بسم الله الرحمن الرحيم
في ذكري حريق المسجد الأقصى المبارك.
اليومً تمضي ثمانية وثلاثون عاماً على نكبة المسلمين الكبرى التي أصابت أقدس مقدساتهم . ففي مثل هذا اليوم يستذكر المسلمون جميعاً الجريمة النكراء التي ارتكبت ضد مسجدهم الأقصى المبارك ، والنيران التي أضرمتها في جنباته يد الحقد المسعور والتطرّف الممقوت . فقد تخطَّى السائح اليهودي المتعصّب مايكل دينيس كل الحدود ، وتجاوز كل القوانين والمواثيق ، وأحرق بِلَظَى كراهيته وسواد فعلته مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلة المسلمين الأولى .
مجرم إرهابي حظيت فعلته بدعم سلطات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم ، فقد أعاقت عمليات الإطفاء وتباطأت في محاولات الإنقاذ ، وحظي هو شخصياً بالحماية القانونية فقد ادَّعى محرِّضوه إصابته بالعَتَه واختلال قواه العقلية .
أدان العالم هذا العدوان واستنكره وامتعض منه ! وكفى ! وهذا نهجه من قبلُ ومن بعدُ في قضايا الأمة الإسلامية والعربية ، ولسنا مجحفين في تقرير هذه الحقيقة السلبية الواضحة للعيان ، فقد رأينا ورأى الجميع موقف العالم والمجتمع الدولي من تحطيم تماثيل بوذا في أفغانستان ، وهل من مقارنة بين الموقفين ؟
كانت جولدا مائير رئيسة حكومة الاحتلال في ذاك الزمان ، وكانت تنتظر بفارغ الصبر شروق شمس يوم 22/8/1969 ، كانت تظن أن الأرض ستميد تحت أقدامها ، وأنها لن تقوم لدولتها قائمة !
لكن طلع النهار وأشرقت الشمس ، ولم يحدث شيء من مخاوفها .
هبَّ أبناء الشعب الفلسطيني من كل مكان لنصرة مسجدهم ، وانطلقت سيارات الإطفاء من مدن نابلس وبيت لحم والخليل وغيرها ، وهرع أهل البلدة القديمة في القدس إليه سراعاً ، يحملون الماء بأيديهم يخمدون به النيران التي سرت إلى منبر صلاح الدين فأحرقته ، وامتدت حتى وصلت إلى سقف المسجد فخرقته .
أما جماهير أمة الإسلام فغضبت وثارت لهذه الجريمة البشعة ، لما فيها من انتهاك لحرمة مقدساتها ومساس بأماكن عبادتها واعتداء على كرامتها وعقيدتها ، من هنا كان لزاماً عليها الرد على هذا التحدي السافر لمشاعرها ودينها بتأكيد الوحدة وجمع الكلمة واستنفار القوة اللازمة لمواجهته .
فتداعى قادتها خلال شهر من الكارثة إلى مؤتمر قمة لهم في المغرب ، قرروا فيه تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي ، التي تضمَّن ميثاقها العهد على السعي بكل الوسائل السياسية والعسكرية لتحرير القدس الشريف من الاحتلال الصهيوني .
ثم أنشئت لجنة القدس عام 1975م بهدف متابعة تنفيذ القرارات التي تتخذها منظمة المؤتمر الإسلامي والهيئات الدولية الأخرى التي تؤيدها أو تتمشى معها ، والاتصال مع أية هيئات أخرى ، واقتراح المناسب على الدول الأعضاء لتنفيذ المقررات وتحقيق الأهداف ، واتخاذ ما تراه من إجراءات . ويهدف إنشاء لجنة القدس أيضاً إلى تنفيذ جميع قرارات المنظمة المتعلقة بمواضيع الصراع العربي الإسرائيلي نظرا للترابط الجذري بينه وبين قضية القدس وفلسطين.
ونحن نعلم علم اليقين أن العدوان على المسجد الأقصى المبارك متواصل لا يتوقف ، والواقع يصدق هذا اليقين ، فهو يتعرض باستمرار لمخاطر حقيقية وتهديدات جدية ، وتمثل المواعيد المتجددة التي تعلنها الجماعات اليهودية المتطرفة لاقتحامه وسيلة لرصد ردود الفعل العربية والإسلامية ، حتى إذا اطمأنت إلى فتور الهمم اغتنمت الفرصة المواتية لتنفيذ جريمتها .
والدليل على جدية الأخطار التي تتهدد المسجد الأقصى المبارك استمرار اعتداءات الجماعات الدينية المتطرفة عليه وبدعم من سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، فكثرت مخططات نسفه ومحاولات اقتحامه وارتكبت فيه كثير من المجازر . كل ذلك بهدف إقامة الهيكل المزعوم مكانه وصولاً إلى تهويد القدس وفلسطين كلها .
في كل مرة يدافع عنه الفلسطينيون حاسرين من السلاح ، يحمونه بالمواظبة على الحضور الدائم في ساحاته ، وتحدي جميع الإجراءات القمعية والممارسات الاحتلالية التي تعيق الوصول إليه ، والوقوف إلى جانب حراسه وسدنته العزّل في مواجهة الاحتلال بالصدور العارية . فالجميع يشدون الرحال إليه لعمارته والصلاة فيه ويبقون في حالة استنفار دائم لمواجهة أي خطر مفاجئ يتهدده ، ولإفشال كل المخططات الصهيونية المتربصة به وللدفاع عنه وافتدائه بالمهج والأرواح .
إن مجازفة غلاة المستوطنين بتنفيذ مخططاتهم تنافى مع ما أقرته العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تنص على حماية أماكن العبادة في البلاد التي تقع تحت الاحتلال ، وتشكل منزلقاً خطيراً يضع المنطقة بأسرها على شفير الهاوية ، ويؤثر على الأمن والسلم في العالم بأسره .
ولذلك فإننا دائماً نناشد المجتمع الدولي ومنظماته العالمية والإقليمية الضغط على إسرائيل والتدخل لمنع كارثة قد تحل بالمنطقة ، أسوة بالقضايا الأخرى التي تسترعي اهتمامها وتصدر فيها القرارات الملزمة .
ومع أن العالم قد أجمع بقرارات دولية على عدم شرعية أو قانونية ما تقوم به حكومة إسرائيل ؛ إلا أنها ماضية في تنفيذ خططها لتهويد المدينة المقدسة بإقامة جدار الفصل والضم العنصري الذي يعزلها عن محيطها الفلسطيني ، ويمنع أبناء الشعب الفلسطيني من الوصول إليها والصلاة في مسجدها الأقصى المبارك ، وكذلك بهدم بيوت أهلها وسحب هوياتهم ومصادرة أراضيهم لبناء المستوطنات وإسكان الجماعات الدينية المتطرفة مكانهم ، وماضية في مواصلة الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى بهدف تعريضه للانهيار بصورة تلقائية ؛ رغم أن علماء الآثار اليهود أنفسهم قد اعترفوا بأنهم لم يجدوا أثراً لهيكلهم المزعوم ؛ إلا أنهم أكدوا في الوقت نفسه أن استمرار الحفريات يستهدف بنيان المسجد الأقصى المبارك .
والآن وبعد مرور عقود على الجريمة النكراء فللشعب الفلسطيني أن يتساءل : هل كانت أمته على مستوى الحدث ؟ هل كانت على مستوى المسؤولية ؟
ام نتقبل العزاء في المسجد الاقصي مثلما نتقبله في مصر
وقادتها وشعبها؟؟؟
التعديل الأخير تم بواسطة المشرف سيف الاسلام