منتدى طلبة كلية الهندسه بأسوان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى طلبة كلية الهندسه بأسوان

منتدى طلبة كلية الهندسه بأسوان
 
الرئيسيةالبوابةالتسجيلأحدث الصوردخول

 

 مدد لنجيب محفوظ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
osama jaber
كبير مهندسين
كبير مهندسين
osama jaber


عدد المساهمات : 472
تاريخ التسجيل : 02/11/2007
العمر : 37
رقم العضوية : 186
Upload Photos : مدد لنجيب محفوظ Upload

مدد لنجيب محفوظ Empty
مُساهمةموضوع: مدد لنجيب محفوظ   مدد لنجيب محفوظ I_icon_minitimeالإثنين 8 ديسمبر - 1:54


مدد

عرف عبدين يوماً بحكايته التى جرت على كل لسان ، ورث دكان العطارة الصغيرة عن أبيه ، فيسرت
له رزقاً موفورا ، و عاش مع أمه بعد زواج اخوته فى بيتهم القائم أمام الزاوية و
تميز بين شباب الحارة برشاقة القوام و وداعة القسمات ، و دماثة الخلق و حسن
العلاقات مع المعارف و الاصدقاء ، أما أول ما اشتهر به من الطبائع و ألصقها بعقله
و قلبه فهو إيمانه بالعرافين و ولعه بزيارة أضرحة الأولياء ، و لم يكن يخطو خطوة
حتى يستخبر أهل الذكر ، و يستعطف القدر ،كان لعبدين جيران ، صاروا لطول الجيرة و
حسن السيرة و كأنهم من صميم الأهل ، و كانت لهم بنت تدعى شمائل ولدت بعد عبدين بعامين ، فعرفها منذ كانا يلعبان فى الحارة أو تجمعهما زفة الفوانيس فى رمضان ، و عرفت شمائل باشراق الوجه وحسن التكوين
، و جمال الأدب ، و أتقنت منذ فترة شئون البيت ، و ما يلزم ربة البيت من ضرورات و
كماليات ، و حتى الخط كانت تفكه ، فتكتب اسمها كما كانت تكتب بسم الله الرحمنالرحيم .
و كان من المتفق عليه و المعروف فى الحارة أن شمائل هى عروس عبدين ، و أن عبدين هو عريس
شمائل ، و فضلا عن ذلك فقد ربط الحب بينهما ، و مهدت البسمات لمعجزة اليوم الموعود
.و لما اقترب الوقت المناسب تحرك طبع الفتى الدفين ، و قال :كيف لا يفوتنى
سؤال الشيخ لدى كل حركة عادية أو تافهة و لا أقصده فى مصير حياتى ، و أخذ بعضه و
ذهب الى شيخه العارف بالله الشنوانى بحجرته بأم الغلام ، و طرح سؤاله و الآخر يقبض
على يده و يشم عرقه ، ثم قال له الشيخ : اذهب الآن الى حارتك و انتظر عند مدخلها ، و سلم أمرك لأول بنت تخرج منها ، هى التى تحمل لك سعادتك المقسومة لك فى هذه الدنيا ، و لن تحظى بخير الا فى الآخرة.
و رجع الى حارته و هو فى غاية من التوقع و التوتر ، و كان على شبه يقين من البنت التى سيراها
، و لكن أين تذهب شمائل فى ساعة الغروب؟ و كان سرحان الأعمى أول من خرج من الحارة
، و تلاه غلام يسوق الطوق و يغنى " على باب حارتنا حسن القهوجى"
، و اشتد قلق عبدين فقال فى سره :
" سلمت اليك أمرى يا رب العالمين "
، و اذا بصوت ينادى " عال الجوافة " و ظهرت عربة
يد فوقها هرم من الجوافة تدفعها حليمة ، ذهل ، لم يحول عينيه عنها ، و ضحكت هى لما
رأته و قالت مداعبة :
" واقف مثل غفير
الدرك " ، و مضت نحو
الميدان ، سار و هو يقول لنفسه : " يا رب لطفك و رحمتك "
أيعنى الشيخ
حقا حليمة بنت أم حليمة بياعة المخلل و ابنة المرحوم أحمد المكارى ؟ لا أحد فى
حارتنا يجهل حليمة ، و هى أيضا تتعامل مع الجميع ، و لكنه كما تقول أمها مفاخرة : "رجل بين الرجال " ، رغم رشاقة عودها و ثرائه . و كانت مقبولة الوجه و جذابة أيضا رغم
قوة نظرتها النافذة ، و خلا عبدين الى نفسه يتفرغ للحيرة ، و يذهب مع خياله و يجىء
