الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
"التشجيع من أهم أسباب النجاح" هذه قاعدة معروفة، وأذكر في هذا المقام أنه طرأ في ذهني عدة أوجه للتشابه بين الصوفية والنصارى، فأحضرت ورقة وقلما وقسمت هذه الأوجه إلى أوجه للتشابه في مناهج الاستدلال ومنها الاستدلال بالرؤى والمنامات والإلهام بل والكشف، وكذلك الاستعداد لقبول الخرافات والأساطير، وعدم التحقيق لتميز الكذب، وأوجه للتشابه في العقائد مثل الجبر والإرجاء والحلول، وأوجه للتشابه في التزكية مثل الإغراق في الوعظ النظري واحتقار الأعمال الظاهرة كوسيلة من وسائل التزكية، والاعتماد على كبت شهوات الجسد للسمو بالروح، وأوجه للتشابه حتى في الحياة الاجتماعية من التواكل وإهمال الأسباب، واعتزال الحياة السياسية على طريقة (دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر)، مع احتقار المرآة والزهد في الزواج، وغير ذلك من أوجه التشابه، ثم أسرعت بهذه الورقة إلى أحد الناشطين في العمل الإسلامي؛ لأعرضها عليه كخطة لبحث متكامل أردت له أن يعتمد على المصادر الأصيلة لكلا الفريقين النصارى والصوفية طالباً منه التشجيع لتجشم هذا الطريق الوعر، فلما قرأها هذا الداعية قطب جبينه وقلب شفته وقال: هذا ترف فكرى ولسنا في حاجة إلى مثل هذه الأبحاث الآن.
وكان هذا الكلام بمثابة الحكم بالإعدام على هذا البحث حتى أنني قد نسيت بقية الأوجه من التشابه التي كنت قد كتبتها.
قفز هذا الموقف إلى ذهني عندما كنت مع أحد جيراني وهو يحكى لي عن أخيه الذي ينتمي إلى الطريقة البرهامية، وهي من الطرق الصوفية هنا في مصر، حيث اجتمع أفراد الطريقة كلهم في مولد البدوي، وقد لبسوا زياً خاصاً، وأخذوا يرددون أناشيد معينة، وإذا بالسفير الأمريكي يحضر معهم، ويلبس نفس الزى الذي يلبسونه، وهو يحاول أن يحفظ الأناشيد التي يرددونها لكي يرددها معهم. هذا مع ما اشترطته أمريكا في هذا العام من تخصيص مبالغ طائلة لترميم الأضرحة.
لا أظن أن هذا الموقف قد قفز إلى ذهني حين علمت بالدعم المادي والمعنوي الذي حصل عليه الصوفية من الأمريكان؛ لأنني أحسدهم على ذلك؛ لأن الواجب على كل مؤمن أن يسعى لإغاظة الكافرين خصوصاً المحاربين كما قال -تعالى-: (وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(التوبة: من الآية120)، وعليه أيضاً أن يتجنب الركون إليهم كما قال -تعالى-: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (هود:113).
فالدعم من أمريكا ليس تشجيعاً للمؤمن بل العكس هو الصحيح خصوصاً بعد علمنا بشدة عداوة الأمريكان بالذات للمسلمين والتي ظهرت آثارها في العراق وأفغانستان وغيرها واضحة جلية، وإنما قفز هذا الموقف إلى ذهني لمحاولة تلمح الأسباب الدافعة إلى هذا الدعم. هل هذا الدعم هو محاولة لمواصلة الحرب الصليبية التي أعلنها بوش؟!
هل بحثت أمريكا الصليبية المتعصبة عن أقرب أهل البدع لها في العقائد والسلوك فعملت على دعمها؟!
أم أن هذا الدعم جاء اتفاقاً بدون قصد لمجرد أن الطيور على أشكالها تقع، ولا داعي للإغراق في إعمال نظرية المؤامرة.
هل البديل الصوفي للصحوة السلفية الحالية في المسلمين بديل مناسب لقبوله بالعلمانية بدرجة أو بأخرى، كما تنازلت النصرانية في الغرب عن تأثيرها في الواقع لكي تسمح لها العلمانية بالتواجد؟!
على أية حال فإن هذه ليست المرة الأولى التي تدعم فيها قوى الاستعمار الفكر الصوفي سواء في مصر أو في الهند أو في غيرها.
وأذكر في هذا المقام ما حكاه مصطفى كامل عن رجل فرنسي ادعى الإسلام في تونس، ثم جاور أحد الأضرحة، وظل يتقرب منه حتى صار سادنه، ولما أرادت فرنسا غزو تونس واحتلالها استعد أهلها للقتال وذهبوا إلى ذلك الضريح؛ ليستمدوا منه البركة، وهنا قال لهم السادن: "دعوني حتى استشير الشيخ" فدخل ثم خرج، فقال: "إن مولانا يقول لكم إن الفرنسيين قضاء وقدر ويجب عليكم التسليم للقضاء والقدر"، فصد الناس عن الجهاد واحتلت فرنسا تونس!
ولعل أيضا من خلفيات الدعم الأمريكي للصوفية ما ذهب إليه فلاسفتهم الكبار من القول بوحدة الأديان الذي يتوافق أو على الأقل لا يتعارض مع مبدأ مساواة الأديان، وهو ما تدعوا إليه العلمانية الحديثة، بل حتى المتعصبين من النصارى حتى يمرروا دعوتهم التبشيرية عند الأمم الأخرى.
وعلى أية حال فإن البديل الصوفي بديل مناسب للتدين السلفي الأصولي القائم على ترسيخ المبادئ العقائدية.
نسأل الله العلى القدير أن يجعلنا ممن قال فيهم: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)(آل عمران: من الآية120).
اللهم يا علي يا عظيم يا قوي يا عزيز يا حي يا قيوم يا مالك الملك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم بقوتك وعزتك رد كيدهم في نحورهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم، اللهم آمين.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.