عبير رمضان مراقب عام المنتديات
عدد المساهمات : 3897 تاريخ التسجيل : 09/04/2008 العمر : 56 الموقع : في قلب مصر رقم العضوية : 994 Upload Photos :
| موضوع: بروتين يمحو الذاكرة الجمعة 12 يونيو - 19:11 | |
| حتى وقت قصير، كان أخصائيو الأعصاب يحاولون وصف المراحل المختلفة لعمل الذاكرة في الدماغ بدءاً من التدرب على اكتساب المعلومة ثم تخزينها وانتهاء باسترجاعها عند الحاجة منذ فترة وجيزة، استطاع فريق من الباحثين اكتشاف البروتين الذي “يمسح الذكريات” ويمنع الذاكرة من تثبيت المعلومات. ويقول الباحثون ان وجود ركيزة اساسية للنسيان يثبت أن الذاكرة هي توازن مدهش بين عمليتي تخزين ومسح المعلومة. ويعتقد هؤلاء أن النسيان عملية نشطة وحيوية للذاكرة وذلك على عكس ما كان يتصور الكثير من العلماء. وينظر أخصائيو الدماغ الذين يدرسون آلية عمل الخلية والأنسجة العصبية، الى الذاكرة على أنها دعامة عضوية للذكريات تعمل وفقاً لشبكة معقدة مؤلفة من مليارات الخلايا العصبية التي تحدث فيما بينها شلالات هائلة من التفاعلات الكيميائية والحيوية. وقد اكتشف الباحثون عشرات من بروتينات الذاكرة التي يطلقون عليها جزيئات Gaba مثل الدوبامين والأسيتيل كولين. والواقع أن غالبية الدراسات كانت تركز أبحاثها على الدماغ، لكنها كانت تخفي وراءها الوجه المظلم للذاكرة والمتمثل في النسيان. وكان فرويد ينظر الى النسيان على أنه ميل فطري دفاعي مرتبط باللاشعور. ومنذ ثلاث سنوات، كانت الباحثة الفرنسية ايزابيل مانسوي وفريقها العلمي من كلية البوليتكنيك في زيوريخ بسويسرا، تعمل على وضع الأسس الجزيئية الأولى لآلية نشطة للنسيان. وقد ركز الفريق العلمي بحثه على انزيم يسمى اختصاراً (pp1) أي بروتين الفوسفاتاز -،1 حيث تبين بعد دراسة مستفيضة لهذا الانزيم انه يطلق العنان لآلية مسح المعلومات من الذاكرة. والواقع ان هذا الانزيم موجود في جميع خلايا الكائن الحي البشري تقريباً كالكبد والعضلات والبشرة والدماغ. ويعلم الباحثون منذ 20 عاماً بأنه ينظم العمليات الحيوية كتطور الجنين أو عملية الانقسام الخلوي، لكنهم لا يعلمون السبب الذي يدفع الانزيم الى مسح الذاكرة. وينتمي الانزيم الى عائلة الفوسفاتاز الكبرى التي تتميز بجذب ذرات الفوسفات من مواد اخرى كالهستونات، والهستونات عبارة عن بروتينات بسيطة يلتف حولها الحمض النووي Dna، وتساهم في تحديد ملامحه. وتعمل الفوسفاتاز على تثبيط الهستونات الأمر الذي يؤدي الى ابطائها ومنعها من إتمام العملية الحيوية. ومن هنا ينظر العلماء الى مادة الفوسفاتاز على انها كوابح جزيئية حقيقية. وفي هذا الصدد تقول الباحثة ايزابيل مانسوي: “يظهر الفوسفاتاز على أنه من العناصر السلبية التي لا تعطينا تفسيراً واضحاً للكيفية التي تتكون بها الذكريات”. وتضيف مانسوي ان الباحثين يشكون منذ فترة طويلة في أن تكون الذاكرة مضبوطة وفقاً لتوازن دقيق بين الآليات الحيوية لعمليتي تخزين ومسح المعلومات، لكنهم كانوا يوجهون جل تركيزهم على الابحاث المتعلقة بالانزيمات