ENG_GODZELA مشرف مرشح لمنصب مشرف عام
عدد المساهمات : 3368 تاريخ التسجيل : 25/07/2007 العمر : 39 الموقع : كلية الهندسة _قسم الهندسة المدنية رقم العضوية : 31 Upload Photos :
| موضوع: مادامت الخيول بخير الإثنين 24 أغسطس - 1:08 | |
| مادامت الخيول بخير – فهمي هويدي
فى جلسة تطرّق الحوار فيها إلى أحوال البلد، لم يقل أحد رأيا إلا وعبّر فيه عن سخطه وعدم رضاه،
وبعدما أدلى كل واحد بدلوه، انبرى أحد الجالسين قائلا إن السؤال الذى يتعين الإجابة عنه بعد الذي قيل هو:
هل هذا يضر بالخيل أم لا؟
وإذ لاحظ أن العيون تطلعت إليه حائرة ومستاءة، فإنه لم ينتظر تعليقا من أحد، وروى الحكاية التالية:
في زمن المماليك، عاد أحدهم من رحلة طويلة، فأطلق خيوله ترعى في الزراعات المحيطة بقصره، الأمر الذي أفسد الزراعات وأزعج الأهالي، فتحلقوا حول القصر وراحوا يتصايحون غاضبين ومحتجين، وحين وصلت صيحاتهم إلى مسامع المملوك الذي كان شركسيا لا يعرف العربية، فإنه سأل المحيطين به عن سبب غضب الأهالي، فحاولوا أن يشرحوا له الموضوع، إلا أنه لم يستوعب الكلام، وبعد جهد أوصلوا إليه جوهر الرسالة، وحينئذ أطرق الرجل لحظة، ثم ألقى على من حوله السؤال التالي:
هل هذا الضجيج الذي يحدثونه يضر بالخيل؟
فردّوا بصوت واحد مجيبين بالنفي، فما كان من المملوك إلا أن قال: دعوهم يصيحون إذن، ولا تشغلوا أنفسكم بالموضوع.
لأن جو الجلسة كما ذكرت، فإن عبرة القصة وصلتنا على الفور، إذ أراد صاحبنا أن يحسم الجدل الذى دار، قائلا إن كل كلام يقال لا جدوى منه، وسيظل من قبيل الثرثرة التي لن تقدّم أو تؤخّر، وسيقتصر أثرها على مجرد التنفيس عما في الصدر، وطالما أن الخيول بخير، ترعى وتمرح كيفما شاءت ودون أن يصيبها أي أذى، فلن يتغير شيء في الواقع الذي نضيق به ونشكو منه.
هذا التشخيص حوّل مجرى المناقشة، بحيث أصبح موضوعها هو تحديد أوجه التطابق أو التشابه بين قصة المملوك الشركسي والواقع الذي نعيشه، ولم يتطلب ذلك وقتا طويلا، لأن الوقائع كانت واضحة كالشمس، ذلك أننا رصدنا عددا كبيرا من خيول السلطان التي ترتع في البلد، مستبيحة مختلف مقومات الحياة فيه، من أموال البنوك إلى ثروة البلد العقارية إلى ثرواته الطبيعية وموارده الصناعية وحتى مستقبله السياسي.
ولا أحد يحاسبهم ولا قانون يوقفهم، في الوقت نفسه فإن غضب الناس وسخطهم لا حدود له، ولا تخطئه عين في أي موقع، صحيح أن الغضب مختزن ومكتوم، لكنه ظهر على السطح خلال السنتين الأخيرتين، فالصحف المستقلة المعارضة لم تكف عن نقد المظالم وفضحها طوال الوقت، ووجد هذا الغضب ترجمته في الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات، كما ترجمته الهبّات المختلفة التي تجلت في حركة «كفاية» وجماعة «6 أبريل»، والومضات التي تمثلت في ظهور تجمعات «مصريون ضد الفساد» و«ضد الغلاء»، و«ضد بيع مصر.. وضد.. وضد.. إلخ.
ذلك كله لم يوصل رسالة الغضب والاحتجاج، ولم يغير من الأمر شيئا، وإذا كان المملوك لم يتسلم الرسالة لأنه لا يجيد اللغة، ثم إنه لم يكن مكترثا برضى الناس أو سخطهم، فليسوا هم الذين أوصلوه إلى ما وصل إليه، كما أنه ليس بمقدورهم أن يخلعوه من موقعه، فإن الأمر لم يختلف كثيرا في حالتنا،
فأبواب السلطات موصدة ومحصّنة ضد تلقي رسائل المجتمع، والحاشية حريصة على بقاء الوضع كما هو عليه، لأنهم مستفيدون، ومصالحهم ومصائرهم معلنة باستمرار،
أما رضا الناس أو سخطهم، فلا يغير من الأمر شيئا، لأن إرادتهم لا تزيد ولا تنقص، وهناك من يتولى التحكم فيها وتزييفها عند اللزوم.
قال أحد الجالسين، دعونا نكون عمليين، فلا نفكر في الإضرار بالخيول أو إيذائها، وإنما علينا أن نحاول على الأقل أن نوقفها عند حدّها، وهو ما أثار خلافا شديدا في الرأي،
بين قائل إننا ينبغى ألا نلوم الخيول إذا انطلقت، وإنما المشكلة فيمن اقتناها وأطلقها،
وآخر يقول إنه إذا كان الحل الأمثل بعيد المنال، فعلينا أن نفكر في الحل الممكن،
واعترض ثالث قائلا إن الإعلام المستقل في مصر لم يتصرّف في فضح الخيول وملاحقة صور الفساد والإفساد حيثما وجدت،
ومع ذلك فإن التنديد والصياح لم يسفرا عن شىء، لأنها استمرت وتمكنت وتوحّشت، وتحوّل بعضها إلى ذئاب وغيلان ـ ولاتزال المناقشة مستمرة
ـ ما رأيك؟!
............ ......
| |
|