"إنك ميت"
سيادة الرئيس مبارك ، سأقول لك مالم يقله لك مفتيك ولا شيخك ولا خطباؤك ولا فقهاؤك الذين عينتهم وأجلستهم بجوار كرسى عرشك يبررون ويحللون ما حرمه الله من تعذيب واعتقال وفساد واستبداد ويحرمون ماحلله الله من قولة حق أمام سلطان جائر أو حتى عادل ، وسأقول لك مالم تسمعه من بطانتك التى تنافقك وتمتدحك وتصعد بك إلى مصاف الأبرار المقدسين ولا تنطق إلا بآيات شكرك وحمدك على مناصبهم ونفوذهم وفلوسهم ، سأقول لك مالم تقرأه من كتبتك ومداحيك وطبالى مواكب نفاق السلاطين ومصاحبيك على جناح طائرتك وعرشك ، أقول لك سيادة الرئيس إنك ميت .. وأنهم ميتون!
أظن أنه فى زحام سلطانك وسلطاتك وفى مشاغل لقاءاتك وتدابيرك وقراراتك ربما نسيت ياسيادة الرئيس أو تناسيت أو تجاهلت أنك ستموت كما نموت جميعا ، فأنت لم تفعل مثلما فعل الفاروق عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين بعد نبى وخليفة حين نقش على خاتمه هذه الكلمات ( كفى بالموت واعظا ياعمر ) عمر بن الخطاب الذى كان يبكى عند سيرة الموت وهو الصحابى العظيم كان يذكر نفسه وهو الحاكم الآمر الناهى بالموت ، كفى بالموت واعظا ياسيادة الرئيس ، هل قلتها لنفسك من قبل ، هل وعيتها ورددتها ؟ ماهى آخر مرة قلت إن الكفن بلا جيوب ، تعرف متى ، منذ خمسة وعشرين عاما، قلتها فى خطبتك الأولى أمام مجلس الشعب ثم كانت آخر جملة قلتها مؤخرا أمام نفس المجلس وربما ذات الوجوه أنك باق فى الحكم حتى آخر نفس ومع آخر نبض ، أين ذهبت سيرة الكفن الذى قلت أنه بلا جيوب ثم انفتحت جيوب الوطن والمسئولين كأنها لم تعرف موتا ولا كفنا فالبقاء فى الحكم خمسة وعشرين عاما تأمر وتنهى وترمى هؤلاء فى السجون وأولئك فى الغياهب وتمنح مليارا وتمنع ملايين وتعين وتفصل وترفع وتخفض ويمضى قرارك وحكمك فى الناس سيفا قاطعا ولا يناقشك أحد ولا يردك راد ولا يقضى قاض على قضائك ، ولا يملك شخص أن يعارضك ويرفضك ويسبح كل من تلقاهم بمجدك وحمدك مما يجعل أى شخص فى مكانك ومكانتك ورغم سنك التى قاربت الثمانين ينسى الموت ، نعم السلاطين والرؤساء الأبديون ينسون الموت وهذا مايفسر هذا التمسك المريب بالمادة 77 فى الدستور التى تجعل الرئيس أبديا فى الحكم بلا حد أقصى ( مدتين فقط) ، فأنت شأن كل الرؤساء الذين يمكثون فى السلطة كل هذه السنوات صرت لاتتصور أن تنزع قميصا ألبسه الله لك كما يتخيل كل حاكم وملك يتمتع بسلطة مطلقة على شعبه الخانع الخاضع ، ولهذا كان الخلفاء المسلمين مثل هارون الرشيد يستدعى واعظا كل مدة فقط ليذكره بالموت ، يقول له ياهارون يارشيد ياخليفة المسلمين وسلطان نصف الكرة الأرضية أنت ستموت ، كان هارون الرشيد يسمع بن السماك الواعظ المشهور الذى قال له " ياأمير المؤمنين .. اتق الله واحذره ، لاشريك له ، واعلم أنك واقف غدا بين يدى الله ثم مصروف إلى إحدى منزلتين لاثالث لهما ، جنة أو نار " فبكى الرشيد ( أخيرا لقينا حاكما عنده دم) فأقبل الفضل بن الربيع – أحد بطانات الحاكم – وقال للواعظ معاتبا " سبحان الله هل يخالجك شك فى أن أمير المؤمنين مصروف إلى الجنة ، إن شاء الله ، لقيامه بحق الله وعدله فى عباده " ..