يبدو أن مصر صارت تهوى النيران أو أنها صاحبت الحرائق.. فمنذ حريق القاهرة في 26 يناير 1952 والاثنان لم يفترقا، لكن الشاهد أن المصائب أو الحرائق كانت تحدث على فترات متباعدة من حريق الأوبرا إلى المسافرخانة وقطار الصعيد، وصولا إلى مسرح بني سويف، لكن الأمر اختلف مؤخرا وأصبح شيئا عاديا أن تستيقظ على خبر "حريق مروع" وصار مشهد النيران المرعب حميميا وقريبا من المصريين الذي لا يكفيهم بؤس حياتهم، لتأتي النيران لتحيلها جحيما، وخد عندك: حريق مجلس الشورى، حريق المسرح القومي، حريق عمارة في شارع رمسيس.. والسبب.. قضاء وقدر؟! كل شيء في حياتنا بأمر الله إلا أن تكرار الأمر وتقارب التوقيت يدفع بالتأكيد "الفأر" لأن يلعب ويمرح في "عبّ" كل مصري.. هل هي صدفة؟ هل هو إهمال؟ هل هي لا مبالاة؟ أم إننا لا نتعلم؟!
في كل مرة يخرج مسئول ما ليؤكد أن السبب هو ماس كهربي، وأحياناً يكون "عُقب" سيجارة، وتتوه الحقيقة ويمر الأمر لنستيقظ مرة أخرى على حريق جديد..
الأسبوع الماضي كان حافلا.. خمسة حرائق مرة واحدة.. والسبب معروف كالعادة.. إلا في حادثة واحدة كانت مختلفة.. نحن نرصد معا حرائق الأسبوع الماضي داعين الله أن تكون آخر الحرائق.. قولوا آمين..
حريق حلوان
الحريق: مع إطلاق إشارة بدء مباراة المنتخب الوطني وزامبيا مساء الأحد 29 مارس الماضي، اندلعت ألسنة اللهب في مبنى متجر "التوحيد والنور" فرع حلوان، ودمّر الحريق المبنى التجاري الكبير بكامله، حيث لم تتمكن قوات الأمن من السيطرة عليه بسهولة.. أصيب خلال الحريق: 3 أشخاص من قوات الدفاع المدني باختناق، بالإضافة إلى سيدة صاحبة كشك مقابل للمحل، هذا بجانب أضرار مادية كثيرة قدّرها البعض بنحو 25 مليون جنيه.
أسبابه: شب الحريق في المول المكوّن من خمسة أدوار؛ بسبب ماس كهربائي في تكييف إحدى "فاترينات العرض" بالدور الأرضي، واشتعل الدور بأكمله، فتم إخلاء المكان، إلا أن الحريق امتد إلى الأدوار العلوية، مما أدى إلى اشتعال المكان بالكامل.
حريق شارع عبدالعزيز
الحريق: في نفس توقيت حريق حلوان ومع بداية نفس المباراة، اشتعل حريق في شقة تُستخدم كمخزن للأدوات الكهربائية في البناية رقم 15 بمنطقة أرض شريف في شارع عبدالعزيز بوسط القاهرة. وتمكنت أجهزة الأمن من السيطرة على الحريق بعد أن التهم محتويات المخزن من الأجهزة الكهربائية. وقال صاحب المحل إن الحريق التهم الأجهزة الكهربائية التي كانت موجودة بالمحل وقدّر قيمة الخسائر بمليون جنيه.
أسبابه: في بداية الأمر توالت تصريحات بأن السبب ربما يكون عقب سيجارة ألقاه أحد المارة، إلا أن صاحب المحل نفسه أعلن أن السبب ماس كهربائي اندلع في الأسلاك الموجودة بالمحل، وهو ما تسبب في اندلاع النيران.
حريق معرض القاهرة الدولي للصناعة
الحريق: شب حريق هائل ظهر يوم الجمعة 27 مارس الماضي، بإحدى خيم بيع الملابس الجاهزة بمعرض القاهرة الدولي للصناعة -الذي تنظمه هيئة المعارض في مارس من كل عام- وأتت النيران على كل محتويات الخيمة من الملابس، وأصيب اثنان من العاملين بحالات اختناق، بينما سيطرت قوات الدفاع المدني على الحريق بعد 30 دقيقة من نشوبه وقبل الامتداد إلى الخيم والأجنحة المجاورة.