بين شمائل و حليمة ، و شكا سره الى صديقه الذهبى فقال له :
2 أى وجه للمقارنة بين شمائل و حليمة ! و انت عرفت شمائل
من خلال الجيرة و المعاملة و شهادة المعارف و الجيران ،أما كلام الأولياء فليس
منزلاً من السماء،
و لكن ايمان عبدين بقول الولى كان فوق أى مناقشة ،
و انتشرت رائحة الخبر رويدا رويدا ، فأثارت الدهشة و الضحك كما عثت الدموع فى أعين كثيرة ،
و حصل كلام و نزاع و صراع ، و لكن عبدين صمد لكل معارضة بقوة ايمان لا يتزعزع ، و
فى ساعة العصرية ، و قبل أن تتحرك حليمة بالعربة ذهب عبدين الى حجرتها ، بربع
الزاوى و طلب يدها من أمها ، و أخذ الخيال يتحول الى حقيقة ، و سمع حمودة فى احدى
الليالى يقول فى الغرزة على مسمع من جميع المساطيل "المجنونة الجشعة ما أحبت أحداً سواى و لكن أعمتها صورة دكان العطارة " .
و ذهبت العروس الى الحمام لتزيل عن جسدها الممشوق عرق
الأعوام و غبار الحارة و فلت شعرها المسكون ، فتبدت فى صورة لامعة و زفت الى الفتى
العطار فأقام معها فى شقة أما السيرجة ، و دعا ربه أن يهبه السعادة التى ضحى فى
سبيلها بقلبه و بكل اعتبار .
و كانت أياما صافية ، و انغمس عبدين فى هواه الجديد
ليغطى على أصداء حبه الأول و يدفن هواجسه و فقدت الحكاية جدتها و دهشتها فلم يعد
يتندر بها أحد ، و كان يمارس الحياة و يلاحظها بانتباه حتى لا يفوته سر من أسرار
السعادة ، و منذ بدأ المعاشرة شعر بقوتها و صلابتها و بأنه يضعف أمام نظرتها
النافذه . و الحق أنه توقع أكثر مما كان و لكنه أقنع نفسه بأن السعادة الموعودة ليست هبة بسيطة أو احساساً سهلا يجود بذاته منذ اللحظة الأولى ، انها حياة عميقة ذات سراديب فلينتظر ، أما حليمة فلم تنتظر ،
سرعان ما ضاقت بحياتها فى البيت ، و لم تعد تخفى ضجرها ، و لا تمردها على سجنها ،
و تحير عبدين أمام ظاهرة غير مألوفة فى دنيا النساء . و لكنها قالت له بصراحة و جرأة :
- دعنى أعمل فقد خلقت لذلك .
و ذهل عبدين ، و أخرسه الذهول فاستطردت:
- لا يهمك كلام الناس ، متى سكتوا عنا ؟
و كانت تصر و تصمد و كان ينفع و يتراجع ، و لم تكن تهمه
الحوادث ، باعتبارها مقدمات لسعادة لا مفر منها ، ألم يقل الشيخ الشنوانى كلمته ؟
و شهدت الحارة حليمة و هى تشارك زوجها فى دكانه و رجع
الاتصال بينها و بين زبائنها القدامى ، و رجع حمودة أيضاً بين الغمز و اللمز ، و
كثر اللغط و الضوضاء حتى سأله صديقه الذهبى :
- أتعجبك هذه السعادة ؟
و لكن عبدين بدا صامداً مؤمنا فقال له :
- الصبر طيب و النصر قريب .
و لكن حليمة اختفت فجاءة ، استولت على ما اعتبرته حقها من النقود المودعة فى الدكان و اختفت ،
و بعثت اليه رسولا يعتذر اليه و يطلب الطلاق ، كب كل شىء على عبدين ، و قوض
الزلزال صبره فبكى ، و لما رأى صديقه الذهبى مقبلا تعانقا بحرارة ، و فى أثناء
العناق استرد الكثير من روحه الضائعة ،
و قال لصديقة :
- سأطلقها فى الحال .
فلم يخف صديقه فرحه ، و نظر عبدين اليه طويلا فى فتره
صمت ثم قال :
-انها ستجرب حظها بعيدا و لكنها ستعود تائبة !
و تنهد ثم قال لصديقه الذاهل :
- كلمة الشيخ الشنوانى لا تكذب ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مدد لنجيب محفوظ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى طلبة كلية الهندسه بأسوان :: مواضيع عامة :: البيــــــــــت بيتــــــــك-
انتقل الى: