[]يدعي فيليكس دادايف ويحكي سيرته الذاتية في كتاب بعنوان الأرض المتنوعة
• شارك باجتماعات الحكومة السوفييتية واحتفالات الحزب الشيوعي دون أن يكتشف أحد أنه ليس ستالين الحقيقي
• كاد يشارك في مؤتمر يالطا التاريخي الذي جمع تشرشل وروزفلت عام 1945
• فيليكس كان راقصاً ومهرجاً واستدعي للعمل بالكرملين كشبيه لستالين خلال تقدم جيش هتلر بالأراضي السوفييتية
• كان فيليكس دادايف واحداً من أربعة يعملون علي انتحال شكل وشخصية ستالين في المهرجانات والمواكب والمؤتمرات
لندن - مروان بلطرش.. ثلاث وستون سنة مرت علي نهاية الحرب العالمية الثانية وقرابة العشرين سنة علي انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة وما تزال الكتب والمذكرات الشخصية تطلعنا علي مزيد من الأسرار المذهلة التي تفوق أحيانا مخيلة صنَّاع الأفلام وكتَّاب الخيال العلمي.
اطلع العالم في مناسبات كثيرة علي خبايا وأسرار جهازي السي أي آيه و الكي جي بي ودورهما في وضع السلم العالمي وأمن الدول علي المحك، نتذكر طبعا حرب الجواسيس بين عملاء الوكالتين ومحاولات كل طرف سرقة أسرار الطرف الآخر وبأساليب عادة ما توصف بأنها قذرة كما تصورها أيضا أفلام هوليوود والقصص المستوحاة من كتب التاريخ.
الجديد هذه الأيام كتاب بعنوان الأرض المتنوعة وهو عبارة عن سيرة ذاتية حقيقية لشخص غير عادي علي الإطلاق. الرجل يدعي فيليكس دادايف سيروي لأول مرة تفاصيل أحداث مرت عليها ستة عقود كاملة، لكنها أحداث مميزة وحافلة ما زال العالم بحاجة إلي معرفة تفاصيل أكثر منها،دادايف يكشف بالدليل القاطع حقيقة استخدام ستالين في تنقلاته لرجال يشبهونه لأنه كان خائفا جدا علي حياته بل أن صاحب المذكرات الذي قلَّد شخصية الزعيم السوفييتي بدقة متناهية قد شارك في اجتماعات الحكومة السوفييتية واحتفالات الحزب الشيوعي ولم يتفطن له أحد بأنه ليس ستالين الحقيقي وكاد يحدث الأمر نفسه في مؤتمر يالطا التاريخي الذي جمع أيضا كلاً من تشرشل وروزفلت عام 45 ونجا خلاله ستالين من محاولتي اغتيال كما يكشف دادايف.
هذه الشهادة الجديدة قد تعني أن أحداثا تاريخية علي الأقل بالنسبة لروسيا سيصبح من الواجب تصحيحها، كما أن بعض الاجتماعات واللقاءات والاحتفالات التي اعتقد الناس أن ستالين كان حاضرا فيها قد فقدت الآن بريقها وكل تلك الصور التي التقطت قد فقدت رونقها وربما قيمتها التاريخية لأنه وببساطة هي ليست صورا للزعيم السوفييتي رفيق درب لينين وكلينين وإنما صور رجل آخر ما يزال علي قيد الحياة ليروي لعالم اليوم مزيدا من القصص البوليسية المشوقة.
لن ينسي أحد أبدا منظر تلك العيون الضيقة والأجفان المنتفخة والشارب المتدلي الذي أرعب نصف سكان العالم وألقي بالملايين في دروب موت قاس كرمز آني علي البشاعة والطغيان، ومع ذلك فالرجل الذي يحمل بين كتفيه وجه جوزيف ستالين ليس هو ستالين علي الإطلاق. وعلي الرغم من دقة انحناءة الحاجبين والشعر المميز جدا إلا أن الصورة تظهر شخصا آخر تماما. شخص لم يكن أبدا الزعيم الأكبر للاتحاد السوفييتي، هذا الرجل كما علم الجمهور الروسي مؤخرا يدعي فيليكس دادايف الراقص والمهرج الذي استدعي في غمرة الإجراءات الدفاعية ضد جيوش هتلر الغازية ليعمل في الكرملين كشبيه لستالين.
