إذا رأى الأمن أن الكنيسة أو الجامع يمشي على الطريق المستقيم، وأن من به يؤدون العبادات ولا يسيئون للدولة وأمنها فأهلا بهم، أما إن أساءوا فيجوز للأمن غلق هذه الدور أو هدمها".
هكذا قرر الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي في حواره مع جريدة الدستور المصرية الصادرة بتاريخ 20 يونيو 2007-.
هذه التصريحات التي أخذت مقام الفتوى لصدورها عن مرجعية بوزن الإمام الأكبر أثارت ردود فعل واسعة، واختلف حولها العلماء.. فالبعض رفض فكرة الهدم معتبرا ذلك كبيرة من الكبائر بغض النظر عن الأسباب، مجيزا الغلق بحسب الضرورة على أن يكون لفترة مؤقتة.
وفريق آخر رأى أن القضية ليست فيما يمكن أن ينتج من أخطار عن بعض الممارسات غير المقبولة داخل المساجد، فهذا يمكن أن يتم علاجه بأساليب كثيرة غير الهدم أو الغلق، وإنما يرى القضية في محاولات مستمرة لتغييب دور المسجد، وقصره على كونه مكانا لتأدية الشعائر فقط.
فشلٌ في تأمينها!
بداية يؤكد الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الإسكندرية أنه لا يجوز هدم المساجد في الإسلام إلا بضرورة تتعلق بحاجات الرعية وليس بأمنها؛ لأن الأمن يمكن الوصول إليه بغير هدم المساجد، خاصة أن كثيرًا منها من أوقاف المسلمين ولا يمكن تغيير الوقف إلا بناء على شروط أطلق عليها الفقهاء الشروط العشرة.
وأضاف أن كون المسجد به أشخاص يتشددون في جانب الدين أو يخالفون النظام العام للدولة، فليس معنى هذا هدم ذلك المسجد على رؤوسهم.. بل إن الدولة عليها أن تباشر معهم سلطة القانون، سواء كانت سلطة رقابية أو توجيهية.. أما الهدم فلم يقل به أحد من العلماء لمجرد أن في المسجد قومًا جبارين.
وحذر إمام من أن القول بهدم المسجد لوجود جماعات أو أفراد لا يسيرون وفقًا للخط الأمني، سيؤدي بالقول أيضا بهدم الكليات التي بها جماعات متطرفة، والبيوت التي تأوي هؤلاء؛ فما يطبق على المسجد سيطبق على كافة المؤسسات؛ لمجرد أن بها من يخالف النظام العام!.
كما أكد رفضه فتح المساجد لأداء الصلاة فقط ثم غلقها بعد ذلك، خاصة أن فكرة أداء الصلاة ليست هي الأساس لبناء المساجد؛ فالأرض كلها مسجد، مشيرًا إلى أن المسجد له وظيفة أكبر من وظيفة أداء الصلاة وهي كونه خلية نحل تؤدي وظائف اجتماعية وعلمية وسياسية.
ولفت إمام إلى أن عدم تفعيل دور المسجد بصورة صحيحة هي إحدى مشكلاتنا في العالم العربي، ولو قمنا بإعادته لأحدثنا الحراك الاجتماعي المطلوب، موضحا أن غلق المسجد يجوز لأسباب أن يكون آيلا للسقوط من أجل إعادة بنائه، أو في حالة عدم استطاعة الدولة منع استخدامه كفندق للنوم، أو استخدامه لأفكار متطرفة، مؤكدًا أن هذه ضروريات، لكن لا يمكن تعميمها؛ حيث إن الغلق يجب أن يكون بضرورات مؤقتة، لكن إغلاقها العام يعني أن الدولة فشلت في تأمين المسجد.
واختتم إمام كلامه قائلا: "لا نريد أن يتطوع العلماء لإعطاء الدولة مسوغات لتجريد المساجد من دورها الأساسي؛ فكفانا ما نحن فيه، وينبغي أن نكون أكثر ورعا أو شجاعة، وإلا أصبحت العلاقة بين السلطان والعالم ليست علاقة توازن، وهذا أمر غير محبوب ولا مقبول".