المناسبة لعملية ترسيخ المعلومات في الذاكرة. وترى مانسوي ان دراسة دور الفوسفاتاز في الدماغ كان يبدو بالنسبة للبعض مناقضاً للمنطق، لكننا أصررنا على اختيار هذا الطريق الذي أدى بنا الى اكتشاف دور هذا الانزيم في عملية الذاكرة. وكان خبراء الأنسجة العصبية وعمل الخلايا، قد اجروا اختباراً على فئران معدلة وراثياً أمكن التحكم بنشاط انزيم الفوسفاتاز لديها. وقام هؤلاء بحقن الحمض النووي لهذه الفئران بجين معدل وراثياً يعمل بمثابة الكابح “للفوسفاتاز-1”، وكان الهدف من وراء ذلك، ضبط نشاط (pp1) على طريقة “إعمل - توقف) وذلك بشكل غير مباشر من خلال تغيير الكابح. وفي المقابل، أضاف الباحثون لغذاء الفئران مادة الدوكسيسيكلين (مضاد حيوي يستقر فوق جين الكابح المعدل وراثياً ويمكنه من التعريف عن نفسه). ولكي يتمكن الباحثون من تقييم أهمية انزيم ال”pp1” قاموا بتدريب الفئران كي تتمكن من التعرف إلى الأشياء، ولاحظوا أنها تبدي ميلاً زائداً الى الأشياء الجديدة، ولها قدرة كبيرة على التعلم. وتشير الباحثة مانسوي الى ان الفئران تتصرف كالتلاميذ المجتهدين، فهي تتعلم بشكل أفضل خلال المحاولات الخمس الأولى التي تفصل بينها فترات زمنية قدرها 15 دقيقة وليس خمس دقائق فقط او محاولة واحدة وطويلة قدرها 25 دقيقة. ولوحظ انه عند تخفيف نشاط انزيم ال (pp1)، فإن محاولة التعلم في فترة تستغرق 25 دقيقة تصبح أفضل من المحاولات الخمس التي تستغرق 5 دقائق والتي تفصل بينها فترات زمنية قدرها 15 دقيقة! وتبين لفريق البحث ان نشاط ال (pp1) عند الفئران العادية (غير المعدلة وراثياً) يكون في حالته الدنيا عندما تترك فترات زمنية طويلة بين محاولات التعلم او التدرب، وكأن هذا الانزيم يمنع الذاكرة من تخزين المعلومات خلال فترة التعلم وذلك على طريقة “حشو الدماغ”. ومن هنا استنتج الفريق العلمي انه من الأفضل القيام بمحاولات عدة للتعلم على ان تفصل بينها فترات طويلة نسبياً من الراحة، لأننا بذلك نجنب الذاكرة الخضوع لتأثير انزيم ال (pp1). ولكن كيف يتم ذلك؟ لفهم ذلك لابد ان نعرف ان الذكريات تخزن في منطقة تسمى نقاط الاشتباك العصبي الواقعة عند نقاط تلاقي الخلايا العصبية والتي لا يزيد طولها من 15 نانومتراً، أي ما يعادل جزءاً من 15 ملياراً من المتر! ويختصر الباحث سيرج لاروش المتخصص في الآلية الجزيئية والخلوية للذاكرة في جامعة أورساي ذلك قائلاً: اثناء عملية التدرب أو التعلم، تحدث تغيرات جزيئية في نقاط الاشتباك العصبي، الأمر الذي يسهل عملية التواصل بين الخلايا العصبية، ويؤدي ذلك أيضاً الى تنشيط بعض الانزيمات المهمة مثل الكيناز التي تعمل على تأمين عملية تسجيل الذكريات عن طريق تغيير نقاط الاشتباك العصبي، ويمكن تشبيه ذلك كمن أراد تسجيل معلومات رقمية على قرص مضغوط حيث يقوم بحفر المعلومات على سطح القرص “السي.