قال الله تعالى : "
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَّحِيمًا " - الفرقان 70 -
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره فيها قولان ، ذهب اليهما العلماء . و أقول ملخّصا مختصرا للفائدة القولين :
القول الأوّل : أنّ الله يبدّل حال التائب من الكفر
الى الإسلام ، و من المعاصي الى الطاعات ، و من الفجور الى الإحصان .
فيصبح يتقلّب في أحوال الطائعين المنيبين بعدما كان يتقلّب في أحوال
المسيئين العاصين .
القول الثاني : قال يبدّل الله سيئات التائب
الى حسنات ، فالتائب لما أصابه من حال التوبة الذي جعله كلّما وقف على
معاصيه تاب و استغفر و لجأ الى الله ، حوّلها الله من ذنب الى طاعة و من
سيئة الى حسنة .
و لنا وقفة مع هذه الآية .
قال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله في الحكم :" ربّ معصية أورثت ذلاّ و انكسارا خير من طاعة أورثت عزّا و استكبارا " .
لعمري هي ذي التوبة المقصودة ـ التي تجعل الذنب طاعة ، و المعصية عملا
صالحا ، و السيئة حسنة ، فالعبودية ليست طقوسا جوفاء و التزامات خاوية
بجفاء ، و إلاّ فالخوراج هم أكثر من يلتزم الظاهر ... قال رسول الله صلى
الله علسيه و سلم :" يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية "
و قال الله تعالى : " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم " .
فحقيقة العبودية انكسار للخالق ، و تلبّس بروح العبودية لله ، لن ينال
الله من طاعاتنا أشباحها و ظواهرها و لكن ينالهُ أسرار طاعاتنا و إخلاصها
و عبوديتها الكامنة فيها .
و التوبة التي تجعل المعاصي محطّات انكسار لله ، و ندم و عبودية و حياء
منه و تعظيم له ، يقول التائب : ربّ ربّ كيف عصيتك كيف طاوعتني نفسي أن
أعصيك , اجترئ عليك ؟؟؟
تلك المعاصي خير من ألف طاعة عليها راية التمنّن على الله ، و عليها راية
العجب و القدوم على الله معتدّا بحسناته - التي يحسبها حسنات - ، و أي و
الله لمعاصي العبد التائب كما ذكرنا أفضل عند الله من طاعات المعجب
بحسناته .
بل يوشك أن يقال للطائع المعتدّ بنفسه المعجب بعمله ، " و قدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءاً منثورا " .
و هناك قل و لا تثريب عليك ، أنّ السيئة تحوّلت الى طاعة ، و المعصية مع
جرمها و خطرها و شناعتها تتبدّل حسنات بل جبال حسنات إذ صارت طاعة يتقرّب
بها العبد الى الله ، و صارت بذاتها مصدر عبودية و استغفار و إنابة الى
الله بعدما كانت سيئة في الأرض و خطيئة .
و صلى الله على سيدنا محمد و على اله و صحبه و سلم كثيرا .