الدكتور زويل.. والسعودية
عند البحر الأحمر تجري أحداث مثيرة، تبني مصر المزيد من القري السياحية علي الساحل الغربي، وتبني السعودية واحدة من كبري جامعات العالم علي الساحل الشرقي.. وسط السحابة السوداء، وإضرابات عمال المحلة ونتائج الاستفتاء علي مسلسلات رمضان، لم ينتبه الكثيرون لما يجري، غير أن الكاتب الكبير الأستاذ مجدي مهنا قد انتبه وغضب وكتب.
أشار الأستاذ مجدي مهنا، في مقاله المهم «دوام الحال من المحال»، إلي إعلان نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» علي صفحتها الأخيرة، جاء فيه اسم «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا kaust» كاسم وحيد لجامعة عربية من بين مائة جامعة عالمية.
قال الأستاذ مجدي مهنا: «إن جامعة الملك عبدالله هي الأقرب إلي فكرة الدكتور أحمد زويل بإنشاء مركز علمي، كالذي اقترح تنفيذه في مصر علي الرئيس مبارك، وقام بوضع حجر الأساس له، ثم قال: «الذي حدث بعد ذلك كلنا عرفناه.. إنها البيروقراطية المصرية، والغيرة من أن ينسب نجاح الفكرة إلي الدكتور زويل، ثم كان العجب العجاب أن تطلب حكومة أحمد نظيف من الدكتور زويل تدبير الأموال اللازمة لإنشاء الجامعة التكنولوجية، وكأنها خاصة بالدكتور زويل وأسرته»، ثم اختتم الأستاذ مجدي مهنا مقالته بالقول: «أسعدني أن يتبني الملك عبدالله فكرة الدكتور زويل، وأغضبني أن تعارض مصر الفكرة».
يشرف علي جامعة الملك عبدالله للعلوم المهندس «علي النعيمي»، وزير البترول، ويضم المجلس الاستشاري العالمي عشرة أعضاء، من بينهم شخصية سعودية واحدة هو الدكتور خالد السلطان، مدير جامعة الملك فهد، أما التسعة الآخرون فمن الشخصيات البارزة في العالم، يتصدرهم الدكتور أحمد زويل، ورؤساء جامعات ولاية أوهايو، طوكيو، سنغافورة الوطنية، كورنل، امبريال كولدج، بالإضافة إلي مدير المعهد الفرنسي للبترول، والرئيس الشرفي للأكاديمية الأمريكية للعلوم، والرئيس السابق لشركة «تاتا» الهندية، الذي يوصف بأنه الروح الدافعة في صناعة برامج الحاسب الآلي في الهند.
يتكلف إنشاء الجامعة، التي ستقام علي مساحة ٣٦ كيلو مترا مربعا منها ستة عشر كيلو مترا مربعا علي البر، وعشرون كيلو مترا مربعا علي البحر، أكثر من ثلاثة مليارات دولار، وتعني الجامعة بالطاقة والموارد الطبيعية والتكنولوجيا الحيوية وعلوم وأبحاث المواد الدقيقة مثل النانو تكنولوجي والرياضيات التطبيقية وعلوم الكمبيوتر، كما تعني بدراسات تحلية المياه وعلوم البحار.
اتصلت بالدكتور أحمد زويل، الذي كان عائدا للتو من مدينة هيوستن في ولاية تكساس إلي مكتبه في ولاية كاليفورنيا، سألت الدكتور زويل عما جاء في مقال الأستاذ مجدي مهنا وعن ظروف عضويته في المجلس الاستشاري العالمي في جامعة الملك عبدالله؟ فقال لي الدكتور زويل: زارني وزير البترول السعودي المشرف علي المشروع في مكتبي في الولايات المتحدة، وعرفت منه مدي استعداد المملكة لمشروع ضخم كهذا، وحين اجتمعنا نحن أعضاء المجلس الاستشاري العالمي، وجدنا الجدية الكافية، وقررنا الاستقلالية الكاملة للمشروع، وهي الاستقلالية التي كنت أنادي بها في مصر.
في مصر كانت هناك أفكار عن الاكتتاب العام، كما فعل طلعت حرب في إنشاء «بنك مصر»، وكنت قد اتفقت مع نحو عشرة علماء، من الحائزين علي جائزة نوبل، ليمثلوا المجلس الاستشاري الأعلي للمشروع دون أن يكلفوا المشروع شيئا، ولكن أيا من ذلك لم يحدث، وفي السعودية دفعت الدولة كامل التكلفة، ووافقت علي الاستقلالية الكاملة، سألت د. زويل: هل حضرتم حفل وضع حجر الأساس؟ قال: كان ذلك يوم الأحد الماضي، وقد تلقيت الدعوة من العاهل السعودي للمشاركة في الحفل، لكنني اعتذرت، لأنني كنت في هذه الأثناء رئيس «المؤتمر الدولي لعلم الأحياء الطبيعية»، وهو المؤتمر الذي عقد في مدينة هيوستن بعنوان «من الذرة إلي الطب»، وحضره ألف عالم، من بينهم ستة علماء من الحائزين علي جائزة نوبل.
يبقي القول إن ما كتبه الأستاذ مجدي مهنا كان مخلصا وموجعا، وإن ما سمعته من الدكتور زويل، يؤكد إيمانه بالمسؤولية إزاء حالة العلم في العالمين العربي والإسلامي، وهو إذ يساهم في النهضة العلمية للسعودية، إنما يمثل ذلك امتدادا لمساهمات شملت الإمارات والكويت وقطر، وامتدت شرقا إلي ماليزيا.. هي مساهمات تؤكد، في مجملها، حجم الوظيفة الحضارية التي بات يمثلها الدكتور زويل بعد أن تآكلت الوظيفة الحضارية للدولة المصرية!