كثيرا مايتردد الإنسان عندما يعزم على الولوج لأمر جلل, ذلك أن ضخامة الأشياء تبدو من أفق بعيد مستعصية الوصول, فيدخل النفس شئ من الوهن والاستكانة , الظلال* وصاحبها من هذه الأشياء , ولكنى أحاول الاقتراب منها لعلى آتيكم بقبس من مشكاتها الوضيئة. سنتاول بعض الظواهر والمخلوقات الكونية التي وردت في القرآن الكريم وأوردها صاحب الظلال بتفسير وجدته يقترب كثيرا من تأثير هذه الظواهر والمخلوقات على حياتنا المعاصرة.
سابدا بالرياح.
وردت هذه المادة على ثلاث صيغ في القرآن الكريم أولا الرياح وردت في عشرة آيات ,والريح المعرفة وردت فىثمان مواضع , ثم ريح هكذا دون تعريف وردت في أربعة مواضع. نتناول ما وردفي سورة الاحقاف في قوله تعالى((فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا:هذا عارضا ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لايرى إلا مساكنهم كذلك نجزى القوم المجرمين))يقول صاحب الظلال((النص القرانى يصور الريح حية مدركة مأمورة بالتدمير (( تدمر كل شئ بأمر ربها))وهى الحقيقة الكونية التي يحفل القرآن بإشعارها في النفوس, فهذا الوجودحى وحين يؤمن حق الإيمان ويفتح قلبه للحياة الواصلة يستطيع أن يعي عن القوى الكونية من حوله وان يتجاوب معها وان تتجاوب معه تجاوب الأحياء المدركة بغير الصورة الظاهرة التىيعرفها الناس من الحياة والإدراك. ففي كل شئ حياة وروح ولكننا لا ندرك هذا لأننا محجوبون بالظواهر والأشكال عن البواطن والحقائق.
وقد أدت الريح ما أمرت به فدمرت كل شئ . والريح قوة دائبة العمل وفق النظام الكوني الذي قدره الله. وهى ماضية في طريقها الكوني فلا حاجة لخرق النواميس الكونية , فصاحب الناموس المرسوم هو صاحب القدر المعلوم , وكل حادث وكل حركة وكل اتجاه وكل شخص وكل محسوب حسابه داخل الناموس . والريح كغيرها من القوى الكونية تؤدى ما قدره لها في نطاق الكون كله.)
وبعد.... وبهذا الفهم العميق ما زالت الريح تؤدى دورها (( وكذلك نفعل بالمجرمين)) يقول صاحب الظلال في شرح ختام هذى الآية (سنة ماضية وقدر مطرد) وهذا ما يفيد التعاقب وفق النواميس الكونية اى كلما كان هنالك صد عن الدعوة لله وإجرام وإصرار على ذلك الصد كان هنالك عقاب. ترى هل نعيد التفكير في كثير من الظواهر والكوارث التي ألمت ببعض المناطق من هذا المنظور دون استغفال للتفسيرات العلمية المسببة لذلك.
**** **** **** **** **** ****
*فى ظلال القرآن الكريم تأليف الأستاذ سيد قطب رحمه الله.