لأكثر من نصف قرن من الزمن التزم دادايف الصمت المطبق خوفا علي حياته من عقوبة الإعدام في حال ما إذا تجرأ وفتح فمه، لكن في سن الثمانية والثمانين وبموافقة ظاهرة من نظام بوتين قرر أخيرا الخروج عن صمته ليطلع العالم علي تفاصيل قصة رائعة جدا لكنها مذهلة ولا تكاد تُصدق حيث يأخذه القدر من خراب شوارع غروزني إلي قمة يالطا علي ساحل البحر الأسود مكان المواجهة التاريخية بين القوي الثلاثة حيث تقاتل كل من ستالين، تشرشل وروزفلت علي تحديد شكل ومعالم أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويوضح كتاب سيرة دادايف أنه كان واحدا من ضمن أربعة أشخاص كانوا يعملون علي انتحال شكل وشخصية القائد الأعلي وكانوا يأخذون مكانه في مواكب السيارات والمهرجانات وصور نشرات الأخبار كما في يالطا حيث كان ستالين يخشي علي حياته من خطر داهم.لقد وقعت وسائل الإعلام الروسية ضحية للسحر وظلت لسنوات تتغذي من المضاربة حول أشباه ستالين بينما كانت الحقيقة محصنة في محفوظات جهاز المخابرات كي.جي.بي ومحمية بثقافة الذعر المستعر. دادايف هو أول دليل حي علي أن كل تلك القصص كانت حقيقية وصحيحة.
وحتي الآن ومع انبعاث أجهزة الأمن الروسية من جديد يبقي من المؤكد أن كتابه الأرض المتنوعة ما كان ليري النور أبدا من دون موافقة رسمية فضلا عن أن روايته للأحداث جاءت متوافقة ومدعومة ببيانات موجزة من أرشيف ال كي.جي.بي وهيئة موسفيلم الحكومية لصناعة الأفلام وأكاديمية الأمن والدفاع والقانون والنظام التي تديرها الدولة أيضا.
حتي عندما كنت شابا كان أصدقائي يقولون أنني أشبه ستالين يتذكر دادايف قائلا: ومع حلول ذلك الوقت كان تنكري وتدريبي كاملين، لقد كنت مثله في كل شيء ربما باستثناء أذناي الصغيرتين، لقد كان تدريب داديف بطلب شخصي من ستالين نفسه حيث كان يحضر الاجتماعات والمسيرات ويجوب أنحاء روسيا مرتديا أحد أشهر رموز الجيش الأحمر، القبعة الخاصة والمعطف الثقيل الذي تتدلي منه ميداليات ونياشين الزعيم. لم تكن لديه أدوار خطابية كثيرة، لكن في عهد ما قبل التليفزيون نجح بعناية فائقة في نسخ مظهر ستالين وطريقته في الكلام والحركة وهذا ما ساعده علي التدرب سواء كممثل أو مخادع ماكر.
ولد دادايف في مرتفعات القوقاز بداغستان وعندما انتقلت أسرته إلي غروزني في الشيشان بدأ بأخذ دروس في رقص الباليه والذي كان أمرا عاديا بالنسبة لأي فتي روسي في العهد السوفييتي. وفي سن السادسة عشر تلقي عرضا من فرقة الغناء والرقص التابعة للدولة في أوكرانيا. لكن الحرب اندلعت وبدلا من الانضمام إلي فرقته في جولة إلي بريطانيا تم إرساله إلي حفلة موسيقية عسكرية حيث عمل راقصا ومهرجا ومثَّل أدوارا تنكرية مع أنه كان مطالبا بالقتال أيضا حيث أصيب بجروح خطيرة أثناء التحرير الروسي لغروزني عام 1942 حتي أن عائلتهأخبرت بأنه قد قُتل.
كنتُ واحدا من سبعة جثث تم تسليمها للمستشفي لكنني كنت مع جندي آخر علي قيد الحياة ويقول أن الموت كانت بداية حياة مزدوجة غريبة حيث تم نقله جوا في إحدي أمسيات عام 1943 إلي كوخ قريب من موسكو حيث كان في استقباله ضباط من أن.كي.في.دي الجهاز الذي سبق ال كي.جي.بي وطلبوا منه أن يبدأ حياة مميزة بهوية جديدة. طبعا شعرت بكثير من التملق والإطراء وبالفخر لأنني كنت أشبه القائد، فخور في تفكيري عن ماذا سيقوله أصدقائي الآن ممن كانوا يعيبون علي ملامحي التي تشبهه عندما كنت صغيرا.
كان شابا في العشرينيات من العمر وأصغر سنا بكثير من ستالين لكن الماكياج وملامح الإجهاد التي ورثها من مشاركته في الحرب كانت تعني إمكانية تمريره علي أنه في العقد السادس من العمر ويعبّر دادايف عن هذا الأمر قائلا: عشنا جميعا ظروف حرب صعبة للغاية حتي أصبحت أبدو أكثر سنا مما كنت عليه في الواقع. وأمضي دادايف أشهرا طويلة من التدريب، بعض منه تحت إشراف ومراقبة عين النسر لافرنتي بيريا قائد الشرطة السرية التي أنشاها ستالين.
