ابتسم من فضلك – فهمي هويدي
«كان رضي الله عنه مزَّاحا يفرط في الدعابة». بهذه العبارة وُصف الصحابي سويبط بن حرملة حين ذكره ابن عبدالبر في كتابه «الاستيعاب»، إذ اشتهر بأنه رجل «المقالب» التي كان يورط فيها رفاقه،
ومن هؤلاء واحد من ظرفاء الصحابة اسمه
نعيمان الأنصاري، إذ يروى أنهما خرجا في تجارة مع سيدنا أبوبكر وكان زاد
الرحلة مع نعيمان، فطلب منه سويبط شيئا يطعمه، لكنه رفض حتى يجيء أبوبكر،
فقرر صاحبنا أن ينتقم منه بواحد من مقالبه، ومن وراء ظهره قام ببيعه
إلى قوم صادفهم، وحذّرهم من أنه عبد يتوهّم أنه حر،
وبعدما تمت الصفقة وقبض سويبط
الثمن، اتجه المشترون إلى نعيمان ليحملوه معهم، وفوجئ الرجل
بذلك فظل يصيح قائلا إنه حر وإن صاحبه يستهزئ بهم، لكنهم لم يصدّقوه
وقالوا له إن صاحبك أخبرنا بأمرك،
وبينما هم كذلك جاء أبوبكر فروى له سويبط ما حدث، فلحق بالمشترين وأعطاهم الثمن
الذي دفعوه، واستعاد نعيمان. قال صاحب
الترجمة إنهم حين قدموا على النبي عليه السلام وأخبروه بالقصة، فإنه «ضحك
وأصحابه حولا»، أي أنهم ظلوا قرابة العام يضحكون كلما تذكّروا القصة.
قليلة هي الكتابات المعاصرة التي سلطت الضوء على الفكاهة والمرح عند المسلمين، لأسباب تتراوح بين غلبة الهم
على حياتهم، وبين ضغوط مدارس الجهامة
والجفاف التي استعذبت النكد وتعلقت به، حتى أن واحدا ممن حيرته تعاليم
هذه المدارس الأخيرة وجّه سؤالا إلى الشيخ يوسف القرضاوي عما إذا كان يجوز
للمسلم أن يضحك ويمرح.
وفي إجابته المنشورة في الجزء الثاني من كتابه «فتاوى معاصرة» تحدّث الشيخ عن وصف الصحابة لرسول الله بأنه «كان من أفكه الناس»،
واستدل بكلمات النبي محمد حين وجد أن أبا بكر الصديق قد عبّر عن استيائه لسماع غناء جاريتين
ببيته في يوم العيد، فقال صلى الله عليه
وسلم له: «دعهما يا أبابكر فإنها أيام عيد»،
وذكر أنه عليه الصلاة والسلام
استنكر يوما أن تُزفّ فتاة إلى زوجها في صمت، وقال: «هلا كان معها لهو؟».
هذه المقدمة سقتها لكي أدعوك لأن
تبتسم ونستعيد شيئا من المرح في العيد، باعتبار أن ثمة توجيها
شرعيا بذلك، وهو سبب مهم، لكنه ليس السبب الوحيد، ذلك أنني وقعت على تقرير
عن مناقشات جرت حول الضحك والمرح في المؤتمر الثامن والخمسين لأطباء
علم النفس الذي حضره 400 منهم واستضافته ألمانيا في شهر يوليو الماضي،
ومن الخلاصات التي توصل إليها
المجتمعون أن الضحك يزوّد الإنسان بطاقة عالية
وصحة جيدة، لأنه يرخي العضلات ويحرك الدورة الدموية، ويزيد من هورمون
«السيروتونين» الذي يلقب بهرمون السعادة.
وتحدث بعضهم عن اعتقاد البوذيين
في الهند بأن الضحك «معدٍ»، وأنه ينتشر كالأمراض، ولذلك يتمرّس الهنود
بالتمارين القادرة على إضحاك الإنسان وموازنة حالته النفسية، كما تفعل
«اليوجا».
ويبدو أن الجهامة انتشرت في
ألمانيا، لأن بحثا قُدّم إلى المؤتمر ذكر أن الألماني في مرحلة الطفولة
يضحك 400 مرة يوميا، لكنه حين يكبر وتتكاثر عليه الهموم يضحك 15 مرة فقط.
وأشارت الدراسة إلى أن 35٪ من الألمان ما عادوا يعرفون الضحك و19٪ قالوا
إنهم يضحكون أكثر من مرة واحدة في اليوم و12٪ أكثر من عشر مرات.
أحد الخبراء المتخصصين في الضحك،
نيجيري اسمه إيكيتشيكو أومينكا، قال إنه يرفع
مع مرضاه شعار «الضحك بلا سبب» ـ الذي هو عندنا قلة أدب ـ
وأشار إلى دراسة هندية أثبتت أن
الضحك لمدة دقيقة أفضل من الركض الخفيف (الهرولة) لمدة
عشرين دقيقة.
أستاذ ألماني ثالث اسمه راينر كروزه قال إن الطفل حديث الولادة يبتسم لأمه 30 ألف مرة في الأشهر
الستة الأولى، موثقا بذلك علاقاته
الاجتماعية وباعثا على السعادة في قلوب العائلة،
أما الباحثة الألمانية هيلجا
كوتهوف، فقد درست علاقة النساء بالضحك، وقالت إنهن يضحكن من
أنفسهن في أغلب الأحيان، وأن الرجال يضحكون من غيرهم، لكن المرأة تسعد بالضحك
أكثر من الرجل،
كل سنة وأنتم طيبون.
............ ..