eng_ghost مراقب عام المنتديات والحوار العام ومنتدى الهندسة المدنية
عدد المساهمات : 4632 تاريخ التسجيل : 16/04/2008 العمر : 38 الموقع : just in my dreams ,, i can reach any place رقم العضوية : 1036 Upload Photos :
موضوع: في اعوجاج الحال الخميس 24 يونيو - 22:52
لماذا تقبل جريدة مصرية نشر الإعلانات الموجهة للقارئ المصري باللغة الإنجليزية؟
******** قررت إدارة أحد المنتجعات السياحية في "رأس سدر" المطلة على البحر الأحمر أن تقيم حفلا غنائيا تحييه المطربة نانسي عجرم في التاسع من شهر يوليو المقبل، بمناسبة مرور عشر سنوات على "النجاح" الذي حققته. ولكي تزفّ البشرى إلى الجماهير المصرية والعربية، فإنها نشرت إعلانا على صفحة كاملة بجريدة الأهرام يوم الأحد الماضي 20 يونيو. وكانت المفاجأة أن الإعلان كله كُتب باللغة الإنجليزية.
وهو ما أشعرني بالغثيان والحيرة؛ إذ وجدت أن نشره بهذه الصورة احتقار وازدراء لي كمواطن مصري وعربي. وتخيلت المسئول عنه وهو ينظر إليّ بقرف واستعلاء مستكثرا أن يخاطبني بلغتي، لكني رأيته ضئيلا ومستشعرا العار من استخدام لغة أهله. ومن ثم ساعيا إلى الاختباء وراء الحروف اللاتينية، متصورا أنه بذلك يستعير قامة ترفعه فوق رءوس الآخرين وتثير إعجابهم.
أما الذي حيّرني فهو إجابة السؤال: لماذا لجأت إدارة المنتجع إلى نشر إعلانها باللغة الإنجليزية؟ ودفعت لقاء ذلك عشرات الألوف من الجنيهات؟
والسؤال: لماذا تقبل جريدة تصدر عن مؤسسة عريقة في مصر، أن تنشر الإعلانات الموجهة إلى القارئ المصري والعربي باللغة الإنجليزية؟
أفهم أن يسعى الإعلان إلى الإيحاء بأنه يخاطب "الزبون" المتميز، لكني لست مقتنعا بأن اعوجاج اللسان يحقق التميز المطلوب. أدري أن إدارة المنتجع لم تبتدع فكرة الإعلان بالإنجليزية، ولكنها انساقت وراء بدعة شاعت بعدما استنّها آخرون، ولهذا فإن كلامي ليس موجهاً إلى المسئولين عن تلك الإدارة وحدهم، ولكنه منصب على سلوك كل الذين يستنكفون مخاطبة من حولهم بالعربية، سواء بدعوى التميز أو انطلاقا من الشعور بالنقص والعار، ومحاولة تعويض ذلك الشعور بأي رطانة أخرى غير عربية.
أستغرب أيضا قبول مؤسسة بحجم الأهرام لفكرة الإعلان بالإنجليزية، في إصدارها العربي، وحرصها على زيادة الدخل بأكثر من حفاظها على القيمة أو حرصها على احترام القارئ والذات. علماً بأنني لا أعتبر قبول مقال تلك الإعلانات إهانة للقارئ فحسب، ولكني أزعم أنه بمثابة إساءة وإهانة للمؤسسة ذاتها، التي لم تبلغ ما بلغته يوما ما إلا من خلال تقدير القارئ العربي لها وحفاوته بها.
لن أختلف مع من يقول إن مؤسسة الأهرام لا تنفرد بهذا الموقف؛ لأن البلوى أعم وأشمل، فالصحف الأخرى تفعل نفس الشيء، كذلك قنوات وبرامج التليفزيون؛ (لدينا قناة باسم "مزيكا زووم" وأخرى باسم "ميلودي" وفيلم باسم "الديلر")، والتعليم الإنجليزي له الأولوية في المدارس والجامعات، والحروف اللاتينية تتصدر واجهات المحال رغم أن هناك لوائح لا تجيز ذلك... إلخ.
من ثم فلا مفر من الاعتراف بأن رياح التغريب ضربت مختلف مجالات الحياة، ليس في مصر وحدها وإنما في الدول العربية أيضا، وهذه الرياح كاد تأثيرها يصل إلى حد اقتلاع ركائز المجتمع في منطقة الخليج. وكل الشواهد التي نراها بأعيننا تدل على أن هزيمة الأمة العربية ليست سياسية فحسب، وإنما هي حضارية في المقام الأول، وأن الأمة حين فقدت إرادتها وأصبح غيرها يقرر مصيرها، فإنها فقدت الشعور باحترام الذات والاعتزاز بمقومات حياتها، ولغتها من بين تلك المقومات. وهو ما يؤيد القول المأثور المنسوب إلى "ابن حزم" الذي يقول بأن اعوجاج اللسان علامة على اعوجاج الحال.
إننا حين ندرك أن الأمر أكبر وأبعد من إعلان بالإنجليزية في صحيفة عربية عريقة، فلا يعني ذلك أن نستسلم لتداعيات الهزيمة بما تستصحبه من انكسار ومسخ للشخصية؛ ذلك أننا ما زلنا نملك أمرين على الأقل، أحدهما أن نعبر عن الرفض والغضب، وثانيهما أن نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، كل في محيطه وموقعه. وفي حالة "الأهرام" فإنه سيخسر قليلا من المال (إعلاناته وفيرة والحمد لله)، لكنه سيكسب كثيرا من الاحترام إذا ما تمسك بنشر إعلاناته باللغة العربية. السؤال المحرج الذي لا أستطيع أن أرد عليه في هذه النقطة، أن ينبري أحد الخبثاء قائلا: ألا ينبغي أن يجيد الصحفيون اللغة العربية أولا؟