كان يشاهد أفلام ستالين ليتقن تقليد حركاته وترانيم صوته ،و يذكر كتاب دادايف أول محاولة مرعبة للعب دور ستالين أمام رفقاء القائد في الكريملين، ثم يضيف لا تنسي أن هذه الخطة قد تم وضعها من طرف رؤساء كل تلك اللجان المخيفة ومع ذلك كان هناك قفزا علي البرنامج ربما لأنني لم أفهم تماما كل المسؤوليات، لقد كان الجميع يرتعشون حتي أولئك الرجال القابعون في أعلي المستويات، كل فرد كان خائفا جدا، الشيء الرئيسي، كما قالوا، هو أن تلتزم الصمت في الاجتماع الأول إن لم يكن ستالين في مزاج للمحادثة، لكن إذا كان في مزاج حسن فعليك أن تكون مقتضبا وقل له شيئا بصوته. في حدود التاسعة صباحا وبعد ليلة قضيتها من غير نوم أخذوني إلي الكرملين وأول من حضر كان الجنرال فلاسيك قائد حرس ستالين الخاص، لقد ذُهل للتو وبعد فترة قصيرة أومأ برأسه في استحسان وإعجاب مع أنه قام بدراسة الثوب والسترة وتمعن في ذراعي اليسري المثنية قليلا قبل أن يحدق في حذائي، لقد كنت أنتظر بخوف شديد إن كان قد لاحظ لون شعري الرمادي المزيف والسبب أن فنان الماكياج لم يكن باستطاعته أن يكون معي في كل وقت فتعلمت عمله بنفسي، لكن الأهم بالنسبة لي هو قدرتي علي تقليد حركات ستالين، طريقة مشيه وصوته طبعا.
واليوم تؤكد ابنة الجنرال فلاسيك السيدة ناديزدا نيكولايفا دور دادايف بالقول نعم لقد استخدموا أشخاصا يشبهون ستالين وكل الحيل لصرف الإنتباه عن القائد تم اختراعها من قبل والدي الذي كان منهمكا في ذلك العمل عن حب كبير لستالين مما مكنه من اقتراح أفكار رائعة.
لقد كان دادايف موهوبا ومحظوظا لأنه لو فشل في إقناع فلاسيك أو بيريا لكان حتما قد أخذ رصاصة قاتلة وذلك من أجل حماية الخطة السرية، وبالطبع لم يكن مسموحا له زيارة أي شخص من أقاربه أو معارفه ومحكوما باتفاق لحفظ الأسرار ظل ساريا لعقود طويلة بعد وفاة ستالين نفسه.
و الواقع أن دادايف لم يلتق مثله الحي إلا خلال مناسبة واحدة في الخمسينيات وحتي ذلك اللقاء كان قصيرا جدا، ويشير دادايف إلي ذلك ابتسَمَ وأشار لي برضاه بإيماءة من رأسه وهذا كل ما كان في الأمر،كان لديه أربعة أشباه لأنه كان خائفا جدا من محاولات اغتياله.
كان محاطا بالجواسيس وكل رحلة كان يُخطط لها بدقة متناهية ،فمثلا كان أشباهه يعوضونه في كثير من الأحيان في الطريق إلي المطار وكانوا يستخدمون عدة سيارات لصرف أنظار أي شخص قد يشاهده وكنت عادة ما أقوم بتلك الرحلات بنفسي.
في البداية اقتصرت اجتماعات دادايف علي مغادرة الكرملين في سيارة ستالين، ثم تقدم الأمر إلي الاجتماع بمسؤولي الحزب ومرة وقف أمام ضريح لينين في الساحة الحمراء بدلا من ستالين، لقد كان استعراض رجل رياضي يقول الكتاب: كان الجميع متيقنا أنه ستالين نفسه حيث مشيت باتجاه الضريح مع أعضاء من الحكومة ثم وقفت علي المنصة المركزية مبتسما ومحييا المارة من المشاركين في العرض، أهم شيء بالنسبة لي كان الخطو بخطوات صحيحة حيث أن ستالين وعندما يكون وسط حاشيته يمشي بخطوات سريعة وراسخة ولكن أثناء الإحتفالات أو الإجتماعات يمشي ببطء وبشكل يوحي بالجدية، وقد تعززت ثقتي كثيرا بمجرد خروجي وإلقاء أعضاء الحكومة التحيات لي ثم ذهبنا مباشرة إلي الضريح و كنت أستطيع أن أري أنه لم تكن هناك أية شكوك حولي وتيقنت حينها أن ال كي.جي.بي قد فعلتها بنجاح مرة أخري.
غير أن أكبر مهمة أوكلت لدادايف جاءت بعدما طار ستالين إلي يالطا لحضور الاجتماع الشهير في فبراير 1945 حيث أبقيت رحلة ستالين الحقيقية سرية للغاية فيما تم الإشهار لرحلة دادايف الذي يشير بالقول: لقد جري ترتيب رحلتين لتسرق واحدة من الأخري أنظار الجميع،لم يكتب أحد مقالا بشأنها أو سمع بها أبدا، لقد كانت بالفعل شركا للاستخبارات الأجنبية في وقت كان فيه ستالين قد وصل إلي يالطا، لكن ومع ذلك لم تنجح الخطة كلية، فقد تمت محاولة اغتيال ستالين الحقيقي مرتين خلال تواجده في يالطا وفشلت بذلك مصالح استخباراتنا وكنت حينها قد عدت إلي موسكو وعلمت بتنحية سبعة ضباط كبار من مناصبهم.. لقد كانوا محظوظين بفقدان مناصبهم فقط
[/color][/color]