الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من الموضوعات الشائكة التي لابد وأن نخوض غمارها وأن نستطلع رأي إخواننا فيها من خلال باب "دعوة للحوار" في موقعكم صوت السلف موضوع "موقف السلفيين من هموم المسلمين المعاصرة" حيث تمثل هذه القضية إحدى الإشكاليات الدعوية التي تواجه الإخوة لاسيما وأن بعض الاتجاهات الأخرى تمتلك أو تستجيز صوراً قد تكون من وجهة نظر البعض أكثر إيجابية، ونحن نضع بين يدي الإخوة هذه النقاط ليكونوا على بينة من أمرهم.
(1) عقيدة الولاء والبراء تحتل مساحة كبيرة من اهتمامات الدعوة السلفية:
من المعلوم أن التأصيل النظري رغم أنه لا ينبغي أن يكون نهاية المطاف إلا إنه يمثل الركيزة الأساسية التي يبنى عليها أي عمل، والتأصيل النظري لمسألة الولاء والبراء في زمن اشتعال الأزمات وفي غيرها يمثل المنهج الذي تسير عليه الدعوة بفضل الله ـ عز وجل ـ، كما أن التأكيد على أن التفسير العقدي لكل خلافاتنا مع الكفار جزء في غاية الأهمية طاله كثير من الانحراف عند كثير من الاتجاهات الإسلامية. ومن باب النقد الذاتي فلا بد من الاعتراف بأن جانب البراء في دراستنا لعقيدة الولاء والبراء قد غلب على جانب الولاء ربما اكتفاء بما تحويه كتب الأخلاق والرقائق من تفضيل لعقيدة الولاء، ولكن يبقى الغرض في كتب العقيدة ودروسها غير متزن في بعض الأحيان، ومن هنا تظهر أهمية إبراز جانب الولاء لا سيما في الأزمات. "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر".
(2) عمل القلب لا سلطان لأحد عليه ولا عذر لأحد فيه:
قال صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" فانظر كيف لم يعلق الإنكار بالقلب على الاستطاعة، ولذلك فالواجب أن تربى القلوب على التفاعل مع الأحداث إقراراً أو إنكاراً ثم النظر بعد ذلك في الممكن والمستطاع من عمل الجوارح.
(3) النصر يكون بأسباب باطنة وأخرى ظاهرة:
وفي الأثر "إنما تقاتلون بأعمالكم" فالمسارعة إلى الأخذ بالأسباب الباطنة ـ وجدت الأسباب الظاهرة أم لم توجد ـ هو سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإذا تقرر أن المسلمين أمة واحدة فالأسباب الباطنة التي هي علاقة بينهم وبين ربهم ـ عز وجل ـ لا يختص بها من ينزل بهم البلاء بل تشمل جميع الأمة، ولذلك فأول ما ندعوا إليه في كل أزمة:-
1- التوبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7).
2- الدعاء (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر: 60) وقال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة".
3- النصيحة "الدين النصيحة" فتوجيه النصيحة لعموم المسلمين بملازمة التوبة والدعاء والعبادة أمر لا بد منه، ولا شك أن أعمال المباشرين للواقعة أنجح أثراً من غيرها، فلا بد من توجيه النصح لهم بالتوبة لا سيما إن كانت ثمة معاصي لها أثر مباشر في النازلة التي تنزلت بهم. فتوجيه النصيحة للمجاهدين في كل مكان بمراعاة الأصول والقواعد الشرعية في الجهاد هو من نصرتهم "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" وتبصير المسلمين في أماكن النكبات بعيوبهم هو من الماتهم على ما هم فيه.
(4) كلما قوي الإيمان في القلب كلما اجتهد صاحبه في تحصيل الخير:
وانظر إلى هذا الصحابي الجليل الذي أحد البكائين السبعة الذين ردهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة تبوك لأنه لا يجد ما يحملهم عليه، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون، مع أن الله أنزل عذرهم إلا أنه الإيمان الصادق والعاطفة الجياشة، ثم امتاز هذا الصحابي الجليل عنهم بأنه أخذ يبحث عن وسيلة حتى هداه الله إلى هذه الوسيلة بأن صلى بالليل ودعا بهذا الدعاء "اللهم إنك لم تعطني ما أجاهد عليه ولم تعطي رسولك ما يحملني عليه، فاللهم إني لا أجد إلا أني أتصدق على كل مجاهد في سبيلك بكل مظلمة لي عنده من مال أو عرض" فلما صلى الصبح بشّره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنها قد كتبت في الصدقة المتقبلة.
وهذه الواقعة أيضاً تصلح شاهداً لما قررنا في النقطة السابقة وهي ما فيه المجاهدين والمباشرين للنوازل للتخلص من ذنوبهم وأثر ذلك في نصرتهم وكذلك ترضى أنفسنا بذلك إذ نحن منهم وهم منا.
(5) يأتي بعد ذلك دور العمل الظاهر من مشاركة:
1- بالمال 2- بالنفس
وهذا ما ينبغي النصيحة به وتوضيحه للناس، وإعانتهم على المشروع من ذلك، وهذا الجانب هو الذي يلقى فيه باللوم على الدعوة لعدم قيامها بالدور المطلوب في هذا الجانب وتوضيحه للناس، وإعانتهم على المشروع من ذلك، واللائم في ذلك يغفل أمور منها:
1- أن الدعوة إلى الله تقوم بالنصيحة والإرشاد في ذلك وهذا جزء من الواجب.
