مشروع قانون جديد يقيِّد تعدد الزوجات بـ مصر يثير جدلاً !!!05/02/2009
أثار مشروع لتعديل قانون الأحوال الشخصية في مصر، يتضمن تقييد تعدد الزوجات، جدلا فقهيا وقانونيا ساخنا. كما تضمنت التعديلات المقترحة لقانون الأحوال الشخصية المصري رقم 25 لسنة 1920 عدة مواد شائكة، أهمها فرض قيود على تعدد الزوجات، وسوف تلزم النصوص الجديدة المقترحة الزوج بتوفير مسكن خاص للزوجة التي لم تنجب، أو قام زوجها بتطليقها بإرادته المنفردة من دون ذنب منها في حالة إذا ما استمر الزواج لمدة تتجاوز 15 عاما.
وكانت وزارة العدل المصرية قد تسلمت منذ عدة أيام مشروع هذا القانون، الذي أعدته جمعيات حقوق المرأة في مصر، تمهيدا لطرحه على البرلمان المصري. في تعليقه على مشروع القانون، يؤيد الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر صدور قانون ينص على تقييد تعدد الزوجات، مؤكدا أنه لا يوجد ما يسمى بتعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية أصلا، إنما التعدد الذي أباحته شريعة الإسلام هو تعدد في أمهات اليتامى فقط، مستدلا على ذلك بقول الله تعالى "وإنْ خِفْتُم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع".
ويوضح الدكتور السايح أن المقصود من قول الله تعالى "وإنْ خِفْتُم" جملة شرطية، وفعل الشرط فيها "خِفْتُم"، وجوابه "فانكحوا"، وقوله تعالى "من النساء"، ولم يقل من الفتيات، لأن المرأة إذا تزوجت وطُلقت أو مات عنها زوجها؛ وقفت في صف النساء، وليس في صف الفتيات.
وقد طبق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك في زواجه، حيث لم يتزوج بكرا غير السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ وباقي نسائه كُنَّ إما أرامل، أو أمهات يتامى، أو مات عنهن أزواجهن. وبالتالي، فإن تعدد الزوجات ليس مطلوبا في الإسلام بنص آيات القرآن الكريم، والتعدد شُرع فقط للنساء أمهات اليتامى، لأجل مصلحة اليتامى، فإذا كان قد حدث في عهود الصحابة تعدد للزوجات، فإنما كان ذلك اتباعًا للأعراف والتقاليد التي كانت موجودة آنذاك.
بينما يرفض الدكتور عبد الحكم الصعيدي الأستاذ بجامعة الأزهر صدور قانون يقيِّد تعدد الزوجات بالنسبة للرجال، باعتبار أن ذلك يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية، مؤكدا أن الشريعة في مجال الأحوال الشخصية قد جاءت بأحكام لا غبار عليها، وسمحت بتعدد الزوجات، وبالتالي لا يجوز تقييده بقانون وضعي. وأضاف أن "الشريعة الإسلامية، واستقرار قواعدها، تفي بحاجات المجتمع، وتسد حاجات الناس ورغباتهم، ومما يدل على ذلك.. أنها أصبحت راسخة بمرور الزمن. فقد مضى عليها أكثر من 14 قرنا من عمر الدعوة الإسلامية.
والشريعة الإسلامية كشريعة خاتمة، إنما جاءت لتيسر على الناس أمر الحياة، لا لتعسرها عليهم. وبالتالي، فإذا كان أمر الزواج من الأمور الاجتماعية التي اقتضتها طبيعة البشر وفرضتها ظروف العمران الاجتماعي، فقد طرأ عليها بعض الخلل فيما قبل الإسلام، حيث كان التعدد في الجاهلية غير محدود بضوابط، وغير مقيد بقيود، فأَلِفَ الناس ذلك، وأصبح عادة لهم، فلما جاءت الشريعة الإسلامية رشَّدت هذا التعدد، وجعلته أمرا مباحا، مع أنها أشارت إلى أفضلية التوحد، بدليل قول الله تعالى في إباحة التعدد "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، ولكنها جعلت ذلك الأمر مشروطا بشروط العدل في المبيت، وفى القسمة ما بين الزوجات، وذلك في قول الله تعالى:"فإنْ خفتم ألا تعدلوا فواحدة"، أي إنْ خاف الجور؛ فعليه الاكتفاء بواحدة".
وتابع الصعيدي، بحسب جريدة " الشرق الأوسط" ، "لقد أكدت الشريعة الإسلامية أن العدل غير مستطاع، كما جاء في قول الله تعالى "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمُعَلَّقَة"، فهذا كله يدل على التعدد وجوازه بحسب الظروف الداعية له، لأن في هذا توسعة على الأمة وتيسير عليها، وبخاصة في الحالات التي نرى فيها نسبة الإناث تفوق نسبة الذكور، وكذلك المجتمعات التي ترتفع فيها نسبة العنوسة"، مؤكدا أن "المطالبة بسن تشريع لمنع تعدد الزوجات وقَصْره على واحدة، بحجة أن في ذلك اجتهادا يتنافى مع الشرع الإسلامي، فهذا لا يرقى إلى أن يكون اجتهادا، فضلا عن وجود قاعدة تؤكد أنه لا اجتهاد مع نص، والنصوص كثيرة ومتوافرة".
ومن جانبه، أكد وليد عبد المنعم شتا المحامى والباحث القانوني أن «قانون الأحوال الشخصية المصري المعمول به حالياً يرجع إلى عام 1920. وطوال هذه الفترة، طرأ على هذا القانون بعض التعديلات، كان آخرها في عام 2000، وهي التعديلات الخاصة بالخلع، ثم التعديلات الخاصة بإنشاء محكمة الأسرة، مشيرا إلى أن التعديلات الجديدة شملت وضع قيود على تعدد الزوجات، وهو ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وبالتالي فإن مشروع هذا التعديل غير دستوري، لأن الدستور المصري ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع». وأضاف شتا أن «الشريعة الإسلامية تنظم مسائل الزواج والطلاق، وفقا لضوابط محددة بنصوص لا تقبل الاجتهاد. ومن هنا، يجب ألا يتم تقييد ما أحل الله عز وجل، وكان من الأفضل للقائمين على وضع هذه التعديلات مراجعة الأزهر أولا، قبل سن بنود مشروع القانون، فقانون الأحوال الشخصية ليس قانوناً وضعياً خالصاً، ولكنه قانون يعتمد على الشريعة في أساسه، ومن هنا لا بد أن تكون الشريعة هي مصدره الأول .
المصدر : محيط