ثمة حكمة بليغة تقول: "سِرْ خلف حلمك مع رغبةٍ جادةٍ وعزمٍ وتصميم، فإما أن تنجح، وإما أن تتعلم وتكبر".
ويقول "دينيس ويتلي": "الفشل ينبغي أن يكون معلماً لنا وليس مقبرة لطموحاتنا وتطلعاتنا".
إن الفشل في منهج العظماء والقادة ليس هزيمة، وإنما هو تأخُّر في تحقيق الهدف، وهو مرحلة يمكن تجاوزها، وذلك بشحذ الهمم والعزائم والمبادرة بالسير في طريق النجاح.
إن هذه الكلمات تُجسد سلسلة التجارب التي يمر بها الإنسان في حياته، فيكون بعضها ساراً، ويكون بعضها محزناً... يكون بعضها مريحاً وبعضها مؤلماً.. يكون بعضها ناجحاً وبعضها فاشلاً.
كيف تعامل العظماء مع الفشل؟
إن العظماء والناجحين هم الذين يخرجون من تجربة الفشل أكثر صلابة وقوة، فقد يستفيدون من أخطائهم وفشلهم أكثر من استفادتهم من نجاحاتهم، وما من إنسان عاش هذه الحياة إلا وذاق النجاح والفشل.
والضعفاء هم الذين ييأسون عندما يفشلون، ويعتقدون خطأً أنهم لا يستطيعون أن يصنعوا شيئاً بعد الفشل، وأن طريق النجاح مسدود، وتحقيقه من وجهة نظرهم مستحيل أو محدود.
أما العظماء.. فلا يوجد في معجمهم كلمة اليأس، ولا يجد القنوط إلى نفوسهم سبيلاً، ولا الوهن إلى عزائمهم طريقاً، ومن ثم فهم القادرون وليس غيرهم على أن يجعلوا من الفشل محاولة للنجاح.
نجاح الأنبياء
وإني لأتصور أن الأنبياء عليهم السلام وهم صفوة الخلق وأعظم قيادات البشر لو شعروا بالفشل لكانت الدنيا في حال أخرى، لكن الله عز وجل رباهم على العزائم القوية، والهمم العالية، فعلمهم أن يصبروا إذا تأخر تحقيق الهدف، ومن ثم لم يتسرب أبداً إلى نفوسهم الإحساس بالفشل مهما تأخر النصر وتحقيق الهدف، وقد ظهر ذلك جلياً واضحاً في سيرهم جميعاً من لدن نوح عليه السلام إلى محمد {، ومن ثم استطاعوا أن يحققوا السعادة والفلاح لمن ساروا على دربهم واهتدوا بهديهم.
نوح عليه السلام والنجاح: وعلى سبيل التمثيل لا الحصر هذا نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً فلم يؤمنوا.. نعم كان يشكو إلى ربه صلفهم وعنادهم، لكنه لم يتخلَّ لحظة عن فكرته وتحقيق هدفه!!
نجاح الرسول صلى عليه وسلم في أحد
من المواقف التي تأخذ بالألباب وتبهر العقول موقف نبينا العظيم محمد { في غزوة أحد، فلنتأمل كيف تعامل مع فشل المسلمين في تحقيق النصر بعد أن ترك الرماة الجبل، وعصوا أوامره، وتوجيهاته.. لقد انتهز خالد ابن الوليد هذه الفرصة ولم يكن قد أسلم آنذاك فاستدار بسرعة خاطفة، وطوَّق جيش المسلمين، وانقض على مؤخرة الجيش هو والمشركون، فقتلوا مَنْ قتلوا من المسلمين، وفرَّ من فرَّ، وبقي النبي { ومعه تسعة فقط من أصحابه في مؤخرة المسلمين، وكان أمام رسول الله { خياران: إما أن يسلّم بالفشل وينجو هو وأصحابه التسعة ويفروا إلى ملجأ مأمون، ويترك جيشه المطوق إلى مصيره المقدور، وإما أن يقفز فوق الفشل ويتجاوز اليأس ويبدأ طريق النجاح، فكان الخيار الثاني، إذ تجلَّت عبقريته وشجاعته المنقطعة النظير، فنادى بصوت مرتفع كله إقدام وعزم ليجمع أصحابه، وهو يعلم تمام العلم أن المشركين سوف يسمعون صوته قبل أن يسمعه المسلمون، وأن ذلك سينبههم إلى مكان وجوده، وسيشكل على حياته خطورة، فنادى أصحابه ودعاهم إلى استئناف القتال.
وبالفعل تنبه المشركون إلى صوته، فخلصوا إليه قبل أن يصل المسلمون... وكان كثير من المسلمين قبل ندائه { قد انهارت روحهم المعنوية، وتوقفوا عن القتال وألقوا أسلحتهم، إلى أن جاءهم أنس بن النضر رضي الله عنه قائلاً: ما تنتظرون؟ قالوا: قتل رسول الله {، قال: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله، ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فقاتل وقاتل المسلمون بقيادة نبيهم، بعد أن استطاع { أن يشق الطريق إلى جيشه المطوق، فأقبل عليهم وقادهم بنظام إلى شعب الجبل، واشتد قتال المشركين لهم، ولكن بثباتهم وعدم استسلامهم للفشل وصلوا إلى شعب الجبل، وفشلت عبقرية خالد أمام عبقرية الرسول القائد .
ولم يكتف الرسول الكريم بذلك، وبات يفكر في احتمال معاودة المشركين غزو المدينة لأنهم لم يحققوا مكاسبهم المنشودة في أحد، فطاردهم صباح الغد من معركة أحد حتى بلغ حمراء الأسد على بعد ثمانية أميال من المدينة المنورة، وعسكروا هناك، فانهارت عزائم المشركين، وأخذهم الفزع والرعب.
مكاسب ونجاحات في غزوة أحد
لقد ذكر ابن القيم فوائد عظيمة لهذه المعركة في كتابه القيم: "زاد المعاد"، وذكر كثير من العلماء تلك الفوائد التي من أهمها: تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية عندما خالف الرماة أوامر الرسول {، وابتلاء الرسل، وتمحيص الناس، والفوز بمكانة الشهداء، وصقل النفوس والعزائم، وهذه كلها فوائد ينبغي أن يتعلمها الإنسان عندما يشعر بالفشل، فيتجاوز تلك التجربة، ويقفز على الفشل، مبتدئاً طريق النجاح، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة كما يقولون