إن قضية الاختلاط بين الرجل والمرأة من القضايا الشائكة التي كثر حولها الكلام والحديث، تحت دعوى رفع الظلم عن المرأة المسجونة في سجن الرجال، أو إن شئت قلت في سجن الدين.
وبين أطراف تدعي بأنه كان الإختلاط موجود في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ــ والصحابة رضوان الله عليهم
وبين أطراف أخرى يجعلون المرأة كالعصفور الحبيس داخل القفص، ويحاول أن يقنعه أن هذا القفص جميل ولا بد أن يموت بداخله مهما كانت الظروف.
قال الغرب: المرأة مثل الرجل سواء بسواء.
وقال الغرب: أعطينا للمرأة حقوقًا ومجالات لم تنلها في حقبة من أحقاب تاريخها المديد.
وقال الغرب: لقد أهان الإسلام المرأة بالقرار في البيت وحجبها عن العالم الخارجي.
نعم … خرجت للعمل ولكن أي عمل؟
نعم خرجت المرأة الغربية للعمل وتركت بيتها ونالت حقوقًا كثيرة .. ولكنها حقوق الجسد العاري والشهوة الهابطة..
نعم خرجت وعملت ولكن أين عملت؟
لقد عملت في مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية.
عملت فيما يسمى بالفن والدعاية وإعلانات التلفاز ومكاتب الاستقبال وبيوت الأزياء، حتى المجلات والصحف ليس بفكرها ولكن بجسدها على أغلفة المجلات .. وضعوها منظرًا جسديًا في كل هذه المجالات دون اعتبار لإنسانيتها وكرامتها عائبين عليها تربية الأجيال وإخراج الرجال.
نعم عملت ولكن أي عمل؟
عملت مضيفة في رحلات الطيران أيضًا بجسدها وجمالها.
عملت في مجالات السكرتارية توزع الابتسامات على الداخلين والداخلات.
فأي عمل وأي حقوق يزعمون؟
وتكفي نظرة واحدة لتجارة الرقيق النسائي شرق آسيا وغرب أوروبا حيث تحولت المرأة إلى دمية تتناولها الأيدي الشهوانية المتدنية بأرخص وأبشع صورة .. ورغم كل قرارات حقوق الإنسان ومؤتمرات الدفاع عن المرأة لا زالت المرأة في الغرب ضحية للإنسان الذي لا يعرف لنهمته وشهوته حدودًا، ولا يحسب للآخرة حسابًا، وإحصائيات الاعتداء على النساء وحالات الاغتصاب واستعمال العنف معهن في تلك البلاد شاهد على أن المرأة هي المظلوم والخاسر الأكبر في هذا العالم المادي بشقيه الشرقي والغربي.
والشبهات التي يُلبس بها على عوام المسلمين؛ لكي يستسيغوا مثل هذا الأمر:
1-قولهم: بأن الإسلام لم يمنع اختلاط الجنسين!! بل كانوا يختلطون في المساجد والأسواق ومجالس العلم وساحات الجهاد ومجالس التشاور في أمور المسلمين!!.
2-أو قولهم: بأن الإسلام يهدف إلى تطهير العلاقات بين الجنسين عبر التربية لا عن طريق سد الذرائع والحجز بين الجنسين أو حبس النساء في البيوت…الخ هذيانهم !
3-أو قولهم: بأن خروج المرأة للعمل ومخالطتها للأجانب هو مما تمليه ضرورات التطور!
نبدأ بـــ :
إطلاق القول بأن مجتمعات المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد صحابته رضوان الله عليهم مجتمعات مختلطة في المساجد والأسواق ومجالس العلم وساحات الجهاد ومجالس التشاور في أمور المسلمين…الخ، إطلاق غير سدير ولا سليم.
أما في المساجد والطرقات، فلم يكن فيها اختلاط بين الرجال والنساء بالصورة التي يريدها دعاة الاختلاط، لأن الرجال كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته يُصَلُّون في مقدمة المسجد والنساء في مؤخرته مع عنايتهن بالحجاب والتحفظ من كل ما يثير الفتنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إليهن في يوم العيد بعدما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته، فعن عبد الرحمن بن عابس أنه قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قيل له: "أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدتُه، حتى أتى العَلَم الذي عند دار كثير ابن الصامت فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة"(1 ).
قال الحافظ ابن حجر: "قوله: (ثم أتى النساء) يُشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم، وقوله (ومعه بلال) فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من شاهد ونحوه، لأن بلالاً كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم ومتولي قبض الصدقة، وأما ابن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره"( 2).
ولم يقتصر منع الاختلاط بين الرجال والنساء على الجمع الكثير فحسب، بل تناول ذلك المرأة الواحدة إذا صلت مع الرجال، فعن أنس رضي الله عنه أنه قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم، فقمتُ ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا"( 3 ).
وقد خصص صلى الله عليه وسلم في مسجده باباً للنساء يدخلن ويخرجن منه لا يخالطهن فيه الرجال، فقد ترجم أبو داود في سننه باباً بقوله (باب اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)، ثم روى حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تركنا هذا الباب للنساء"( 4)، قال نافع تلميذ عبد الله بن عمر: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات".
وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في الطريق من المسجد إلى البيت مع ما هم عليه جميعاً رجالاً ونساءً من الإيمان والتقوى. فعن هند بنت الحارث أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. قال الإمام الزهري رحمه الله: نَرَى –والله أعلم- أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال"(5 ). وفي رواية أخرى: "كان صلى الله عليه وسلم يُسَلِّم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم"(6 ).
يقول الحافظ ابن حجر: "وفي الحديث الاحتياط في اجتناب ما قد يُفضي إلى المحذور، وفيه اجتناب مواضع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت"( 7).
ويقول ابن قدامة: "إذا كان مع الإمام رجال ونساء، فالمستحب أن يثبت هو والرجال بقدر ما يَرَى أنهن قد انصرفن، ويقمن هن عقب تسليمه"، ثم يتابع قائلاً –عقب الاستشهاد بالحديث المذكور آنفاً-: "لأن الإخلال بذلك من أحد الفريقين يُفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء"(8 ).
وكان يُؤْذَن للنساء في الخروج إلى المساجد في الليل لكونه أستر وأخفى وأبعد عن الفتنة. يقول صلى الله عليه وسلم: "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد"( 9)، ويُروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس"( 10).
كما كان يُطلب منهن اجتناب الطيب والزينة لكونهما من دواعي الفتنة، يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تَمسَّ طيباً"( 11)، ويقول: "أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة"( 12). ولقد تنبهت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى خطر تساهل المرأة في خروجها من بيتها فقالت: "لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما مُنعت نساء بني إسرائيل"(13 ).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى النساء أن يتوسطن الطريق ويأمرهن بلزوم حافاته حذراً من الاختلاط بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضاً أثناء السير في الطريق، فعن أبي أُسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق: "استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن(14 ) الطريق، عليكن بحافات الطريق"، فكانت المرأة تلصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به( 15).
يتبع بإذن الله تعالى