قنبلة ليبرمان التي تجاهلوها
أستغرب تجاهل الإعلام العربي
تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي، الذي طالب فيه السلطة
الفلسطينية بأن تسحب دعواها التي قدمتها إلى المحكمة الجنائية الدولية.. واتهمت
فيها إسرائيل بارتكاب جرائم حرب أثناء الحرب على غزة.
وبرر ذلك بقوله إن السلطة التي
طلبت من إسرائيل أن توجه ضربة قاصمة إلى حماس في غزة
ليس لها أن تدعي عليها بعد ذلك بأنها ارتكبت جرائم حرب بحق القطاع.
هذا الكلام الخطير الذي أوردته
صحيفة «جيروزاليم بوست» في 23 /9، لم يثر اهتمام وسائل الإعلام العربية
المعروفة، باستثناء قناة «الجزيرة» التي أوردت الخبر،
وهو موقف يبعث على الحيرة ويثير الشك، من حيث
إنه يعطي انطباعا بمحاولة التستر على
المعلومة وطمسها، لأسباب غير مطمئنة.
مع ذلك يظل مضمون الكلام هو الأهم، وهو
يستحق التدقيق والتحقيق، على الأقل لكي نفهم ما يجري.
صحيح أن السيد ليبرمان على
المستوى الشخصي رجل سيئ السمعة، وهو من جانبنا لا يحظى بأي احترام.
أما على مستوى الموضوع، فحين يقول كلاما كهذا وهو في منصب وزير الخارجية، فإننا لا ينبغي أن نغض الطرف
عنه، وإذا كنا لم ننس له تهديده بقصف
السد العالي وهو مجرد زعيم حزب يزايد على غيره، فأجدر بنا ألا نتجاهل ذلك
الكلام الخطير الذي قاله وهو مسؤول في الحكومة.
عند الوهلة الأولى فإن ادعاء
ليبرمان يبدو أقرب إلى المستحيلات، حيث لا يتصور عقلا أن تطلب قيادة السلطة
الفلسطينية من إسرائيل أن تجهز على حماس في غزة، رغم ما تكنه لها من خصومة
وما تختزنه من مرارات، لكن هذا اللامعقول صار معقولا في ممارسات
عدة حاصلة على الأرض، يجسدها مثلا التنسيق الأمني بين الأجهزة
الفلسطينية والإسرائيلية، ذلك أن هذا التنسيق يتم بين الطرفين في مواجهة عناصر
المقاومة، ويراد به في حقيقة الأمر القضاء على المقاومة تماما.
والفرق بينه وبين العدوان، أن
الإجهاز في ظل التنسيق الأمني يتم بالتقسيط، في
حين أنه «فوري» ودفعة واحدة في حالة الحرب
يكمل الصورة من هذه الزاوية ما
ذكره رئيس الموساد السابق «إفرايم هاليفي» في مقال نشرته له «يديعوت
أحرونوت» (في 25 مايو الماضي) تحت عنوان «الفلسطيني الجديد»، من أن
الاعتقالات التي تقوم بها إسرائيل في الضفة في صفوف قادة حماس تستهدف تعزيز حكم
أبومازن وجماعته.
ومن المفارقات أن الرجل عارض في مقاله سياسة القضاء على حماس التي تنبأ لها بالفشل، ودعا إلى ضرورة الحوار معها.
ثمة قرائن أخرى يفيدنا استحضارها
أثناء بحث الموضوع، منها على سبيل المثال،
أن بعض مسؤولي الأجهزة الأمنية
التابعة للسلطة كانوا يزودون الإسرائيليين أثناء الحرب
بمعلومات عن الأوضاع في غزة. وقد سمعت من أحد قادة حركة الجهاد الإسلامي أن
أحدهم اتصل به هاتفيا في اليوم الثاني للعدوان. لكي يلفت نظره إلى أن
الإسرائيليين قصفوا أهداف حماس ولم يوجهوا صواريخهم إلى أهداف الحركة، ساعيا
بذلك إلى استمالته وإغراء مقاومي الجهاد بعدم التضامن مع حماس في المعركة.
وحين سمع الرجل ما لا يرضيه بادرت الطائرات الإسرائيلية إلى قصف مقار «الجهاد» في اليوم التالي مباشرة! وما كان لذلك أن يتم إلا من خلال انتظام الاتصال المباشر بين الطرفين
أثناء العمليات.
من تلك القرائن أيضا أن بعض
مسؤولي الأجهزة الأمنية الفلسطينية تمركزوا في العريش منذ الساعات
الأولى لبدء العدوان الإسرائيلي، وكانوا متأهبين للدخول إلى غزة مقدرين أن
الحكومة القائمة في القطاع ستسقط، وأن قادتها سيحاولون الاحتماء
بالأراضي المصرية.
حين تشيع هذه المعلومات في أوساط
المتابعين للشأن الفلسطيني، ثم يخرج ليبرمان على الجميع ليقول ما
قاله، فإنهم لا يفاجأون، وإنما يهزون رؤوسهم قائلين إن ظنونهم كانت في محلها حقا
وهو ما يدعوني إلى القول بأن الخطر على القضية لم يعد من إسرائيل
وحدها، لأن الأخطر هو سلوك الممسكين بالملف في البيت الفلسطيني ذاته.
............ ......... ...