4 مليون مصنع (بير سلم) يهددون صحة المصريينصورة ارشيفية لاحد الاسواق فى شوارع القاهرةخاص - مصراوي - صحة المصريين في خطر ..حقيقة لا تقبل الشك أو الجدال والسبب صناعات "بير السلم" والتي تحولت الي كابوس مزعج خطر يهدد الاقتصاد الرسمي وحياة الابرياء بسبب منتجاتها المغشوشة.. فهي لا تعترف بمعايير الصناعة.. وتضرب عرض الحائط بالمواصفات القياسية.
واذا كانت صناعات "بير السلم" موضع اهتمام الرقابة.. فإن هذا الاهتمام يقابله إهمال الجهات المعنية الاخري.. فهي التي تركت هذا القطاع ينمو.. وينمو حتي استفحل خلال السنوات الاخيرة.. وهي التي لم تتحرك إلا بعد أن تأكدت من ان انعكاساته السلبية تزيد يوما بعد يوم!
لكن بعد ان وصلت العمالة في هذه الصناعات العشوائية إلي 40 % من قوة العمل في مصر أصبحنا أمام السؤال الصعب!
منتجات "بير السلم" نلغيها ونشطبها من قائمة الانتاج .. ام نروضها ونعالجها لندمجها في الاقتصاد الرسمي؟!
حقيقة لابد أن نعترف بها..منتجات "بير السلم" فرضت نفسها علي الاسواق.. القائمون عليها نجحوا للاسف في فرض سياسة الأمر الواقع!
ولعل ما تشير إليه الارقام والاحصاءات يؤكد ذلك، فهذه الصناعات العشوائية تضم حتي الان حوالي 4.1 مليون منشأة.. ويصل عدد العاملين بها إلي 2.8 مليون عامل!
هذا الانتشار في عدد المنشآت وعدد العاملين بها جعل منتجات هذا القطاع تسيطر علي مساحة كبيرة من السوق وتأتي علامات السيطرة والانتشار متمثلة في قيام المصانع بتقليد ماركات شركات معروفة عالميا ومحليا، واتخاذ هذا التقليد كستار للغش وعدم الجودة والاخلال بالمواصفات القياسية.
ويتبين ذلك في مجالات انتاجية كثيرة.. أهمها المواد الغذائية من ألبان وجبن ولحوم مصنعة وغيرها.. ثم المستلزمات الطبية.. والعطور والشامبو.. إضافة إلي زيوت وقطع غيار السيارات!
كيف نخرج صناعات "بير السلم" من مخابئها السرية.. وكيف يتخلص المستهلك من خطرها؟
سؤال بحث مصراوي عن اجابته لدي الخبراء والمختصين.
الدكتور حمدي عبدالعظيم استاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعوم الادارية يؤكد ان مشكلة صناعات بير السلم رغم حجمها الاقتصادي الضخم. تكمن في تغاضي أصحابها عن الالتزام بالمعايير الصناعية والمواصفات القياسية للمنتجات.. فضلا عن هروبهم من الجهات الرقابية الصحية، واستخدامهم للعديد من المكونات والمواد المغشوشة في صناعتهم.
صناعات عشوائية
ويضيف د. عبد العظيم ان صناعات بير السلم هي احد اشكال الاقتصاد الخفي.. وهي صناعات عشوائية تفتقد لاية ضوابط أو ضمانات للجودة البيئية أو الصحية والخطر من ذلك ان مشكلة منتجات بير السلم لا تقف فقط عند خسارة الدولة لمليارات الجنيهات التي تنفقها لعلاج الامراض الناتجة عنها لكن الممارسين لهذا النوع من الاقتصاد ليس لديهم اية التزامات مالية أو ضريبية تجاه الدولة لانهم غير مسجلين لدي الجهات الرسمية.
كما ان تنامي تلك الصناعات قد يؤدي إلي توقف بعض المصانع المسجلة لدي الدولة لان منتجات بير السلم تدخل كمنافس شرس لمنتجات المصانع الرسمية وغالبا ما تكون مصانع بير السلم أرخص بكثير نظرا لعدم التزام اصحابها بدفع الضرائب.
ويزيد من حدة المشكلة الثقافة الاستهلاكية للمصريين التي تميل إلي تفضيل المنتج الارخص سعرا حتي لو كانت جودته أقل.
استراتيجية متكاملة
اما الدكتور محمود متولي استاد الاقتصاد بأكاديمية السادات فيشير إلي ضرورة وضع استراتيجية متكاملة لاخراج هذه الصناعات للنور وتقنين أوضاعها والاستفادة من هذا القطاع الثري الذي يمكننا من خلاله ايجاد فرص عمل لملايين العاطلين علي ان تبدأ تلك الاستراتيجية باجراء حصر شامل ودقيق للمنشآت غير الرسمية.