كبيرةٌ من الكبائر
في حين شدد الشيخ محمد الجزار أمين لجنة الفتوى بالجامع الأزهر سابقا على أن المسجد ما دام قد أقيم فلا يمكن القول بهدمه؛ لأن الإقدام على هدم بيوت الله هو هدم ركن من أركان الإسلام، وجريمة في حق الإسلام، وكبيرة من الكبائر.
وأضاف الجزار أنه مع حرمة المساجد فإنه من الممكن غلقها إن كانت تستخدم وكرًا لجماعات تهدم البلد وتدمرها، على أن يكون هذا الإغلاق مؤقتا وليس للأبد حتى يزول الخطر المغلق من أجله المسجد.
أما الدكتور عبد الحي عزب الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر فقد أوضح رأيه في مسألة غلق أو هدم المساجد بقول المولى عز وجل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُّحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}.
واستطرد قائلا: "من هنا نجد أن الله سبحانه وتعالى جعل لكل أمر مقصدًا، ودور العبادة إنما أقيمت من أجل العبادة، وهذا هو المقصد الرئيسي لإنشائها ، فإذا خرج هذا المقصد عما أقيم له يكون الأمر مجرد مبنى لا يساوي إلا ما وضع فيه من مواد بناء".
وشدد عزب في ختام حديثه على أن إجازة عنصر الهدم لأي مسجد قد تؤدي إلى فتنة أكبر في الأمة؛ لذا لا يقال بمسألة هدم دور العبادة إلا إذا وجدت مصلحة عامة كاعتراض طريق مثلا ولا يمكن تحويله إلى جهة أخرى دون المرور بأرض المسجد أو دور العبادة.
وعلل ذلك بأنه في هذه الحالة نكون قد رجحنا مصلحة على أخرى عملا بقاعدة "المصلحة الراجحة"، وهذا مما يدل على سعة أفق الشريعة، وعلى وجود الحلول المتنوعة التي تضعها الشريعة الإسلامية؛ لأن الشريعة مرنة وصالحة لجميع الأزمنة والأمكنة وجميع الأشخاص.
تحجيمٌ لدورها
من جانبه رأى الدكتور عبد الحي الفرماوي الأستاذ بجامعة الأزهر أنه عند الحديث عن هدم أو غلق دور العبادة فإن الكلام سيكون منصبا على المساجد؛ لأن دور عبادة المسيحيين لا يعلم عنها شيئًا، وهي خطوط حمراء لا تمس.
وأوضح أن الأصل في دور العبادة أن تكون مفتوحة للشعائر، وجميع الناس يعرضون فيها أفكارهم ومشاكلهم وقضاياهم؛ حيث إن المسجد في الإسلام هو دار العبادة والمحكمة، وهو المشفى النفسي، وهو مكان حل المشاكل وقضاء المصالح وعقد المناسبات؛ ولذلك ينبغي ألا يحجر على هذه المساجد بأي حال من الأحوال.
ولفت الفرماوي إلى أن دعوى الأمن والحفاظ عليه في المساجد هي دعوى لم نسمع عنها إلا حينما تدخل الأمن نفسه وعبث في أدوار المساجد، ويقول: "تجربتي الشخصية التي لامستها بنفسي أنه كانت تطلق الدعوات على أن مسجدًا معينًا مليئًا بالأسلحة، وحينما كنت عضوًا بمجلس الشعب المصري في فترة من الفترات دخلت هذه المساجد ولم أجد أسلحة ولا متطرفين إطلاقا".
وأضاف أن المراد بمسألة تحقيق الأمن في المساجد هو تحجيم المساجد حتى لا تشارك في الدور السياسي؛ فالمساجد في حالة عدم غلقها لا خطورة منها أبدًا؛ حيث إن الأصل ألا تغلق مطلقا، وأن يتساوى فيها كل الناس في أداء الشعائر، إلا إذا أغلقتها فئة من الناس على نفسها ومنعت باقي المصلين من أداء العبادات؛ فهذا هو الخروج عن الخط حتى ولو كان الذي يغلق جماعة أو وزارة أو جهة أمنية.
------------ -------
اسلام اون لاين