يكتبها : المصري
النُص!.
.. النُص كان فكهاني في العباسية.. صعيدي جدع ودايما يقول اللي ماعاشرش الحاج علي معرفش خير.. الحاج "علي" ده كان جدي.. عمري ما شفته.. لكن كنت اسمع عليه من أبويا والنُص.. ومعرفش ليه النُص لما كان يشوف أبويا من بعيد يفضل واقف.
كنت فاكر إن دي أخلاق زمان.. لما كانت الناس تعرف الأصول.. أو يمكن عشان أبويا كان كبير العباسية.. في يوم سألت النُص أنت بتعمل كده ليه.. قال لي يا بني دكانتي دي بتاعة جدك.. كان عنده بيوت ودكاكين وباني جامع في الميدان.. وصوته ساعة الأذان يخلي الطير في السما يبطل يطير عشان يسمعه.. وأنا كنت فارش بابيع بطيخ وتين.. وساعات قصب.. قدام دكانه الكبير..
جدك مات فجأة.. وأبوك مكنش فاضي للبيوت والدكاكين.. باعهم كلهم.. وجه قال لي حتروح فين يا نُص.. قلت له ليا رب اسمه الكريم.. قال لي وليك أخ اسمه إبراهيم.. اداني الدكان ببلاش.. الكلام ده كان بعد الحرب.. سألته حرب ايه يا عم النُص.. قال لي حرب هتلر.. والدكان كان وش الخير.. بعديه اشتريت دكان واتنين.. يبقي بعد كده مش عايزين أهب واقف للراجل الأمير..
عم النُص فضل عايش لما عدي المية بشويه.. وأنا معرفتش طول عمري اشتري إلا منه.. حتي فيه أصناف ماكنش بيجيبها كنت أقول له عليها ويجيبها لي مخصوص.
تصوروا أن الراجل ده عمره مغش.. كان بيفرز الفاكهة كلها الساعة ستة الصبح.. العربية تيجي من السوق له لوحده.. يفرز ويرص.. البايظ والمضروب يوزعه أو يركنه.. والمضبوط يبيعه..
عشت 30 سنة بعد ما أبويا مات وأنا فاكر النص مسلم زينا.. بيصوم رمضان معانا.. وبياكل بعد المغرب.. لكن في يوم سألته أنت ليه مبتصليش الجمعة معانا.. قال لي أنا قبطي باصلي يوم الحد.. شوف أما راجل يعيش معانا 80 سنة منعرفش إن كان مسيحي والا مسلم.. لكن أكيد أبويا كان عارف.. الغريب أن عم النُص فضل محافظ علي حنفية كان جدي سايبها جنب الدكانة.. نتوضا منها ونروح الزاوية التي فضلت زي ما هي من 72 سنة.
مرة سألت عم النُص ليه ما بتحبش يا ميش رمضان تبيعه زي الفاكهنية.. قال لي حا أشارك المسلمين في رزقهم!. خليني في الفاكهة والبطيخ.. وما اعرفش ليه أنا لسه فاكر حلاوة فاكهته.. زمان ما كناش نعرف الصوبات ولا الجينات وكان لكل موسم فاكهته.. مفيش عنب في الشتا ولا منجة.. ولا فيه برتقال في الصيف ولا موز.. لكن الدنيا اتغيرت.. والفاكهة اتمسّخت.. والمسلم بقي يسأل عن دين جاره قبل أخلاقه..
والمسيحي يبص لأيد اللي بيشتري منه ولو شاف علامة أو صورة في سلسلة ذهبية معلقاها مدام ولا صبية.. ساعتها بس يكرم في السعر والبضاعة!
وعرفت أن مصر اتغيرت لما لقيت دكان عم النُص اشتراها واحد بلدياته وزين الجدران بالصور المقدسة لأشقائنا الأقباط.. مع أن النُص عاش ومات ومعلقش صورة واحدة في الدكان!