ويضيف د.المتولي ان الخطوة الثانية لاستغلال هذا الحجم الاقتصادي الضخم هي إعفاء اصحاب تلك المصانع من الضرائب لمدة خمس سنوات.. وتكون هذه المدة بمثابة فترة انتقالية لتوفيق اوضاعهم وفي حالة نجاح هذه المبادرة سيكون لها اثر ايجابي كبير علي الاقتصاد المصري لان هذه الصناعات من الممكن ان تستوعب ملايين الشباب العاطل.
بالاضافة إلى ان التنسيق بين تلك الصناعات والصناعات الكبري يجعل منها داعما للرافد الصناعي المصري.
ويؤكد المتولي ضرورة ان يتواكب مع مبادرة إعفاء منتجات بير السلم من الضرائب اجراءات اخري لتشديد الرقابة عليها وإغلاق المنشآت التي لا تصلح منها.
تراخ حكومي
ويشير الدكتور محمد النجار استاذ الاقتصاد بجامعة بنها إلي ضرورة تشجيع تلك الصناعات علي الاعلان عن نفسها وفي حالة التزامها نحاول توسيعها وإقراضها من البنوك كما فعلت العديد من دول العالم.
ويؤكد الدكتور النجار ان مصانع "بير السلم بشكلها العشوائي الحالي والتي ساعد التراخي الحكومي علي انتشارها لا تتوافر لديها اية اوراق قانونية تثبت موقفها من الانتاج أو نوعية منتجاتها ولا يوجد لها اسم تجاري لكنها تعمل من خلال تقليد ماركات مختلفة وعلامات تجارية لشركات كبيرة ومعروفة دون مبالاة بما ينجم عن ذلك من خسائر للاقتصاد القومي.
ويؤكد الدكتور النجار ضرورة ان تلعب الجمعيات الاهلية والمواطنون دورا اكثر ايجابية في مواجهة ظاهرة انتشار مصانع بير السلم لان منتجات تلك المصانع قد تتسبب في إصابة المواطنين بالامراض والتي قد تصل إلي السرطان خاصة منتجات العطور والألبان والزيوت فضلا عن المواد الغذائية الاخري التي تستخدم فيها مواد مغشوشة ومنتهية الصلاحية.
رجال الاعمال وأصحاب المصانع كانوا إحدي الفئات التي تضررت بشكل مباشر من نمو وانتشار مصانع بير السلم..فقد اضطروا للوقوع في منافسة غير شريفة.. بين منتجاتهم و منتجات بير السلم التي لا رقيب ولا حسيب عليها.
وهذا ما يؤكده محمد شكري نائب رئيس شعبة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات والذي يشير إلي ان منتجات بير السلم أضرت كثيرا بالصناعة الوطنية فأكثر من 8 % من الصناعات الغذائية مجهولة المصدر وغير مراقبة.
وأصبحت مصدرا رئيسيا لانتقال الامراض للمستهلكين.. والمشكلة الكبري ان هذه الصناعات العشوائية اضرت كثيرا بالصناعات الوطنية الجادة فنحن ندفع الضرائب والجمارك وجميع الالتزامات المالية للدولة وعلينا رقابة من مختلف الجهات لكن مصانع بير السلم يعيش أصحابها بعيدا عن أعين الرقابة ويستخدمون خامات مجهولة المصدر رخيصة الثمن وقد تكون مضرة للغاية من الناحية الصحية وفي النهاية يتم بيعها بأسعار منخفضة للغاية لتتنافس مع منتجات المصانع الشرعية.
مخالفة صريحة
الدكتور حسن شحاتة استاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر يؤكد ان ممارسة هذه الانشطة مخالفة لتعاليم الإسلام لان المعاملات الاقتصادية يحكمها مجموعة من القواعد والنظم القانونية التي تحفظ حقوق المتعاملين وحقوق المجتمع وفي حالة عدم الالتزام بها يحدث خلل ينجم عنه اعتداء علي حقوق المجتمع مثل التهرب الضريبي.
ويؤكد الدكتور شحاتة ان الالتزام بالاخلاص في التعاملات التجارية احد اسباب نجاح الاقتصاد في اوربا فهناك مقولة مفادها ان الاخلاق الحسنة تؤدي إلي اقتصاد حسن.
أضرار صحية
ويحذر الدكتور سعيد شلبي استاد الجهاز الهضمي والباطنة من خطورة منتجات بير السلم علي الصحة العامة حيث يشير إلي ان المواد الغذائية التي تم تصنيعها دون رقابة تم تخزينها بشكل خاطئ فتنمو عليها فطريات تصيب بالسموم فضلا عن استخدام تلك المصانع لمواد ومكسبات اللون صناعية مصنعة بشكل خاطئ قد تنتج عنها إصابة المستهلك بالسرطان.
والاخطر من هذا كما يشير الدكتور شلبي ان اضرار هذه المنتجات طالت الاطفال حيث تصنع نسبة كبيرة من الحلول والالعاب الرخيصة في مصانع بير السلم وكذلك منتجات الالبان والجبن التي يضاف إليها الفورمالين مؤكدا ضرورة فرض رقابة جيدة علي هذه المصانع التي تسعي للكسب علي حساب صحة المواطنين.