أيتها العرافة المقدَّسةْ ..
|
جئتُ إليك .. مثخناً بالطعنات والدماءْ
|
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
|
منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ.
|
أسأل يا زرقاءْ ..
|
عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء
|
عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة
|
عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً على الصحراء
|
عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء..
|
فيثقب الرصاصُ رأسَه .. في لحظة الملامسة !
|
عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء !!
|
أسأل يا زرقاء ..
|
عن وقفتي العزلاء بين السيف .. والجدارْ !
|
عن صرخة المرأة بين السَّبي. والفرارْ ؟
|
كيف حملتُ العار..
|
ثم مشيتُ ؟ دون أن أقتل نفسي ؟ ! دون أن أنهار ؟ !
|
ودون أن يسقط لحمي .. من غبار التربة المدنسة ؟ !
|
تكلَّمي أيتها النبية المقدسة
|
تكلمي .. باللهِ .. باللعنةِ .. بالشيطانْ
|
لا تغمضي عينيكِ، فالجرذان ..
|
تلعق من دمي حساءَها .. ولا أردُّها !
|
تكلمي ... لشدَّ ما أنا مُهان
|
لا اللَّيل يُخفي عورتي .. كلا ولا الجدران !
|
ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدُّها ..
|
ولا احتمائي في سحائب الدخان !
|
.. تقفز حولي طفلةٌ واسعةُ العينين .. عذبةُ المشاكسة
|
( - كان يَقُصُّ عنك يا صغيرتي .. ونحن في الخنادْق
|
فنفتح الأزرار في ستراتنا .. ونسند البنادقْ
|
وحين مات عَطَشاً في الصحَراء المشمسة ..
|
رطَّب باسمك الشفاه اليابسة ..
|
وارتخت العينان !)
|
فأين أخفي وجهيَ المتَّهمَ المدان ؟
|
والضحكةَ الطروب : ضحكتهُ..
|
والوجهُ .. والغمازتانْ ! ؟
|
* * *
|
أيتها النبية المقدسة ..
|
لا تسكتي .. فقد سَكَتُّ سَنَةً فَسَنَةً ..
|
لكي أنال فضلة الأمانْ
|
قيل ليَ "اخرسْ .."
|
فخرستُ .. وعميت .. وائتممتُ بالخصيان !
|
ظللتُ في عبيد ( عبسِ ) أحرس القطعان
|
أجتزُّ صوفَها ..
|
أردُّ نوقها ..
|
أنام في حظائر النسيان
|
طعاميَ : الكسرةُ .. والماءُ .. وبعض الثمرات اليابسة .
|
وها أنا في ساعة الطعانْ
|
ساعةَ أن تخاذل الكماةُ .. والرماةُ .. والفرسانْ
|
دُعيت للميدان !
|
أنا الذي ما ذقتُ لحمَ الضأن ..
|
أنا الذي لا حولَ لي أو شأن ..
|
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان ،
|
أدعى إلى الموت .. ولم أدع الى المجالسة !!
|
تكلمي أيتها النبية المقدسة
|
تكلمي .. تكلمي ..
|
فها أنا على التراب سائلٌ دمي
|
وهو ظمئُ .. يطلب المزيدا .
|
أسائل الصمتَ الذي يخنقني :
|
" ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
|
أجندلاً يحملن أم حديدا .. ؟!"
|
فمن تُرى يصدُقْني ؟
|
أسائل الركَّع والسجودا
|
أسائل القيودا :
|
" ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
|
" ما للجمال مشيُها وئيدا .. ؟! "
|
أيتها العَّرافة المقدسة ..
|
ماذا تفيد الكلمات البائسة ؟
|
قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ ..
|
فاتهموا عينيكِ، يا زرقاء، بالبوار !
|
قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرة الأشجار ..
|
فاستضحكوا من وهمكِ الثرثار !
|
وحين فُوجئوا بحدِّ السيف : قايضوا بنا ..
|
والتمسوا النجاةَ والفرار !
|
ونحن جرحى القلبِ ،
|
جرحى الروحِ والفم .
|
لم يبق إلا الموتُ ..
|
والحطامُ ..
|
والدمارْ ..
|
وصبيةٌ مشرّدون يعبرون آخرَ الأنهارْ
|
ونسوةٌ يسقن في سلاسل الأسرِ،
|
وفي ثياب العارْ
|
مطأطئات الرأس.. لا يملكن إلا الصرخات الناعسة !
|
ها أنت يا زرقاءْ
|
وحيدةٌ ... عمياءْ !
|
وما تزال أغنياتُ الحبِّ .. والأضواءْ
|
والعرباتُ الفارهاتُ .. والأزياءْ !
|
فأين أخفي وجهيَ المُشَوَّها
|
كي لا أعكِّر الصفاء .. الأبله.. المموَّها.
|
في أعين الرجال والنساءْ !؟
|
وأنت يا زرقاء ..
|
وحيدة .. عمياء !
|
وحيدة .. عمياء
|