جالسا في مرسمي أخط خطوطي الأولى للمنظر أمامي .. أرسم طبيعة صامتة .. جرتان وزجاجة خضراء .. أنظر للمشهد محاولا بكل طاقتي أن أمتزج مع الجرار وأن أنسجم مع الزجاجة .. أتخيل أنني مجرد جرة فخارية بين سبعين مليون جره .. أنا جرة بيضاء لي يد معقوفة .. وأحيانا أنا زجاجة خضراء شفافة .. لذلك أنا أرسم جيدا فعلا .. كنت سارحا في تخيلاتي حتى لمحت نظراتها المختلسة ..
_________________
انتبهت أنها تختلس النظر لي ثم تتوارى خلف لوحتها ..
لم أهتم كثيرا .. قلت في نفسي قد يكون أنفي يثير تعجبها أو أن حواجبي ليست في مكانها ، لذلك مددت يدي كي أتأكد أن كل شيء على ما يرام .. ما المشكلة إذن ؟
الجرار : عد إلينا أيها الفنان ..قلت : حسنا ..
وطفقت أظلل جسد جرتي ..كنت أدغدغها فتضحك .. وكانت تمازحني فأبتسم ..
هنا شعرت أن عينا تحدق إلي أثناء سهوي بتركيز يثير الغيظ .. لذا قررت أن أواجه الموقف بجرأة هذه المرة .. رفعت عيناي لتصطدم بعينيها في مواجهة مباشرة ..
_________________
( كراك : دززززززززز ( الكثير من الكهرباء العينية ))
_________________
ظللنا لثانيتين ننظر لبعضنا .. قلبي يخفق مثل موتور .. عيناي مثبتة على توليف عيناها .. فجأة تورد وجهها وتراجع مشيحا في خجل .. عرفت أنني أخطأت نوعا ما .. لذلك لعنت الجرأة في سري وقلت لنفسي : ماذا تريد بالضبط ؟
فيما بعد كنت أتحاشاها تماما مع أنها كانت تنظر لي كلما غفلت أو سهوت .. لو أتضح أنها من المخابرات أو المباحث فإنني في مشكلة حقيقية .. تخيل أنك مراقب من أمن الدولة عن طريق إحداهن تخيط حولك شباك غرامها لتوقعك في النهاية إلى حبل المشنقة لأنك تقرأ بعض جرائد المعارضة أو معجب بأيمن نور مثلا .. المهم أنني تركت المرسم أساسا لأجل سواد عيونها .. بلا إعجاب بلا كلام فاضي