دي” اما عن دور انزيم ال (pp1) فيتمثل في الآتي: اثناء عملية التعلم او التدرب، يقوم الانزيم بايقاف او كبح عملية تكوين الذكريات من خلال التأثير في انزيم الكيناز حيث يعمل على تثبيطه. ولاحظت الباحثة ايزابيل مانسوي انه عندما يتم تعطيل انزيم ال (pp1) عند الفئران المعدلة وراثياً. فإن نشاط انزيم الكيناز يكون واضحاً أثناء عملية التعلم. وتساءل الفريق العلمي في زيوريخ إن كان الانزيم (pp1) قادراً على التأثير في استمرارية ذكرى معينة على المدى الطويل، ولذا قاموا بتدريب الفئران على ايجاد جحر مخفي في مسبح ماء داكن اللون. وتكمن أهمية الجحر بالنسبة للفئران في بناء ملجأ تؤوي اليه للهروب من الوسط السائل، وبعد عدة تجارب ومحاولات، استطاعت الفئران تخزين معلومات في ذاكرتها تمكنها من السباحة مباشرة للوصول الى الجحر، وبعد تدريب مكثف على مدى تسعة أيام، أخرج الباحثون الجحر من الماء فكانت النتيجة على النحو التالي: في بداية التجارب الجديدة كانت الفئران العادية تبحث عن الجحر في مكانه الصحيح، لكن مع مرور الزمن، كان مستوى هذا السلوك ينحدر بشكل سريع حتى اختفى كلياً بعد ستة أسابيع. في المقابل، لوحظ ان الفئران التي تم خفض نشاط ال (pp1) لديها بعد التدرب، قد حافظت على ذاكرتها لفترة امتدت الى 6 أسابيع. وهكذا نرى أن انزيم ال (pp1) يحدث لدى الفئران نسياناً في المعلومات المخزنة مسبقاً، على الرغم من استقلالية عمله اثناء التدرب حيث يؤدي الى منع تكوّن الذكريات في الدماغ. ويقول العاملون في فريق البحث إن التجربة تظهر على ما يبدو أن هذا الانزيم يكبح نشاط بروتين آخر يسمى “كريب”. وهذا البروتين هو ما يطلق عليه العلماء، معامل النسخ أو التسجيل الذي يقرر جراء الاستجابة إلى إشارات مختلفة، إن كان هذا الجين أو ذاك قد استطاع التعبير عن نفسه أم لا، وأي جين من الجينات يمكنه التحكم بإنتاج بروتينات جديدة ضرورية، وفي المقابل، تقرير ما إذا كانت عملية تكوين وتخزين الذكرى ستتم على أكمل وجه. وتشير الباحثة ايزابيل أن ثمة آليتين تعملان في موضوع الذاكرة، وذلك حسب نوعية النسيان، إن كان كاملاً (أي حدث مسح في الذاكرة) أو عابراً (أي حدث ستر للذكريات). وتؤكد مانسوي أن الكشف يثبت ان بعض الذكريات غير المهمة يتم مسحها تماماً، في حين يبقى البعض الآخر متوارياً إلى حين. من ناحية ثانية، يلاحظ أن الإنزيم (pp1) يكبح عملية تجدد المكونات المؤدية إلى تشكل نقاط الاشتباك العصبي أثناء عملية التعلم أو التدرب، ومن هنا يستنتج الباحثون ان الاختفاء او المسح التدريجي للذكريات يكون في اتجاه واحد وليس عكسياً. ومن الأمور التي اكتشفها الباحثون أن إنزيم ال (pp1) يمنع عملية استرجاع ذكريات أخرى وفقاً لآليات غير معروفة حتى الآن. ويعتقد الباحث ايريك كانديل من جامعة كولومبيا والحاصل على جائزة نوبل في الطب لأبحاثه المتعلقة بالذاكرة أن اكتشاف بروتين النسيان يعتبر في حد ذاته شيئاً رائعاً وخطوة مهمة نحو المستقبل، لأنه يثبت للكثيرين أن النسيان لا علاقة له بمرور الزمن وإنما هو عملية بيولوجية محضة. وبناء على هذا الاكتشاف يصبح النسيان مجرد ظاهرة حيوية عند الإنسان. وعلاوة على ذلك، يلاحظ وفقاً لأبحاث مانسوي أن الإنزيم (pp1) يساهم من خلال