رشا لطفي - خاص - "كم من الجرائم ترتكب باسمك أيها الخروف" .. هكذا لا يملك بعضنا إلا أن يعلق أسباب ودوافع عدد لا بأس به من الجرائم على "قرون وفروة ولية" ذاك الضيف العزيز الغالي الذي نستقبله بالطبل والزمر الزغاريد ثم نشيعه إلى مثواه الأخير صبيحة أول أيام عيد الاضحى!
وتمشياً مع طريقة "تعددت قائمة الإتهامات والفاعل واحد" وجد الخروف "المسكين" نفسه على لائحة المطلوبين ضمن سلسلة طويلة من الحوادث والجرائم والتي لا تخلو في بعض الأحيان من سقوط ضحايا بين مصاب وقتيل ابتداءً من الخلافات الأسرية وتهريب المخدرات ومروراً بالإخفاقات والهزائم الرياضية وغيرها الكثير والكثير ليجد "التعيس" نفسه في مشهد مأساوي وقد تم إيداعه قفص الإتهام يسترحم الجميع بنظرات عينيه الهادئة الوديعة والمسالمة وهو يصرخ مستنكراً: "والله العظيم أنا بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب"!
ففي الإسكندرية كاد موظف أن يدفع حياته ثمناً غالياً لبطش خروف العيد إثر قيام الخروف الذي كان يقوم بتربيته على سطح المنزل استعداداً لذبحه بإلقائه من الدور الثالث مما ترتب عليه إصابته بكسور مضاعفة بالقدمين والساعدين ونزيف حاد في المخ تم على أثرها نقله إلى وحدة العناية المركزة بأحد المستشفيات.
وكان الموظف "الضحية" قد اشترى الخروف "المتهم" قبل شهرين ولكنه تأخر ذات مرة في تقديم الطعام له مما سبب حالة هياج حادة تسببت في ارتكابه للجريمة!
انتحار خروف!
ومن الإسكندرية إلى الفيوم حيث فضل الخروف أن يموت منتحراً على أن يتم ذبحه على أيدي أحد الجزارين بعد أن ألقى الخروف بنفسه من فوق سطح إحدى العمارات السكنية.
وكان الجزار ومساعده يحاولان الإمساك بالخروف فأصيب بحالة هياج شديدة خوفاً من الذبح وأسرع إلى حافة السطح وألقى بنفسه في مشهد مؤلم وصعب على أصحاب الخروف.
الطريف أن الجزار لم يشأ أن يترك الخروف "المنتحر" في حاله وأسرع على السلالم وأدرك الخروف قبل نفوقه وقام بذبحه.
وفي منطقة امبابة لقى مواطن حتفه بعد انقاذه خروفاً سقط في النيل حيث نجح في إنتشال الخروف وإخراجه من المياه بكل براعة ولكن ما إن خرج الخروف حتى سقط الرجل مكانه وغرق، وامعاناً في الإنتقام من الخروف "الشؤم" قررت أسرة المتوفي ذبحه بعد وفاة صاحبه.
وفي حادث مشابه لقى جزار في حي باب الشعرية مصرعه على يد تاجر مواشي بعد أن اشترى الجزار عدداً من رؤوس الخراف لبيعها قبل حلول عيد الأضحى على أن يقوم بسداد ثمنها على أقساط، وعندما ذهب إليه التاجر للمطالبة بسداد ثمن الخراف، اختلف معه الجزار على قيمة أحد الخرفان ونشبت مشاجرة حامية الوطيس قام على إثرها التاجر بعد أن شعر أن كرامته قد أهدرت بطعن الجزار عدة طعنات قاتلة لفظ معها أنفاسه الأخيرة.
خروف بالمخدرات
ولم يسلم الخروف أيضاً من حيل تجار المخدرات وألاعيبهم الماكرة وهو ما حدث من أمر تجار الصنف عندما اغتنم جزار فرصة حلول عيد الأضحى وقام بوضع نبات البانجو المخدر داخل خروف العيد بعد ذبحه وانتزاع أحشائه، وتصادف قيام دورية من رجال الشرطة بتفقد أحوال مناطق وسط القاهرة، وعندما شاهدت شخصاً يسير حاملاً كيساً أسود اللون تسيل منه الدماء استوقفته بحجة الإشتباه به.
وبسؤاله عن محتويات الكيس ادعى الجزار أنه ذبح خروفاً وينوي بيعه بالتجزئة لعدد من زبائنه المقيمين في المنطقة لكن أفراد الدورية اكتشفوا أثناء تفتيش الكيس أن الخروف كان محشياً بكيس آخر من لفائف البانجو، واعترف الجزار في أقواله أنه كان على موعد مع أحد رواد النوادي الكبرى لتسليمه البضاعة.
خيبة المنتخب
ولم تقتصر سمعة وشهرة الخروف على الحوادث فقط بل وصلت أيضاً إلى الخيبة الرياضية بعد أن علق بعض المسئولين والنقاد الرياضيين إخفاق مشاركات بعض المنتخبات والأندية المصرية في البطولات الأفريقية على شماعة "الخروف"؟!
وفي هذ السياق يتذكر الناقد الرياضي محمد عثمان أحد المواقف الطريفة بهذا الخصوص عندما كان مرافقاً للبعثة المصرية للمنتخب الكروي الأول الذي شارك في بطولة الأمم الإفريقية منذ بضعة أعوام في مالي حيث قامت إدارة البعثة وقتئذ بتلبية دعوة السفير المصري في مالي لتناول طعام الغداء في مقر السفارة.
وفي مفاجأة غير متوقعة قدم عمدة بلدية "باماكو" خروف على سبيل الهدية إلى الكابتن هاني أبو ريدة رئيس البعثة مؤكداً لهم أن العرف في بلاده يقتضي أن يتم تكريم كل زائر رسمي للبلاد عبر منحه خروفاً تعبيراً عن التقدير والحب والإمتنان، وقد أقيم حفل بسيط بهذه المناسبة لتسليم الخروف وذبحه، وأكل اللاعبون الخروف وتاهوا في الملعب في مباراتهم التالية أمام الكاميرون وخرجت مصر من البطولة من الأدوار التمهيدية خاوية الوفاض إلا من الخروف!
الخروف ونوبل؟!
أما الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ فله ذكرى خاصة مع حوادث الخروف تشهد على ذلك ندبة صغيرة على جبهته، وعندما سئل عنها ذات مرة قال إنها أثر لجرح قديم من قرن خروف عندما كنت في الخامسة من عمري وكان إحدى عاداتنا أن نقوم بشراء الخروف قبل العيد بفترة وتربيته على سطح المنزل إلى أن يأتي موعد الذبح.
لكن خلال تلك الفترة من كل عام كانت تنشأ بيني وبين الخروف علاقة حميمة فكنت كل يوم أواظب على إطعامه واللعب معه، وفي إحدى المرات تصورت نفسي فارساً مثل فرسان السينما يمتطي صهوة جواده فتركت الخروف وأمسكته بيدي من قرنيه ولكنه طرحني أرضاً، وأصابني بقرنه في جبهتي ونزفت الدماء بغزارة من رأسي، ورغم كل ما جرى لم تؤثر هذه الحادثة المؤلمة على عمق صداقتي الوطيدة مع الخروف من سنة إلى أخرى بعد أن اعتبرت ما حدث من قبيل الهزار الثقيل الذي يحدث عادة بين الأصدقاء؟!!
نقلا عن مصراوى