفد عمرو عكاشة في الصفحة الأولي أمس، وكان بعنوان ـ الشيخ والصحافيون ـ والرسم عن مسؤول هيئة الفتاوي السلطانية، وكان جالسا إلي مكتبه وأمامه صحافي، والمسؤول يعرض عليه أربع فتاوي، الأولي، فتوي جلد الصحافيين، والثانية عن حرق الصحافيين، والثالثة سحل الصحافيين، والرابعة والأخيرة نفخ الصحافيين