2- أن المعاونة بالنفس لا تلزم في كل نائبة، لا سيما ممن كان منشغلاً بأمور أخرى من فروض الكفايات (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ) (التوبة: 122).
3- ثم إن المشاركة بالنفس غالباً ما لا تكون ممكنة حتى لمن لم يكن منشغلاً بغيرها، ونحن نتكلم عن واقعنا، وأما من كان واقعه يسمح فإننا أبداً لا نمنع بل نأمر وننصح، ولا يلزمنا بأفعال وأقوال غيرنا من الذين متى عجزوا عن شيء منعوا غيرهم منه وإن كانوا في واقع غير واقعهم كالجهاد المستكمل الشروط الشرعية.
(6) لا ينبغي أن ننشغل بالنوازل عن تعلم الدين وتعليمه وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
الذي كانت حياته كلها جهاداً، وكانت كلها ملاحم، ومع ذلك تعلم الصحابة دين الله ولم يؤجلوا العلم والعمل به حتى يفرغوا من قتال عدوهم، بل ها هو عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ بعد إسلامه بثلاثة أشهر فقط يرسل قائداً لغزو ذات السلاسل، ويجتهد فيها اجتهاداً شرعياً، أصاب فيه، بينما أخطأ من هم أقدم منه إسلاماً، وهو التيمم من شدة البرد، ولما عادوا لم يمنعهم ما هم فيه من سؤال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن حكم المسألة، نقول هذا رداً على من ينكر أي اشتغال بتعليم دين الله بدعوى نكبات المسلمين، وقد مثل أحدهم لذلك بحال رجل غريق وفي يده خاتم من ذهب ويرى أن حالنا كحال من يقف على الشاطئ معرضاً عن إنقاذه ومنشغلا بالإنكار عليه لبس الذهب، وهذا المثل لا ينطبق على الواقع، لأننا نقول في مثل هذه الحالة أننا ننقذه ثم نعلمه حرمة لبس الذهب. ولكننا نجاري هذا القائل في مثاله.
ونقول هب أن الحالة هي ما وصفت رجل غريق وآخر ينكر عليه لبس الذهب، فهل تنقذ أنت الغريق أم تنكر على من ينكر هذا المنكر؟ متى أنكرت عليه وقعت في نفس خطأه وتركتما الغريق، فإن قال أن ينقذ الغريق وينكر على هذا السلبي، قلنا ونحن ننقذ الغريق ونعلم الناس دين الله، بل لا نجاة لهم من الغرق إلا ذلك، وحال من يعلم الناس دين الله كحال من يبني حواجز الأمواج العاتية من إهلاك الحرث والنسل كما قال صلى الله عليه وسلم "وأنا آخذ بحجزكم".
(7) بعض ما يقوم به الآخرون لا نرى جوازه ومن ذلك:
1- المظاهرات لغلبة الظن بحدوث مفاسد، ولكونها ترضي العاطفة الدينية عن كثير من العصاة الذين ما أوتيت الأمة إلا من قبلهم كما بينّا.
2- المؤتمرات التي يدعى إليها العلمانيون والفنانون وهذه أشد من سابقتها في الفساد والإفساد.
(8) بعض ما يقوم به الآخرون مشروع، ولكن ليست عندنا القدرة عليهم فندعوا لهم وننصحهم ومن ذلك:
1- من سبقت الإشارة إليه من عدم المشاركة بالنفس عجزاً أو انشغالاً بواجبات شرعية أخرى.
2- عدم وجود القدرة الكافية على جمع الأموال لعدم وجود كيانات قانونية، وفي هذه الحالة نقوم بالإحالة على أي هيئة تقوم بذلك وسواء كانت أنصار السنة أو النقابات المهنية. وثمة أمور أخرى نرى مشروعيتها ولكن ليست مع بعض القيود كقضية المقاطعة التي نرى مشروعيتها إذا تحقق أن القدر الأكبر من الضرر سيعود على الكفار لا على المسلمين، وحينما نقول بالمشروعية فإننا نجمل القول ونرى أن المبالغة في ادعاء وجوب ذلك على الرغم من الإباحة الأصلية في الشرع، أمر فيه نظر فضلاً عن قول بعضهم أن شرب مشروب (كذا) أشد من شرب الخمر، على الرغم من تساهله في كثير من الأمور الثابتة بالنص.
وأيضا تحقق على من يقع الضرر فمن غير المعقول أن يترك أبناء المسلمين يستثمرون أموالهم في شراء توكيلات تجارية لشركات أجنبية وبناء مصانع كان وقت بنائها نقول نحن بالإباحة، بينما كان يراها المنادون بالمقاطعة اليوم أنه نوع جهاد في سبيل الله، وما بين عشية أو ضحاها نفتي بحرمة تداول هذه السلع مغفلين الإباحة الأصلية، ومغفلين حرمة هؤلاء المسلمين. والحاصل أننا نقر المقاطعة بالضوابط الشرعية دونما انجراف وراء عاطفة.
وبعد فنحن في انتظار آرائكم ومقترحاتكم للوصول إلى أقصى درجة ممكنة من معايشة هموم المسلمين.