إحداث عملية النسيان لدى المرء، في دفع الدماغ إلى إجراء عملية تصنيف وانتخاب للذكريات التي تعتبر ضرورية ومهمة لتوازن المرء وجعل أفكاره منطقية ومترابطة، وغض الطرف عن تلك التي ليست ذات أهمية كبيرة. ويعلق أستاذ الأحياء الجزيئية روبرت جافار المتخصص في الذاكرة بجامعة بوردو الفرنسية على ذلك قائلا: لنتخيل أننا نحتفظ في ذاكرتنا بكل ما نرى ونسمع، فهل يمكن أن تكون الحياة جميلة بهذه الطريقة، لابد أنها ستكون كابوساً مزعجاً. ويضيف جافار أن اكتشاف إنزيم ال (pp1) وعلاقته بالنسيان يفتح الباب على مصراعيه لشركات العقاقير، إذ يمكن أن يكون السبب الحقيقي لتدهور حالة الذاكرة مع التقدم في العمر مجرد عدم انتظام في إنزيم ال (pp1) وليس انخفاضاً لا عكسياً في المكونات الجزيئية كما كان معتقداً من قبل. وثمة فكرة على حد قول مانسوي، تتمثل في إعادة ترسيم قدرات الذاكرة عن طريق كبح الآليات الضعيفة التي تدفع إنزيم ال (pp1) الى التدخل في مسألة التذكر.
فجوات الذاكرة
في العادة يقسم الأطباء الأشخاص الذين يصابون بفقد في الذاكرة إلى قسمين يشار اليهما اختصاراً ب (mci) أي الخلل الإدراكي الطفيف و(ma) أي الأشخاص المصابين بالزهايمر. وفي العادة يصاب كلا الفريقين بهذه الأمراض بدءاً من سن الخمسين ويظهر ذلك على هيئة فجوات في الذاكرة ثم يتطور الحال إلى فقدان حاد في تذكر الأشخاص والأحداث القريبة. وقد دأب الأطباء منذ عشر سنوات على اكتشاف حالات فقدان الذاكرة والتعرض لاضطرابات معينة كمسألة الفجوات عن طريق اختبار يسمى (mms) أي الفحوص الصغرى للحالة العقلية. ويتكون هذا الاختبار من ثلاثين سؤالاً، تلقي الضوء على حالة المريض الإدراكية المتعلقة باللغة والحساب والتعلم. ولو حصل الطبيب على 27 سؤالاً أو أقل من أصل الثلاثين، فإنه يحول المريض إلى طبيب متخصص في الذاكرة. ويقول أحد المرضى الذين خضعوا لهذا الاختبار انه ينسى الأسماء، ولا يدري أين وضع الأشياء المتعلقة به شخصياً، وإن قرأ كتاباً، فإنه لا يتذكر منه شيئاً بعد مرور 15 يوماً. وتشير الباحثة فاليري هان بارما المتخصصة في علم نفس الأعصاب إلى أن حديث المريض عن هذه الأعراض، يعتبر علامة جيدة لأنه يشير إلى وعيه التام بحالته ما يعني أن حالة المريض غير سيئة على الإطلاق، وثمة فرصة طيبة بأن تكون المشكلة مجرد مشكلة وظيفية فقط مرتبطة بالقلق والأرق، ولا علاقة لها بأي حالة عضوية. وفي المقابل تؤكد فاليري أن المشكلة تتعقد عندما لا يشعر المريض بأنه يشكو من هذه الأعراض، بل لا يدري أنه يعاني من مشكلة تتعلق بفقدان الذاكرة أو النسيان، لأنه في الحقيقة لا يتذكر شيئاً من ذلك! ويقول البروفيسور فردريك أوفرار أن حفظ المعلومة يمر بشكل عام في ثلاث مراحل أولاها يسمى الترميز حيث تتحول المعلومة إلى تصور له بالنسبة لنا معنى أو قيمة، أما المرحلة الثانية فتسمى التمكين أو التوطيد حيث يتم فيها تخزين المعلومة في مكان ما في الدماغ، ويطلق على المرحلة الثالثة، الاستعادة حيث يتم تنشيط الشبكات المناسبة لاسترجاعها.
| |
|