فهمي هويدي يكتب: مطلوب تحقيق فيما جرى
أرجو ألا تستغل أحداث مباراة الخرطوم فى تسميم العلاقات المصرية
الجزائرية، أو المصرية العربية بوجه عام. أدرى أن ذلك المطلب يبدو صعبا
الآن فى ظل أجواء الشحن الراهنة، وبعد الأحداث المؤسفة والمحزنة التى وقعت
فى الخرطوم ــ فقد سمعت من المصريين العائدين من السودان والمقيمين فيها
قصصا لا تكاد تصدق عن الاعتداءات التى تعرض لها المشجعون المصريون بعد
انتهاء المباراة التى فاز فيها الفريق الجزائرى.
ولولا أن بعض
الرواة أعرفهم وأثق فيما قالوه، كما أن الوقائع التى تحدثوا عنها تواترت
بشأنها الروايات على نحو يوحى بصحتها، لاعتبرت ما قيل من قبيل الشائعات
التى تستهدف الوقيعة بين أبناء الشعبين الشقيقين.
لقد أدركت مما
سمعت أن آلاف الجزائريين الذين قدموا إلى السودان كان بينهم أناس لم
يحضروا لتشجيع فريق بلادهم فقط، وإنما جاءوا أيضا للثأر من المصريين،
بعدما نجحت الصحف الجزائرية الصفراء فى تحريضهم وإثارة مشاعرهم. خصوصا حين
أشاعت أن 8 قتلى جزائريين سقطوا أثناء المباراة الأولى بين الفريقين.
وروجت
أكاذيب ادعت أن الفريق الجزائرى تعرض للعدوان ولعملية ترويع حين جاء إلى
القاهرة. وإزاء استمرار عمليات التسميم والتهييج، فإن نفرا من القادمين من
الجزائر جاءوا فى الجولة الثانية بنية تصفية الحساب. حتى إن منهم من ذهبوا
إلى أسواق الخرطوم واشتروا كميات كبيرة من السكاكين والسنج والمطاوى، التى
استخدمت فى اعتراض طريق المشجعين المصريين والاعتداء عليهم.
لا مفر
من الاعتراف بأن ما جرى أحدث جرحا عميقا فی نفوس المصريين يتعذر علاجه فى
الوقت الراهن. ولا نستطيع أن نحمّل الشعب الجزائرى بالمسئولية عنه، لأن
الجماهير الغاضبة التى شنت غاراتها على تجمعات المصريين وحافلاتهم جاءت
مشحونة بالمرارة ومملوءة بالنقمة والغضب، وكانت واقعة تحت تأثير الإعلام
الذى عمد إلى الإتجار بالفتنة وأصر على تأجيجها. المدهش ان ذلك حدث رغم
فوز الجزائريين، ويعلم الله وحده ماذا يمكن ان يحدث لو ان فريقهم خسر
المباراة.
بسبب ذلك، فإنه لا سبيل إلى تجاوز الجرح، ومن ثم ترميم
العلاقات المصرية الجزائرية إلا بإجراء تحقيق محايد فيما جرى سواء فى
القاهرة أو فى الخرطوم، حتى تتبين الحقائق للجميع، وتنفضح الأكاذيب
والدسائس، وتنقشع الغشاوة عن الأعين التى كانت ضحية للدس والتحريض
والإثارة. وفى ضوء ذلك التحقيق ينبغى أن يحمل كل طرف بالمسئولية عما نسب
إليه، يسرى ذلك على مؤسسات السلطة المسئولة عن حماية اللاعبين والمدنيين،
ووسائل الإعلام التى روجت للأكاذيب وأشعلت الحريق، واتحادات كرة القدم
التى عمقت فى الخصومة وشحنت اللاعبين وجمهورها بمشاعر البغض والمرارة.
(ذكرت الأنباء أن رئيس اتحاد الكرة الجزائرى رفض مصافحة نظيره المصرى،
الذى كان قد توجه إليه لأجل ذلك، أثناء اجتماع دعا إليه الرئيس عمر البشير
لتهدئة النفوس وترطيب الأجواء، حضره الإداريون من الجانبين).
وحده
ذلك التحقيق الذى يفضى إلى الاعتذار عن أى خطأ وقع أو التعويض عن كل جرم
ارتكب، يمكن أن ينقذ العلاقات المصرية الجزائرية، فيداوى ما انجرح ويصل ما
انقطع.وبغير ذلك ستظل المرارة فى الحلوق وسيتحول الشرخ الذى أحدثه ما جرى
إلى عقبة تضيف تصدعا جديدا إلى العلاقات العربية العربية، وستكون تلك
شهادة نجاح وتفوق لدعاة التسميم ومثيرى الفتنة.
إن علاقات الشعبين
المصرى والجزائرى أغلى من أن تترك للغوغاء ودعاة الإثارة والتحريض. الأمر
الذى يتطلب ــ إلى جانب التحقيق ــ تدخلا من مستوى رفيع فى البلدين يوقف
التدهور الحاصل قبل فوات الأوان. وهذا التدخل مطلوب حتى لا نقدم هدية أخرى
للذين يدعون إلى تسميم العلاقات المصرية العربية، الذين لم يتمنوا الخير
يوما ما لا لمصر ولا للعرب.
لم يتمنوا الخير يوما ما لا لمصر ولا للعرب