آداب الصيام وأحكامه.
كل عمل جليل له آدابه وأحكامه أداء لحقه وحفاظا عليه ورجاء لفضله ومن ذلك الصيام وقد تقدم لنا من آدابه صوم جميع الجوارح في النطق والعمل بل وفي التفكير.. يصوم المسلم عن جميع ما نهى الله بل وعن بعض ما أباحه الله له.
أما أحكامه فمحلها كتب ودروس الفقه وتأتي حسب السؤال والاستفتاء بحسب ما يعرض للإنسان. إلا أن هناك أحكاما عامة تتصل بالآداب من جهة مراعاتها مما ينبغي تذكير الصائم بها.. وهي تتعلق بمأكله ومشربه وأفعاله وأقواله.
من ذلك التحري للمأكل الحلال ليكون عونا على طاعة الله. وليكون ذلك تعويدا على كسب الحلال والتحري عن الشبه طيلة العام فيرجح إذا وزن ويوفي إذا كال ولا يطفف إذا اكتال ولا يغش ولا يدلس ولا يختلس إلى غير ذلك من أنواع النقص في المعاملات التي تُدخل عليه مالا حراما. إذ الواجب عليه المطعم الحلال دائما وفي رمضان بالأخص لأنه لا يليق به الصوم عن الحلال وإباحته لنفسه الكسب الحرام.
ثم يأتي بعد ذلك آداب وأحكام المطعم والمشرب وهما وجبتا السحور والإفطار.
يعتبر السحور في رمضان خصوصية من خصوصيات هذه الأمة لأنه لم يكن للأمم الماضية في صيامهم سحور ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "فرق ما بيننا وبينهم أكلة السحر".
إذا كان الصيام عند من قبلنا وفي أول الإسلام يحرم على الصائم الأكل والشرب والوطأ من حين ينام أو يصلي العشاء فأيهما حصل أولا حصل به التحريم، فيمسكون من صلاة العشاء إلى الغد حتى تغرب الشمس، وتكون مدة الإفطار هي مدة ما بين المغرب والعشاء فقط. وإذا نام بعد المغرب وقبل العشاء حرم عليه الأكل، إلى أن جاء رجل من مزرعته بعد المغرب فذهبت زوجته تحضر له الطعام، فغلبته عينه فنام فلم يستطع أن يأكل ولا يشرب، وأمسك لليوم الثاني وأصبح صائما فأغمي عليه في النهار فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.. ووقع من رجل أن جاء إلى أهله فقالت إني قد نمت فظنها تمنع عليه فواقعها ثم تبين له أنه اختان نفسه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى قوله: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} . ونسخ المنع السابق وأبيح لنا الأكل والشرب والنساء، ومع إباحة الأكل والشرب طيلة الليل إلا أنه عمل عادي لكن أكلة السحر هي الرئيسية المرتبطة بالصوم ولذا أكدها النبي صلى الله عليه وسلم لأنها رخصة من الله امتن بها علينا ومن هنا يستحب تأخيرها لتحقق معنى امتداد الإباحة إلى آخر الليل فجاء عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بها: "تسحروا فإن في السحور بركة". والأمر بتأخيرها لتكون عونا على صيام النهار كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إنها بركة أعطاكم الله فلا تدعوها". وقال: "استعينوا بطعام السحر على صيام النهار والقيلولة على قيام الليل". ونهى صلى الله عليه وسلم عن تقديمه في قوله: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور". وإن ذلك يحصل ولو بالقليل من الطعام أو الشراب كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "السحور كله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين".
وكان سحور السلف قبل الآذان بما يتسع لقراءة خمسين آية. مع أنه يجوز إلى قبيل الفجر بلحظات.
أما الإفطار فينبغي تعجيله عند أول لحظة من الليل أي عند تحقق دخول الوقت كما تقدم: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر". رواه البخاري ومسلم. فلا يصح لإنسان بعد ذلك أن يؤخر الفطر إمعانا في التأكد فقد حذر صلى الله عليه وسلم من التأخير إلى طلوع النجوم في حديث سهل ابن سعد عند ابن حبان: "لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم".
وفي حديث أنس أيضا: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط صلى المغرب حتى يفطر ولو على شربة ماء". أما على أي شيء يكون إفطاره فجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة فإن لم يجد تمرا فالماء فإنه طهور". وجاء أيضا أنه صلى الله عليه وسلم كان يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار.
ووردت أدعية وأذكار عند الفطر لأنه جاءت نصوص في أن للصائم دعوة عند فطره ومن الأذكار: "اللهم إني لك صمت وعلى رزقك أفطرت".
وفي المبادرة إلى الفطر سر لطيف هو الإشعار بأن العبد ضعيف وكان ممنوعا من رزق الله وقد جاء له الإذن بتناوله فلا يجمل به التأخر بل يبادر فرحا بنعمة الله عليه كما جاء في الحديث: "للصائم فرحتان إذا أفطر فرح بفطره. وإذا لقي ربه فرح بصومه".
ويستحب له أن يفطر غيره معه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من فطَّر صائما كان له كأجر صيامه لا ينقص من أجورهما شيئا ويحصل ذلك ولو بمزقة لبن أو نحوه".
أما ما بين السحور والإفطار فيجتنب شبهات الإفطار أو ما يؤدي إليه ومن ذلك المبالغة في الاستنشاق خشية أن يسبقه الماء إلى حلقه. ومنها الحجامة سواء الحاجم أو المحجوم أما الحاجم فخشية أن يتسرب الدم إلى فمه والمحجوم فخشية أن يضعف ويحتاج إلى الفطر وهذا ما عليه الجمهور وعند الحنابلة رواية أنها تفطر لما ورد من الأحاديث المتعددة فحملها الجمهور على الكراهية وحملها الحنابلة على التحريم ولهذا بحث مستقل إن شاء الله.
كما عليه أن يتجنب مثيرات القيء لأن إثارته مفطرة أما إذا جاءه عفوا وغلبه فإنه لا يفطر.
كما عليه أن يتجنب مداعبة أهله إذا خشي من نفسه كما قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل نسائه وهو صائم وأيكم أملك لأربه". أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد نهى صلى الله عليه وسلم الشباب عن التعرض لما يخشى وقوعه. كما أن عليه أن يكثر من تلاوة القرآن كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام كان يدارسه القرآن في رمضان كل سنة مرة وفي السنة الأخيرة دارسه القرآن مرتين إحياء لبدء نزوله في رمضان.
وأن يكثر من الصدقات كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان أجود ما يكون في رمضان حينما يدارسه جبريل القرآن.
وللقرآن منهج خاص في تشريع الصيام آمل أن ييسر الله تقديمه والاستفادة منه.
والله نسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول لفضيلة الشيخ عطية محمد سالم
القاضي بالمحكمة الشرعية بالمدينة
استقبال المسلمين لرمضان