ذكر الإبل في القرآن الكريم
قال تعالى : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) [ الغاشية ] .
في هذه الآية الكريمة يحضنا الخالق العليم بأسرار خلقه حضاً جميلاً رفيقاً
، يقع عند المؤمنين موقع الأمر ، على التفكير و التأمل في خلف الإبل ( أو
الجمال ) ، باعتباره خالقا دالا على عظمة الخالق ـ سبحانه و تعالى ـ و
كمال قدرته و حسن تدبيره . و سوف نرى أن ما كشفه العلم حديثاً عن بعض
الحقائق المذهلة في خلق الإبل يفسر لنا بعض السر في أن الله ـ جل و علا ـ
قد خص هذا المخلوق العجيب ، من بين ما لا يحصى من مخلوقاته ، بالذكر في
دراساته المتدبرون ، يستوي في ذلك البدوي بفطرته السليمة في صدر الإسلام و
علماء الأحياء بأجهزتهم المستحدثة في أواخر القرن العشرين .
و المشهور أن الإبل نوعان : الأول ذوات السنام الواحد و هي الإبل العربية التي تنتشر في شبه الجزيرة العربية و في مناط
ق تمتد إلى الهند و غرباً إلى البلاد المتاخمة للصحراء الكبرى في إفريقيا
. أما النوع الثاني فهو الإبل " الفوالج " أو العوامل ذات السنامين التي
تستوطن أواسط آسيا . و تفيد إحصاءات تقديرية للهيئات نشرت حديثاً أنه يوجد
في العالم نحو 190 مليون رأس من الإبل ، تسعون بالمائة منها عربية من ذوات
السنام الواحد و أكثر من ثمانين بالمائة من هذه في أفريقيا
و اول ما يلفت الأنظار في الإبل خصائصها البنيات و الشكل الخارجي الذي لا
يخلو تكوينه من لطائف تأخذ بالألباب . فالعينان محاطتان بطبقتين من
الأهداب الطوال تقيانهما القذى و الرمال .
أما الأذنان فصغيرتان قليلتا البروز ، فضلاً عن أن الشعر يكتنفها من كل
جانب ليقيها الرمال التي تذروها الرياح ، و لهما القدرة عن الانثناء خلفاً
و الالتصاق بالرأس إذا ما هبت العواصف الرملية، كذلك المنخران يتخذات شكل
شقين ضيقين محاطين بالشعر و حافتهما لحمية فيستطيع الجمل أن يغلقهما دون
ما قد تحمله الرياح إلى رئتيه من دقائق الرمال . . وذيل الجمل يحمل كذلك
على جانبيه شعراً يحمى الأجزاء الخلفية من حبات الرمل التي تثيرها الرياح
السافيات كأنها وابل من طبقات الرصاص .
أما قوائم الجمل فيه طويلة لترفع جسمه عن كثير مما يثور تحته من غبار ،
كما أنها تساعده على اتساع الخطو و خفة الحركة ، و تتحصن أقدام الجمل بخف
يغلفه جلد قوي غليظ يضم وسادة عريضة لينة تتسع عندما يدوس الجمل بها فوق
الأرض ، و من ثم يستطيع السير فوق أكثر الرمل نعومة ، وهو ما يصعب على أية
دابة سواه و يجعله جديراً بلقب " سفينة الصحراء" .
فما زالت الإبل في كثير من المناطق القاحلة الوسيلة المثلى لارتياد
الصحارى ن و قد تقطع قافلة الإبل بما عليها من زاد ومتاع نحوا من خمسين أو
ستين كيلومترا في اليوم الواحد ، و لم تستطع السيارات بعد منافسة الجمل في
ارتياد المناطق الصحراوية الوعرة غير المعبدة . و من الإبل أيضاً ما هو
أصلح للركوب و سرعة الانتقال ، مثل الرواحل المضمرة الأجسام التي تقطع في
اليوم الواحد مسيرة مائة و خمسين كيلومترا .
و مما يناسب ارتفاع قوائم الجمل طول عنقه ن حتى أن يتناول طعامه من نبات
الأرض ، كما أنه يستطيع قضم أوراق الأشجار المرتفعة حين يصادفها ، هذا
فضلاً عن أن هذا العنق الطويل يزيد الرأس ارتفاعاً عن الأقذاء ويساعد
الجمل على النهوض بالأثقال .
و حين يبرك الجمل للراحة أو يناخ ليعد للرحيل يعتمد جسمه الثقيل على وسائد
من جلد قوي سميك على مفاصل أرجله ، و يرتكز بمعظم ثقله على كلكله ، حتى
أنه لو جثم به فوق حيوان أو إنسان طحنه طحناً .
و هذه الوسائد إحدى معجزات الخالق التي أنعم بها على هذا الحيوان العجيب ،
حيث إنها تهيئه لأن يبرك فوق الرمل الخشنة الشديدة الحرارة التي كثيراً ما
لا يجد الجمل سواها مفترشاً له فلا يبالي بها و لا يصيبه منها أذى . و
الجمل الوليد يخرج من بطن أمه مزود بهذه الوسائد المتغلظة ، فهي شيء ثابت
موروث و ليست من قبيل ما يظهر بأقدام الناس من الحفاء أو لبس الأحذية
الضيقة .
و للناس في الإبل منافع أخرى غير الانتقال و حمل الأثقال ، فهم ينالون من
ألبانها و لحومها و ينسجون الكساء من أوبارها ، و يبنى البدوي خباءه من
جلودها .
و في الحديث الشريف : " لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم و مهر الكريمة
" ( و رقوء الدم لأنه كانت تدفع بها الديات في حوادث القتل . و لنتأمل
الأدب الراقي في النهي حتى عن سب الحيوان ) .
و حسب الإبل فضلاً أن الله جعلها خير ما يهدى إلى بيته المحرك و جعلها من
شعائره : ( و البدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم
الله عليها صواف فذا وجبت جنوبها فكلوا منها و أطعموا القانع و المعتر
كذلك سخرها لكم لعلكم تشكرون ) [ الحج ] .
هذه بعض أوجه الإعجاز في خلق الإبل من ناحية الشكل و البنيان الخارجي ، و
هي خصائص يمكن إدراكها بالفطرة المتأمل الذي يقنع البدوي منذ الوهلة
الأولى بإعجاز الخلق الذي يدل على قدرة الخالق . و نواصل الآن عرض جهود
الباحثين من علماء الأحياء ( البيولوجيا ) في الكشف عن الكثير من خصائص
الإبل الوظيفية لإظهار ما فيها من غوامض و أسرار أودعها الحق ـ سبحانه و
تعالى .
و نبدأ بإيضاح ما نعرف عن الإبل من صبر و العطش ، ففي بيئة الإبل التي يقل
فيها الزرع و الماء لا يكتب العيش إلا لحيوان فطر الله جسمه على حسن تدبير
أمور استخدام ما عنده من ماء و غذاء غاية الاقتصاد ، و له في ذلك أساليب
معجزة تدعو للعجب و تسبيح الخالق ( .. الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى ) [
طه ] .