أعلنت الحكومة بأنها تخطط لإنشاء عاصمة جديدة. وفي اليوم الثاني رفض الرئيس مبارك مشروع الحكومة، وانتهي الموضوع وكأن لم يكن، ولم نعرف لماذا الحكومة قررت إنشاء هذه العاصمة، ولا علي أي أساس قرر الرئيس رفضه لهذه العاصمة.. وبالتالي لم نعرف القرار الصحيح من الخاطئ في القرارين، هل الرئيس أم الحكومة؟ مشكلة الناس في مصر انها لا تعرف من هو صاحب القرار في أي مؤسسة كبيرة كانت أم صغيرة،
وبالتالي يصعب مسائلة احد عن أي شيء سواء كان كارثة ضخمة أو حاد بسكلتة بسيط، وهذا يفسر فشلنا دائما في تحديد المسئول عن الكوارث وعجزنا عن محاسبة أحد فيها.. لقد احترق قطار الصعيد بركابه ومات في أكثر من 400 بني آدم ولم نعرف من كان السبب عن هذه الكارثة، وتاهت المسئولية وتفرق دم الضحايا بين »جزرة« القطار و»وابور الجاز« الذي ادعي البعض انه كان مع امرأة من الركاب ولولا انها احترقت لكانوا ألصقوا بها التهمة وحاكموها!!.. وغرقت عبارة بكل ركابها ويزيد عددهم عن ألف بني آدم ولم نعرف حتي الآن من المسئول، ونحاسب من، ونتهم من؟ واحترق العشرات من الفنانين والمبدعين في مسرح بني سويف وحتي الآن لا نعرف من السبب. وهذا كله لا يختلف عما حدث في 67 وهزيمتنا المريرة فيها وحتي الآن لا نعرف من كان السبب ولم نحاكم أحدا رغم انها قتلت شعبا بأكمله بخلاف مئات الآلاف من الجنود في صحراء سيناء!؟!
في الدول الديمقراطية يحاكم المسئول عن أخطائه ويحاسب حسابا عسيرا ولا أحد فوق المساءلة فيها، بل عندما يخطئ مسئول كبير يكون العقاب بحجم مسئوليته ومكانته، فالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون حاسبوه بشدة عندما اكتشفوا فضيحة ووترجيت وتجسسه علي الحزب الديمقراطي، فأخضعوه للاستجواب وعزلوه من منصبه رغم انه حقق الكثير للشعب الأمريكي بإنهاء مأساة حرب فيتنام والمصالحة مع الصين، ورغم ذلك طردوه شر طردة من البيت الأبيض، وفعلوا ذلك أيضاً مع بيل كلينتون بسبب علاقته غير الأخلاقية ع المتدربة السابقة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي وكادوا يعزلوه من منصبه اكتفوا بلومه وتوبيخه وهو في عز مجده، فقد حقق كلينتون أبرز توسع اقتصادي في تاريخ الولايات المتحدة. أما في الغرب فالقائمة طويلة ومنها علي سبيل المثال محاكمة واتهام وزير الداخلية الفرنسي الأسبق شارل باسكوا »80 عاما« بتمويل غير شرعي لحملته للانتخابات الأوروبية في 1999، وآخرها منذ أيام في بريطانيا فرضت محكمة غرامة مالية بحق وزير الدولة للشئون الداخلية »ليام بايرن« بعد اعترافه بالذنب أمام المحكمة باستخدام الهاتف المحمول خلال قيادة السيارة. وفي ايطاليا مثل رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلوسكوني، أمام المحاكم ست مرات علي الأقل لمواجهة تهم تتعلق بالفساد.
أما عندنا فيحدث العكس تماما. فكلما كان المسئول كبيرا لا أحد يستطيع الاقتراب منه ومحاسبته، اما إذا كان صغيرا فويله وسواد ليله تحاكمه كل المحاكم بدرجاتها وأنواعها ويلبس كل القضايا التي ارتكبها كبار المسئولين وكانت قد قيدت ضد مجهول.. فهل حاكموا مسئولا حقيقيا عن نهب أموال المودعين بالبنوك، وتهريب مليارات الجنيهات الي الخارج، وهل حاكموا مسئولا حقيقيا عن قتل عشرات الآلاف من مرضي السرطان والفشل الكبدي والكلوي بسبب استيراد واستخدام المبيدات المسرطنة؟ وهل وهل.. الأمثلة كثيرة ومريرة، ولا حل حقيقي لضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث سوي بمعرفة من هو صاحب القرار ومن المسئول عنه حتي نعرف سنكافئ من في المستقبل إذا كان القرار صحيحا أو سنحاسب من إذا القرار خاطئا.. ألا يمكن أن يكون قرار الرئيس مبارك بعدم إنشاء عاصمة جديدة أنقذنا من مصيبة اقتصادية حقيقية؟.. ومن الممكن أيضا أن يكون قرار الحكومة بإنشاء عاصمة جديدة هو الحل السحري لكل مشاكلنا.. فأيهما القرار الصحيح.. وأيهما القرار الخاطئ؟ ونعرف كيف الصح من الخطأ في كل القرارات؟!.. وللحديث بقية.
الوفد