شهادات الضباط الأحرار حول التأسيس والنشأة الإخوانية
اعتراف جمال عبد الناصر في بداية الثورة
في سلسلة مقالاته بمجلة المصور تحت عنوان "قصة ثورة الجيش من المهد إلى المجد" كتب حلمي سلام ذكريات عبد الناصر عن نشأة ومولد تنظيم الضباط الأحرار، قال عبد الناصر: "كان يجمعنا وينظمنا المرحوم الصاغ (م . ل)".
وفي نفس السلسلة ذكر عبد الناصر أنه "في صيف 1944م التقى بمحمود لبيب في جزيرة الشاي بحديقة الحيوان بالقاهرة، وأنه تأثر بحديثه تأثرًا عميقًا حين حدثه عن ضرورة العقيدة وعن الهيئة (الإخوان المسلمون)، ولما سأله عبد الناصر عن الأسلوب العلمي للتخطيط أجابه بأن نبدأ في تنظيم جماعة في الجيش تعتقد بما تؤمن به حتى إذا جاء الوقت المناسب نكون انتظمنا في صف واحد فيستحيل على أعدائنا أن يقهرونا".
شهادة حسين حمودة أحد أفراد المجموعة الأولى من تنظيم الضباط الأحرار
"قدمت نفسي يوم 28/6/1943م للكتيبة الثالثة المشاة بألماظة، وكنت وقتئذ ضابطًا برتبة الملازم أول.
وتصادف أن نقل إلى هذه الكتيبة اليوزباشي عبد المنعم عبدالرؤوف، وحدث أثناء تناول الطعام مع الضباط في الميس أنه كان يجلس بجواري اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف فأخذت أتجاذب معه أطراف الحديث، ومالبث أن همس في أذني أنه يريد التحدث معي على انفراد في موضوع بعد الغداء.
وانفردت معه بالميس بعد انصراف الضباط، فقال عبد المنعم عبد الرؤوف لي إنه لاحظ اهتمامي الزائد بعملي وحرصي على تفوق سريتي في التدريب وتمسكي بمبادئ الأخلاق الكريمة، وأنه يود أن أزوره في منزله ليتحدث معي حديثًا أكثر حريةً، وأعطاني موعدًا مساء الجمعة.
ذهبت لمنزل عبد المنعم عبد الرؤوف بالسيدة زينب، وتحدث معي حديثًا خلاصته أن مصر حالتها لا تسر أحدًا.. وأن إنقاذ شعب مصر من الاحتلال البريطاني والحكم الملكي الفاسد لن يتأتى إلا بثورة مسلحة يتولاها ويدبر أمرها المخلصون من الشباب في الجيش والشعب فوافقته على ذلك الرأي.
وتلاقيت مع عبد المنعم كثيرًا حتى اطمأن لي واطمأننت له ووثق بي ووثقت به، فعرفني بشخصية من الشخصيات التي لها جهاد في سبيل مصر والعروبة والإسلام تلك الشخصية العظيمة هي شخصية الصاغ محمود لبيب".
شهادة كمال الدين حسين
ينقل سامي جوهر عن كمال الدين حسين: إن أهداف تنظيم الضباط الأحرار كانت العمل على تطبيق الإسلام، ولا نعلم له هدفًا غير ذلك، ويقول في خطابه الذي دونه لعبد الحكيم عامر: إن حركة الضباط الأحرار منذ دخولها سنة 1944م لا يعرف لها هدف سوى الحكم بكتاب الله، وأنهم جميعًا: عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وعبد المنعم عبد الرؤوف قد بايعوا محمود لبيب والمرشد والسندي، وأن الحركة قد انتكست عندما أضاف إليها عبد الناصر ضباطًا من غرز الحشيش والخمارات سنة 1948م. (سامى جوهر- الصامتون يتكلمون - ص 82)
شهادة خالد محيي الدين في مذكراته "الآن أتكلم"
"بعد أن بدأنا منذ 1944م التفكير بشكل عملي لتحرير مصر من الفساد والتبعية للاحتلال تعرفتُ عن طريق زميلي عبد المنعم عبد الرؤوف بالصاغ محمود لبيب الذي كان يتناقش معنا بلهجة ذات نكهة إسلامية، ومن يومها بدأت علاقة من نوع غريب مع الإخوان، وتكونت بعدها مجموعة عسكرية تضم العديد من الضباط، ولم نعد نلتقي في أماكن عامة، ولكن في اجتماعات منتظمة في البيوت، وأذكر أننا التقينا في إحدى المرات بمنزل الضابط أحمد مظهر وهو نفس الفنان المعروف أحمد مظهر.
