أمة في خطر
نتحدث عن التعليم..
فالدولة التي ترغب في أن يكون لها مكان ومكانة بين أقرانها في العالم لابد أن يكون هاجسها وقضيتها المصيرية وأمنها القومي وخطها الأحمر الأول هو التعليم ،لإعداد أجيال متفوقة علميا وفقا لنظام تعليمي مخطط وموجه ومحدد الأهداف ويلبي حاجات ومتطلبات الدولة في القدرة المعرفية والتفوق العلمي.
والدولة التي يتسم نظامها التعليمي بالتخبط والعشوائية واللاتخطيط واللاهدف تكون قد تعدت مرحلة الخطر وقفزت بإرادتها مباشرة إلي مرحلة الضياع والانهيار.
لن نقارن بين نظامنا التعليمي- إذا كان لدينا نظام تعليمي في الأساس - وبين النظم التعليمية الأخري في باقي دول العالم، فالنتيجة في غير صالحنا، بل ظالمة ومجحفة في حق أمة تحتضر بسبب انهيار تعليمها.
وهل تنهار الأمم بسبب ضعف مستوي التعليم؟
الإجابة معروفة وتستدعي من الدولة التي يتدني مستوي التعليم فيها حشد جميع قواها وخبراتها، وإعلان حالة الحرب علي الأسباب التي أدت إلي ذلك.
الولايات المتحدة الأمريكية القوة الكبري اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا وعسكريا في العالم صدر بها تقرير عجيب في عام ١٩٨٣ في عهد الرئيس الراحل رونالد ريجان، يحمل عنوانا ضخما باسم «أمة في خطر» بعد أن استشعر خبراء التعليم فيها أن هناك ٦٥ فردا من الشعب الأمريكي من أصل ٣٠٠ مليون نسمة لايحسنون القراءة والكتابة ويقرأون بصعوبة،
إضافة إلي أن هؤلاء الخبراء لاحظوا انتشار العنف والمخدرات في المدارس، فرفعوا شعار «أمريكا في خطر» وكان بمثابة صرخة مدوية في المجتمع الأمريكي، وقالوا: «لو كان التعليم بحالته الراهنة في الولايات المتحدة مفروضا من قوي خارجية لابد أن ننظر إليه كعمل عسكري ضد الشعب الأمريكي»!.
ثم ماذا حدث؟
انطلقت خطوات الإصلاح من جميع القوي المجتمعية والحكومية لتشخيص الأسباب، وكان أولها ضعف مستوي المدرس، ولم يمر عام ٨٨ إلا وقد تم تطبيق نظام الكفاءة في ٤٤ ولاية أمريكية يتحدد بموجبه مدي كفاءة المعلم لشغل الوظيفة، ولم يتم الاكتفاء بذلك بل عمدت الأجهزة الحكومية إلي إعطاء المعلم مزيدا من المكانة المهنية والحرية والثقة بما يمنحه مكانة اجتماعية مميزة تعيده كقدوة لها احترامها ومكانتها في النفوس، عملا بمقولة أمير الشعراء أحمد شوقي «قف للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا». وحتي لاننسي أن شوقي شاعر مصري وليس أمريكيا.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم نشر مشروع في عهد الرئيس بوش الأب عام ٩١ بعنوان «أمريكا عام ٢٠٠٠- استراتيجية للتعليم» بهدف تحقيق نظام تعليم يجعل الطالب الأمريكي في المرتبة الأولي عالميا في العلوم والرياضيات..
ومازالت الاستراتيجية مستمرة رغم تغيير الرؤساء والوزراء، فلم يأت وزير للتعليم ليعبث ويجرب في نظام التعليم، ويلغي مرة الصف السادس ثم يعيده، أو يضع نظاما للثانوية العامة ثم يلغيه وهكذا حتي أصبح نظامنا التعليمي حقل تجارب للهواة والجهلة وأصحاب المصالح دون وعي بخطورة ما يحدث وبتأثير ذلك علي مصير دولة وأمنها القومي.
فإذا كانت أمريكا وهي القوة العظمي لعقود طويلة قادمة أعلنت أنها «أمة في خطر» فماذا ياتري ستعلن دولة مثل مصر، نظامها التعليمي لا يمكن معرفة هويته وملامحه وخصائصه وأهدافه؟..
وإذا لم يكن من التبعية للولايات المتحدة في الوقت الراهن بد فلماذا لانتبعها في تجربتها لإصلاح حال التعليم وأمور أخري؟
مصيبة أخري تبكينا علي وضعنا التعليمي أيضا ما نشره مؤخرا تقرير منظمة التعاون والتنمية الأوروبية بعنوان «نظرة علي التعليم ٢٠٠٧» وذكر فيه أن «إسرائيل» تقدمت علي الولايات المتحدة الأمريكية في حجم الإنفاق علي التعليم، حيث بلغت نسبته ٨.٣ بالمائة من إجمالي الناتج المحلي مقابل ٤.٧ بالمائة للولايات المتحدة و٢.٧ بالمائة لكوريا الجنوبية.
يتبقي أن نشير هنا إلي أن غالبية الجامعات في تلك الدول التي تنتهج نظرية السوق الحرة في اقتصادها تخضع لإدارة الحكومة وتحظي بمكانة عالية مرموقة ويطمح إليها معظم الطلاب وبمصروفات دراسية منخفضة للغاية، بل بعض الدول مثل اليابان يتضمن نظامها التعليمي في مرحلة الجامعة تخصيص جامعات لتخريج طلاب في وظائف معينة، وفقا لمتطلبات واحتياجات الدولة وسوق العمل،
فجامعة طوكيو - مثلا - تخرج رجال الوظائف البيروقراطية العليا، وجامعة «واسيدا» تخرج السياسيين والصحفيين، وجامعة «كييو» تخرج رجال الأعمال التنفيذيين وهكذا باقي الجامعات. ولن نتحدث عن نظام التعليم الياباني بالطبع ولا عن المناهج أو عدد ساعات اليوم الدراسي ومكانة المدرس لأن مخرجات التعليم الياباني تنبئ بسلامة المنظومة بالكامل.
الحديث عن التعليم في تلك الدولة يصيب بالاكتئاب والحسرة والألم الموجع لكل ذي ضمير وإحساس وخوف علي مصير هذا الوطن و«الحكاية مش ناقصة».
فهل هناك أمل أن نشعر بأننا دولة في خطر بسبب غياب نظامها التعليمي أم أن الشعور تجاوز حد الخطر؟