العملية فى النملية
لم أصدق عينى حين قرأت فى " الأهرام " أن شعار المؤتمر التاسع للحزب الوطنى هو " بلدنا بتتقدم بينا " ، لأول وهلة ظننت أن خطأ مطبعياً فى الشعار ، أو أن أحد المستظرفين الذين انتشروا فى الصحافة المصرية فى هذا الزمان هو الذى صاغة على ذلك النحو .
واستمر حيرتى حين وجدت أن محرر " الاهرام " وهو يعرض للأفكار التى بحثها المجلس الأعلى للسياسات حاول فيما يبدو أن يخفف من وقع العبارة فذكر أن مؤتمر الحزب ينعقد تحت شعار " بلدنا بتتقدم بنا " وليس " بينا " .
ولم أعرف أيهما الشعار الحقيقى للمؤتمر ، إلا حين دققت فى الصورة المنشورة على الصفحة الاولى يوم 25 - 10 التى ظهر فيها على المنصة كل من الدكتور أحمد نظيف والسيدين صفوت الشريف وجمال مبارك ، ووجدت أن الصيغة الأولى هى التى كتبت بحروف كبيرة على الجدار الذى تتجه إليه الأعين فى القاعة ، وحينئذ تيقنت من أن المسألة لا عبث فيها ولا استظراف ، وأن ذلك حقاً هو شعار مؤتمر الحزب الحاكم .
لم آخذ على محمل الجد الكلام الذى قيل عن موضوعات بحث المؤتمر ، والتى أفاضت فيها الصحف القومية خلال الايام الماضية ، سواء ما تعلق منها بالعدالة الاجتماعية والقضاء على الفقة أو بتطوير التعليم وتحسين الخدمات الصحية ... الخ ، ذلك أننا اعتدنا على استقبال مثل هذه الرسائل فى مختلف المناسبات السياسية التى تتحول فيها هموم الناس وقضايا المجتمع إلى موضوعات للإنشاء وتمارين على البلاغة فى التعبير ، تماماً كما تظل الإنجازات مجرد أخبار وتقارير تشاطرهم أحزانهم فقط فى بعض المناسبات .
الشئ الوحيد الذى أخذته على محمل الجد فى مؤتمر الحزب هو شعاره الذى لم أجد فيه تزييفاً أو ادعاءاً ، إذ لاحظت أولاً أنه لم يتطرق إلى مسألة " الفكر الجديد " التى كانت شعاراً للمؤتمر السابق ، ربما لأن التجربة أسقطت الشعار وأشهرت إفلاسه ، حين أدرك الجميع أن " الجديد " لم يختلف فى شئ عن القديم ، بل إن التعديلات الدستورية التى تمت فى ظل الفكر الجديد جعلتنا نتحسر على أيام الفكر القديم .
لاحظت ثانياً أن صياغته تمت بطريقة بائسة ، حين استخدمت مفردات عامية ضحلة ، لا تليق بمؤتمر للحزب الحاكم فى دولة بوزن وحجم مصر ، بل إنها لا تختلف فى شئ عن لغة إعلانات السمن والشاى ومعجون الأسنان التى يبثها التليفزيون ، حتى لا أستبعد أن يصبح الشعار شطراً فى استهلال اغنية جديدة لشعبان عبد الرحيم .
إن المسألة ليست فى الكلمات الركيكة التى صيغ بها الشعار أو المعنى الضحل الذى عبرت عنه الكلمات ، ولكنها فى التفكير الكامن وراء فكرة العنوان وسياغته ، والذى لا يحترم عقول الناس ولا ثقافتهم ن ولئن قيل فى الأثر إن اعوجاج اللسان علامة على اعوجاج الحال ، فإن الشعار المرفوع فوق مؤتمر الحزب هذا العام يأتى تعبيراً صادقاً عن مدى التدهور فى أوضاعنا الثقافية والسياسية ، وإذا ما استمر هذا النمط فى التفكير فإننا لن نستبعد أن يصبح شعار مؤتمر الحزب القادم هو " حطينا إيدنا على البلف " ، أو " العملية فى النملية " او " الأستك هو الحل " !
منقووووووووووووووووووووووول