رمضان في مصر.. كريم كعادته ولكنه ليس ''شهر.. مبارك''الحسين اول ايام رمضان8/5/2011 9:32:00 PM
القاهرة - (د ب أ)
توقع البعض في مصر أن تطغى السياسة على مظاهر شهر رمضان، أو أن يحدث العكس، فتطغى مظاهر الشهر الكريم على الاحداث السياسية الساخنة ، ولكن الروح المصرية بقدرتها المعهودة على التحايل على صعاب الأمور نجحت في خلط الاثنين معا ليكون المنتج النهائي "رمضان بطعم الثورة". بادئ ذي بدء، شهر الصوم "كريم" كعادته كما يتفق معظم المصريين، ولكنه ليس "شهر مبارك".
ظهر ذلك جليا في الرسائل النصية التي تبادلها الناس مع بداية الشهر ، فقد دارت في فلك السياسة ، من أمثال "تقرر إلغاء شهر رمضان بعد ما اكتشف الثوار بالدليل القاطع أنه مبارك". وكذلك "كل عام وأنتم بخير بمناسبة /فلول/ شهر شعبان ، وقرب بداية شهر رمضان الـ/مبارك/ ويارب يكون الشهر كله /جمال/ و/سرور/ ومصر توصل فيه للـ/علاء/ وتعيش في /عز/ وتبدأ على /نظيف/ ، وأنا أؤكد على /عزمي/ الشديد على ذلك لأحصل على /صفوت/ الحسنات ، ويجعلنا من /عبيد/ الله الصالحين" ، في إشارة يفهمها أي مصري إلى أبرز وجوه النظام البائد. وعكست الرسائل أيضا تنوع التوجهات السياسية من أمثال :"أصدقائي الليبراليين رمضانكم حرية .. أصدقائي الاشتراكيين رمضانكم عدالة اجتماعية ، أصدقائي الإسلاميين تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.. أصدقائي غير المسيسين رمضان كريم .. أصدقائي الفلول رمضان مبارك".
ورغم أن النزعة السياسية كادت تتفوق مع أول أيام الشهر مع قيام قوات الشرطة والجيش بإخلاء ميدان التحرير وسط القاهرة من المعتصمين وما تلا ذلك من دعوات للتظاهر كل يوم بعد صلاة التراويح ، إلا أنها سرعان ما هدأت مع الجلسة الأولى لمحاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك امس الاول الاربعاء، اليوم الثالث من رمضان، والتي كان لها الفضل في عودة شيء من الثقة المفقودة بين الشعب والمجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يتولى ادارة شئون البلاد منذ تنحي مبارك في فبراير الماضي.
ولكن هذا لا يعني أن مد السياسة والحديث في شئونها قد انحسر ، فقد أعقبت الجلسة حوارات مطولة يكاد المرء يسمعها في كل مكان يذهب اليه، تطرقت إلى حالة الرئيس السابق وصبغة شعره و"أنفه" وولديه ومصحفيهما وغيرها من التفاصيل التي قد يكون لها مغزى.
ووسط أزمات مالية واضطرابات داخلية ، قرر التليفزيون الرسمي الذي يذيع المحاكمات حصريا ، إعادة إذاعة مسلسلات قديمة من أمثال عمر بن عبد العزيز ، لملء العشرات من ساعات البث لقنواته العامة والمتخصصة.
وأرجع المراقبون هذا إلى تراكم ديون التليفزيون ، في حين أرجعه آخرون إلى عزوف المنتجين عن عرض منتجاتهم على شاشات التليفزيون الوطني، خاصة وأن البعض يقول انه لم يتسلم كامل مستحقاته المالية السابقة.
وفي هذا الإطار ، دعا البعض على مواقع التواصل الاجتماعي إلى قيام التليفزيون ببيع حق نقل المحاكمات أو حتى إدخال إعلانات وسط المحاكمات على طريقة "وداوني بالتي كانت هي الداء" أي بما أن رموز النظام هم من كانوا السبب في الأزمة المالية فيتعين الاستفادة من محاكماتهم لتجاوز الأزمة. ودعا آخرون إلى أن بث المحاكمات بعد الإفطار "حفاظا على صوم الصائمين"، حيث ذكر تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي انه: "قد يخرج لفظ مشين من فمنا ضد الرموز ونحن صائمون ما قد يفسد صيامنا". ورغم تعطل تصوير المسلسلات تحت وطأة أحداث الثورة إلا أن القنوات التليفزيونية تعج كعادتها بالمسلسلات والبرامج. وستكشف لنا نسب المتابعة في آخر الشهر ما إذا كانت "القوائم السوداء" التي وضعها معارضو النظام السابق بأسماء الممثلين من أنصار الرئيس السابق حسني مبارك قد أجدت نفعا. واللافت هذا العام أنه على عكس السنوات الماضية التي كان يتم وقف معظم البرامج الحوارية السياسية خلالها ، أبقت معظم القنوات خلال رمضان الجاري على برامجها وإن كانت قد خفضت المدة بمقدار النصف تقريبا.
لم يقف حد "رمضان بطعم الثورة" عند هذا فحسب ، بل أن الفوانيس التي يلعب بها الأطفال لبست حلة الثورة أيضا ، فرأينا منها هذا العام الفانوس الدبابة الذي يحمل على ظهره الجندي ورأينا أيضا الفانوس بألوان العلم المصري. ولم تكتف بعض القنوات بنشر إعلانات فقط لبرامجها ومسلسلاتها في الشوارع والصحف ، بل تمادى بعضها بنشر ملاحق خاصة ببرامجها في الصحف ، وسط حالة من "ضوضاء المسلسلات والبرامج والقنوات" التي يصعب على الشخص حتى الاختيار من بينها. تقول نعمة ، التي تعمل مترجمة ، "في أول يومين من الشهر كنت أمسك بجهاز التحكم في القنوات بعد الإفطار وأظل اتنقل بين القنوات ، حتى يغلبني النعاس دون أن أشاهد شيئا".
ورغم ارتفاع الأسعار، حرص المصريون على الإبقاء على مظاهر الشهر من زينة وولائم ، ولكن من الواضح أن الإقبال على الشراء يختلف من منطقة لأخرى بحسب المستوى الاجتماعي. فمثلا في المناطق الأكثر فقرا يقتصر الناس على الشراء بأقل الكميات . أما في الأسواق الكبيرة ، فحدث ولا حرج ، فالشراء بكميات ضخمة وهائلة وأحيانا دون حاجة آنية. ويرجع البعض السبب في هذا الإقبال إلى تجهيز ما يتعارف عليه في مصر بـ "شنط رمضان" وهي عبارة عن عبوات تضم موادا غذائية اساسية مثل السكر والارز والزيت وغيرها ، حيث توزعها الأسر الميسورة أو الجمعيات الأهلية على الفقراء لتكفيهم السؤال في رمضان. أما عادل ، وهو محاسب ، فوجد لهذا سببا ليس بعيدا عن السياسة، حيث قال: "نحن شعب بطبيعتنا نأكل كثيرا إذا فرحنا ونأكل كثيرا إذا حزنا ، ونأكل كثيرا إذا شعرنا بالتوتر .. ونحن نمر حاليا بفترة من التوتر السياسي".
التقرير من مروة غريب.