تأثر الأحاسيس والأحكام بالتوقع والترقب والآمال
إن التوقع والترقب يؤثر على أحاسيسنا وأحكامنا اللاحقة , فالتوقعات التي تحدث قبل رحلة أو قبل موعد جميل أو قبل ربح أو فوز, أو قبل عقاب قادم أو قبل موقف سيئ قادم ...الخ يكون لها تأثيراتها الخاصة بها ، ويكون لها تأثيراً كبيراً أيضاً على أحاسيسنا وأحكامنا النهائية , عند تحقق أو عدم تحقق التوقعات و الترقبات المعتمدة.
هذه التوقعات يمكن أن تخفض أو ترفع أو تغير الأحاسيس والأحكام النهائية التي سوف تحصل ، فعندما نقول لك بأننا سنقدم لك حلوى فأنت ستتوقع الحلاوة وأشياء معينة ، فإذا كانت تلك الحلوى مالحة أو مختلفة فإنك سوف تفاجأ وتكون أحاسيسك مختلفة ومتأثرة سلباَ أو إيجاباً بالتوقع الذي اتخذته, والذي يذهب إلى فيلم قيل عنه بأنه عاطفي أو يتوقع بأن يكون عاطفياً , ثم يجده فيلماً هزلياً أو بوليسياً فسوف يكون تأثيره مختلفاً .
فالأهداف والتوقعات والآمال لها تأثير كبير وهام جداً على الأحاسيس والأحكام .
ولها تأثيراتها الكبيرة على تذوق الوجبات , والنكتة بشكل خاص تعتمد على التوقع والترقب واستخدامهما في إحداث المفاجأة أو التناقض الذي يحدث انفعال الدهشة والضحك .
وكذلك يكون للمفاجأة تأثيراً كبيراً على أغلب الأحاسيس و على الأفكار والمعارف أيضاً , فهي تضخم الأحاسيس ويمكن أن تغيرها ، فالمعارف المقدمة عن طريق المفاجأة أوالتناقض بالتوقعات يكون تأثيرها كبيراً .
فمثلاً إذا قلت لك بأن هذه فكرة جيدة ومناسبة في وضع معين ، ثم وجدت أثناء تعاملك معها أنها فعلاً جيدة جداً وأفضل مما توقعت ، عندها سوف يتضخم تأثير هذه الفكرة لديك وسوف تعطيها أهمية أو قيمة أكبر مما تستحق .
وكذلك الفكرة المعتبرة بأنها سيئة أو غير مناسبة ، وبعد تطبيقها وظهورها بأنها سيئة فعلاً سوف يتضخم تأثيرها السيئ أكثر مما تستحق .
وهذا يشبه وضع المتهم الذي كان يشك كثيراً به ويثبت أنه هو المذنب ، عندها يتضخم الغضب عليه وينظر إليه على أنه مذنب أكثر من الواقع .
لذلك يكون تأثير البرهان القبلي - مهما كانت النتيجة- قوياً ومهماً , فالبرهان الديني أو الفكري أو السياسي أو العلمي يقوي ويضخم الأحكام النهائية الناتجة .
وهذا ما نلاحظه أيضاً في تأثير الأدوية والعلاجات فيمكن للماء العادي إذا قدم للمريض على أنه دواء أن يشفيه من مرضه نتيجة التوقع والترقب .
أو مع المعارف والأفكار التي ظهرت فائدتها في أوضاع ومجالات معينة ، فيضخم مفعولها وتستخدم في أوضاع ومجالات أخرى مختلفة , فالتوقع له تأثيرات على الأحاسيس والأحكام نتيجة بناء التوقعات والتي هي بمثابة معاني .
" ففي تجربة على أربعة أشخاص , أعطوا جميعاً مادة منشطة ومفرحة " نوع من المخدارات" وقيل لإثنين أنها مادة منشطة , ولم يقال للآخرين شيئأ .
وكانت النتيجة أن الذين عرفا أنها مخدر وتوقعا النشاط والفرح حدث لهما فعلاً النشاط والفرح , أما الآخرين فقد شعرا بالطاقة الزائدة, والقلق والانجعاز لأنهم لم يكونا يتوقعا شيئاً . " من برنامج تلفزيوني عن الدماغ "
وكذلك فإذا ظهر ضرر بعض المواد أو المعلومات أو الأفكار في مجال معين فسوف يضخم هذا وينظر لها على أنها ضارة في أغلب المجالات والأوضاع , فتركيز الانتباه على إحساس أو فكرة معينة متوقعة يعطيها أفضلية .
فتركيز الانتباه على توقع حدوث أحساس معين يوسع ويضخم من قوى وتأثير هذا الإحساس .
فالذي يدخل ساحة الوعي والشعور يأخذ أفضلية في المعالجة والاهتمام به, وبما أن الترقب والتوقع يحدث أحاسيس فإن هذا يعطيها قوة وأفضلية للاهتمام بها ومعالجتها , وهذا يجعل نتائج التوقع والترقب تتضخم تأثيراتها وأهميتها ، فالفشل أو النجاح المتوقع يكون تأثيره خاصاً ومختلفاً عنه في حالة عدم توقعه ، ويمكن أن يحدث عكس المتوقع وهنا تحدث المفاجأة , فالمفاجأة تحدث عند عدم حدوث المتوقع أو حدوث عكسه ، وتكون تأثيراتها قوية .
إن التعزيز في الإشراط هو التعامل مع الطنين الحسي المتوقع ، فهناك انتباه وشعور متوقع للإحساس الذي سوف يحصل ، وهذا هو مولد الإشراط ، وهذا يظهر تأثير الوعي والشعور في التعلم .
إن التوقع والترقب هو تحضير أو إشراط ، ويمكن أن يعزز أو يكف أو يعدل الاستجابات .
التوقع والسببية
والتوقع هو أساس التنبؤ الذي هو أساس المعارف ، وهو الذي ينتج السببية ، فالسببية هي تحديد وتعيين واختصار واختزال للتوقعات ، فهي تعتمد على اختزال المؤثرات وتحديد وتعيين الاستجابات , فالمؤثرات أو الأسباب تختزل بمؤثر أو بسبب واحد ، فهي تختزل الأسباب وترتكز على سبب أساسي واحد نتيجة آليات الترقب والتوقع , فأهم آلية في التفكير هي التوقع وما ينتج عنه من آليات داعمة ومصححة.
والتوقع هو الذي يفرض ويحدد مجال ومنحى سير التفكير أو المعالجة ، لأنه يعين ويحدد الاستجابات والأهداف ، فبعد أن يتم تحديد البدايات والمنطلقات نتيجة تحديد المؤثرات التي تم استقبالها, تتشكل التوقعات والتنبؤات التي تحدد الاستجابات المستقبلية ، وبالتالي تتحدد الأهداف والغايات بناء عليها .
ويجب أن لا ننسى أن التوقع في أساسه إشراط عصبي تم بناؤه .