وكان الإخوان يحسون أنهم أمام كنز من الضباط المستعدين لعمل أي شيء لخدمة الوطن، وعندما بدأنا نسأل محمود لبيب عن برنامج الجماعة كان يجيب "الشريعة"، فأقول له: نحن جميعًا مسلمون ونؤمن بالشريعة، ولكن ماذا سنفعل بالتحديد؟ هل سنخوض كفاحًا مسلحًا أم نقبل بالتفاوض؟. وكان محمود لبيب يراوغ حتى انتهى الأمر بإحضار حسن البنا المرشد العام للإخوان، وبعد أن طرحت عليه أنا وعبد الناصر آراءنا قال لنا بهدوء وذكاء إن الجماعة تعاملنا معاملة خاصة، ولا تطلب منا نفس الولاء الذي تطلبه من العضو العادي، وتتالت مقابلاتنا وظل عبد الناصر مستريبًا في أن الجماعة تريد استخدامنا لتحقيق أهدافها الخاصة.
مع اتصالي بعثمان فوزي واستعارتي لكتبه بدأت أنحو منحى يساريًا، وهكذا أصبحتُ عضوًا شاذًا في جماعة يُفترض أنها تابعة للإخوان المسلمين.
وحاول حسن البنا أن يشدنا للجماعة برباط وثيق، وقرر ضمي أنا وعبد الناصر للجهاز السري، وبالفعل قابلنا عبد الرحمن السندي قائد الجهاز السري في أحد المنازل القديمة بحي الدرب الأحمر، ودخلنا غرفة مظلمة تمامًا ووضعنا يدنا على مصحف ومسدس، ورددنا خلف صوت أحدهم يمين الطاعة للمرشد العام في المنشط والمكره (الخير والشر)، وأعلنا بيعتنا التامة الكاملة والشاملة له على كتاب الله وسنة رسوله، وبدأنا عملنا وأخذونا للتدريب في منطقة قرب حلوان".
(وبعيدًا عن أسلوب الحديث والروح المسيطرة عليه، فإن خالد محيي الدين يعترف صراحةً بأنه انضم إلى تنظيم الأخوان الضباط عن طريق عبد المنعم عبد الرؤوف، والذي عرفه بدوره بمحمود لبيب وكيل الإخوان، وانتظامه في اجتماعاتهم التنظيمية التي كان يحضرها باستمرار محمود لبيب، وكان يزورهم ويلتقي بهم المرشد العام حسن البنا، كما يعترف صراحةً بأنه وعبد الناصر بايعا عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص للإخوان).
شهادة الضابط وحيد رمضان- قائد تنظيم الشباب في العهد الناصري- في صحيفة آفاق عربية- العدد 621 - 21 من أغسطس 2003م:
يقول: "لقد تعرفت في سنة 1945م في منزل عبد المنعم عبد الرؤوف على جمال عبد الناصر، وكانت أول مرة ألقاه فيها، كما تعرفت على كمال الدين حسين في إحدى الأسر التي كان يحضرها الصاغ محمود لبيب، وكان يشاركنا أيضًا خالد محيي الدين، وكان لنا موعد دوري نلتقي فيه حتى بدأت حرب فلسطين".
شهادات إبراهيم الطحاوي وحسن إبراهيم وعبد الحكيم عامر وتوفيق عبده إسماعيل وثروت عكاشة
أوردها أحمد حمروش في كتاب (قصة ثورة يوليو) الجزء الرابع – ص 14، 109، 218، وفي كتابه شهود ثورة يوليو ص 14،92،98،145.
ومن مجموع هذه الشهادات تتأكد الحقيقة التي توصل إليها الباحث الفرنسي، وأكدها من قبل الإخوان المسلمون أن:
تنظيم الضباط الأحرار هو في الحقيقة تنظيم الإخوان الضباط بالجيش، وأن مؤسسه والمسئول الأول عنه هو الصاغ محمود لبيب، وهو صاحب هذه التسمية "الضباط الأحرار".
وأن أول أعضائه المؤسسين الضابط الطيار عبد المنعم عبد الرؤوف، والذي تمكن من ضم باقي أفراد الخلية الأولى في التنظيم.
وأن هذا التنظيم ظل مستمرًا في انتظام وتوسع حتى قيام حرب فلسطين في 15/5/1948م؛ حيث سافر عدد من ضباط الصف الأول فيه إلى ميدان القتال في فلسطين كجمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرؤوف وكمال الدين حسين وغابوا عن مصر لفترة.
ثم مرت بالجماعة والتنظيم محنة الحل والاعتقالات التي طالت أغلب رجالها وقادتها وأوقفت حركة أقسامها المختلفة، ومنها بالطبع الحركة داخل الجيش.
وبعد عودة الضباط من ميدان الجهاد في فلسطين وخروج الإخوان من المعتقلات بدأت مرحلة جديدة من العمل والعلاقات بين الإخوان وضباط الجيش، تغيرت فيها الظروف والعلاقات والشخصيات تغيرًا كبيرًا.