أسبابه: لم تحدد بالضبط أسباب الحريق، حيث اختلفت الروايات، فالبعض أكد أن سبب الحريق هو ماس كهربائي في أحد أجهزة التكييف، والبعض يقول: إنه بسبب عقب سيجارة ألقاه أحد الأشخاص بين أكوام القمامة المنتشرة بأرض المعرض، والتي عملت الشرطة على جمعها بأقصى سرعة ومنعت الصحافة من تصويرها.
حريق سوق الجمعة
الحريق: اندلع حريق في منطقة "سوق الجمعة" يوم الإثنين 30 مارس الماضي بحي السيدة عائشة الشعبي، والتهمت النيران أكثر من 35 كشكا لبيع الأدوات الصحية والأخشاب والسيراميك.. ولم يسفر عن إصابات أو ضحايا. وقد انتقلت أكثر من 20 سيارة إطفاء إلى المكان وحاولت الدخول إلى المنطقة، إلا أن ضيق الشوارع حالت دون ذلك، فلجأوا إلى الصعود إلى كوبري التونسي الذي شب الحريق أسفله لإطفاء الحريق.
أسبابه: تبين أن الحريق اندلع بسبب تطاير شرارة من قضبان السكك الحديدية في أثناء عبور قطار بالمنطقة.
حريق الشرابية
الحريق: اندلع حريق ضخم يوم الإثنين 30 مارس الماضي، في مجموعة من مخازن تجارة الأخشاب بمنطقة الشرابية، وامتد إلى 3 عقارات يتكون كل منها من أربعة طوابق. وكان ضيق الشوارع في هذه المنطقة، فضلاً عن وجود كميات كبيرة من الأخشاب في الشوارع قد شكّل صعوبة كبيرة في سير عمليات الإطفاء، واستغرقت عملية الإطفاء عدة ساعات؛ نظراً لاحتواء المخازن على كميات ضخمة من الأخشاب وتخزينها بطريقة عشوائية. وأسفر الحريق عن خسائر تخطت 10 ملايين جنيه، كما تسبب في تشريد أكثر من 150 أسرة وإصابة ما يزيد عن 15 شخصا من المدنيين وقوات الدفاع المدني.
أسبابه: بعد أن تعددت الروايات التي كان فيها بالطبع الماس الكهربي، تم القبض على أشرف محمود -الذي يعمل سائقا- وتبين أنه ارتكب الواقعة بقصد الانتقام من أحد تجار الأخشاب بالمنطقة، على مبلغ مالي 275 جنيه ثمن باب خشبي كان قد اشتراه المتهم، ورفض التاجر استرجاع الباب مقابل استراد المبلغ، فقام المتهم بشراء كمية من البنزين، ثم سكبها على الأخشاب الموجودة في المكان وأشعل النيران فيها وفر هاربا.
كما ترى.. الحرائق تستمر وتتوغل وتنتشر.. والخسائر تتنوع ما بين خسائر مادية، اختناق، إصابات وقتلى.. والنتيجة.. لا شيء! حريق ينتهي ليبدأ حريق آخر.. هل أصبحنا مهملين إلى هذه الدرجة؟! نلقي بأعقاب السجائر بلا مبالاة ونترك أي شيء قابل للإشتعال دون اكتراث؟ ولا نهتم باتخاذ أبسط قواعد الأمان التي يطلقون عليها "الأمن الصناعي" من وجود نظام إطفاء أو حتى نتأكد من وجود طفايات حريق؟ أم إننا صرنا جهلة ولم نتعلم بعد أن هذه الفعلة قد تسبب كارثة؟!
هل العيب فينا أم في ذلك النظام الذي لم يوفّر عربات مطافئ مناسبة حتى الآن، إلى درجة أن هذه الحرائق يتم التعامل معها بجرادل مياه!! وهل ستستمر الحال على ما هي عليه أم سوف يجيئ يوم نجلس فيه؛ لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه، وكيف حمل كل منا أمانته وأدّى دوره، كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة "نارية" سادت فيها "الحرائق" ليحملوا "جرادل المياه" حتى تستطيع أمتهم أن تعبر "الحريق" ما بين "خرطوم المياه" و"الجردل"!