التصور القرآني للعقد النفسية :- لقد رمز القرآن الكريم إلى تلك العقد النفسية بالطاغوت والعقبات والأهواء والشهوات .
والآن نعرض بعض الآيات التي توضح تحليل القرآن الكريم لمفهوم العقد النفسية :-
1- عقدة الحرمان العاطفي :-
لقد بين القرآن هذه العقدة من خلال قوله تعالى :- (( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر)) سورة الضحى ، الآيتان : 9 ، 10 .
فكل مخلوق في حاجة إلى حنان ورعاية وحب ، ولقد شدد القرآن الكريم كثيراً على ضرورة المحبة والعاطفة الصادقة ، ففقدان المحبة عند الإنسان منذ ولادته حتى انتهاء سن المراهقة يؤدي إلى عقدة الحرمان العاطفي والقلق والكآبة النفسية والعدوانية نحو الذات والأخرين (4) .
2- عقدة الحرمان المادي :- ولقد بينها القرآن الكريم في قوله تعالى :-
((وتحبون المال حبا جما)) سورة الفجر ، الآية :20 .
فكثير من الأشخاص نتيجة لهذه العقدة يتهافتون على متاع الدنيا ومحاولة الحصول على أكبر قدر من المال بأقصر الطرق واللجؤ إلى المحرمات للكسب السريع ، وفعل كل ما لايرضي الله العزيز الحكيم .
ولقد عالج الإسلام هذه العقدة بغرس الزكاة ومعناها تزكية النفوس والمال وجعلها ركناً من أركان الإسلام بل حذر المشركين الذين لا يؤتون الزكاة وذلك في قو له تعالى (( وويل للمشركين اللذين لا يؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم كافرون )) سورة فصلت ، الآيتان : 6 ،7 .
3- عقدة النقص والخوف من الغير :-
فمن الأفضل هنا أن نميز بين الشعور بالنقص وعقدة النقص ، فالشعور بالنقص يخص العقل الواعي وهولا يعتبر مرضاً نفسياً ولا عيب فيه وقد يكون دافعاً لتحسين قدراتنا ، بينما العقدة تكمن جذورها في اللاشعور ، فالمصاب بهذه العقدة يتصور أنه أفضل الناس جميعاً (2)
وقد بينها القرآن في قوله تعالى (( فلا تخشوا الناس واخشون)) سورة المائدة ،الآية : 44
فالشعور بالنقص هو إحساس طبيعي عند كل إنسان ، فالإنسان يجب أن يتخلص من إحساس النقص والضعف مع اكتمال جوانبه العقلية والجسدية والشعورية قبل نهاية المراهقة والدخول مرحلة الرجولة شرط أن تتوفر له التربية الأسرية الصالحة ومجتمع عادل لا وجود للقهر والاستعباد والظلم فيه .
ومن مظاهر عقدة النقص الهروب والخوف من الغير والقلق الشديد أمام ظهور كل شئ جديد والعدوانية وحب الإذاء للذات والآخرين .
ولقد بين القرآن الكريم كيفية التخلص من عقدة النقص بشرط أن يلتزم الإنسان بها وذلك في قولـه ((إن أكرمكم عند الله اتقاكم)) سورة الحجرات ، الآية : 13 (( وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور)) سورة آل عمران ، الآية : 185 (( والله خير وابقى )) سورة طه ، الآية : 73 .
فالقرآن تعتبر تعاليمه وقائية للذات الإنسانية من العقبات النفسية والانحرافات السلوكية .
4- عقدة التعالي والتكبر والغرور :-
(( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخزر،واقصد في مشيك وأغضض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير )) سورة لقمان الآيتان : 18 ، 19 .
التعالي والتكبر والغرور من العقد التي لا يحبها الله وهي مهلكة للذات وللآخرين والإنسان منذ أن تتكون شخصيته وهو يحاول أن يتغلب على الشعور الطبيعي بالضعف إلا انه قد يقع ومن خلال عمليات المقاومة النفسية ( حيل الدفاع النفسي ) التي يدعوها علماء النفس بحيل التعويض إلى حب الشعور بالقوة والسيطرة والغرور والتعالي المرضي .
5- عقدة الموت :-
وقد بينها القرآن الكريم بقوله تعالى :-
(( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)) سورة ق، الآية : 19
فكل مخلوق حي بفعل طبيعة تكوينه أو ما يطلق عليها بغرائز حفظ الذات والدفاع عن الحياة يحيد من الموت ويكرهه ويفر منه وهذا واضح في قوله تعالى (قلإن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) سورة الجمعة ، الآية : 8 .
فالإنسان إذا لم يجد حلاً منطقياً عقلانياً لفكرة الموت ، فإنها ستحول وتتعمق في أعماقه وشعوره إلى عقدة مرضية وتصبح من أهم وأصعب العقد النفسية المسيطرة على سلوكياته وتعد أيضاً من أهم مصادر الاضطرابات النفسية والعصابية والذهانية واضطرابات الشخصية وعلى رأسها الخوف المرضي والقلق العصابي .
ففي عقدة الخوف من الموت جوانب كثيرة غامضة ومجهولة وخفية وغير متوقعة وهناك عوامل كثيرة تؤثر في مدى خوفنا من الموت وكرهنا له ومن أهم هذه العوامل في مجتمعنا خاصة ضعف الأيمان وعدم قوة العقيدة وتناقص التسليم بأمور الدين .
فالألم – المرض – الموت ترتبط برباط قوى ولذا فمن الطبيعي أن نخاف الموت ولكن كل إنسان يخشى الموت بدرجة معينة ، فقد قال الله تعالى ( قد جعل الله لكل شيء قدرا) سورة الطلاق ، الآية :3 ، فكل ما يوجد بمقدار .
ووجهة النظر الإسلامية في الخوف من الموت ، أن الإسلام نزع الخوف والرهبة من الموت من صدور الناس وأنزل السكينة بدلاً منهما ، بل أن الإسلام أكثر من ذلك حبب الموت إلي الناس وصوره لهم لا بصورته المفزعة لكنه أفضى عليه تلك الصورة المحببة والمرغوب فيها ، فقال الله تعالى ( اللذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) .سورة الملك ، الآية : 2 .