السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الموضوع لكم يا سادة وهو أحد المواضيع العديدة التي طرأت في العصر الحديث والتي تثبت كل يوم صدق هذا الدين وتؤكد للعالم كله أن محمدا صلى الله عليه وسلم أعظم إنسان وجد على سطح هذا الكوكب وأن ما جاء به هو الحق ولا شيء غيره
والموضوع منقول للأمانة
من اليقين أن الإسلام يبني الشخصية الإنسانية على سلامة الفطرة وأصالة
الفكر، فمن فسدت فطرته وغامت فكرته هبطت عبادته.. فما تساوي عند الله
شيئاً.. وقوله تعالى {وما يذكر إلا أولوا الألباب}.. هو من البراهين أن
هذه من الأسس التي يقوم عليها الإصلاح الحقيقي للنفس البشرية..
وعندما حرم التشريع الإسلامي الاختلاط بين النساء والرجال وجعله منهج
حياة.. كان يرسم الطريق السوي لإنتاجية مجتمع بنسائه ورجاله وفق مسارات
تشريعية واجتماعية محددة، تحقق سلامة الفطرة وتؤكد أصالة الفكر وعقيدة
الفرد المسلم.
وما تناقلته وكالات الأنباء منذ يومين من خبر مهم (نشرته الصحف لدينا
بعضها منحه موقعاً في الصفحة الأولى كـ "الرياض" وبعض منها جعله في الصفحة
الأخيرة، وبعضها جعله في داخل الصحيفة!!).. الخبر يوضح اعتزام إدارة
الرئيس الأمريكي بوش تشجيع المؤسسات التعليمية في أمريكا على العودة إلى
مبدأ "عدم الاختلاط" بين الجنسين في المدارس وذلك في إطار برنامج لإصلاح
نظام التربية هناك..
وأثار هذا التطور ردود فعل متباينة، بعضها مؤيد، وبعضها يرى أن إقراره
سيعيد النظر في إجراءات قانونية تعود إلى 30عاماً لتاريخ التعليم هناك..
والذي يؤيد يرى أن هذا القرار سيؤثر إيجاباً في مستوى التعليم.. وكما جاء
في الصحيفة الرسمية الأمريكية أن الوزير المختص ينوي اقتراح تعديلات
(للتنظيمات المطبقة) تهدف إلى توفير هامش مبادرة أوسع للمديرين من أجل
إقامة صفوف ومدارس غير مختلطة.. ومن أهم أهداف هذا القرار كما يرونه هو
"توفير وسائل جديدة أفضل لمساعدة التلاميذ على الانكباب على الدراسة،
وتحقيق نتائج أفضل.. وليس العودة إلى مفاهيم مهجورة ـ كما يقولون ـ عن
الفصل بين الإناث والذكور..".
بالطبع هذا القرار ينظرون إليه على أنه لإصلاح أنظمة التعليم. وسيشارك في
إبداء وجهة النظر حوله المواطنون.. والتلاميذ منهم بالطبع.. وكي يدعمه
الرئيس بوش فقد سعى إلى توفير خيار أوسع للأسر ومنح المدارس العامة مرونة
أكبر.. وأن من سيطبقه من مدارس المرحلتين الابتدائية والثانوية ستمنح
تمويلاً يفوق المدارس التي ستختار إبقاء النظام المختلط..
ومن الذين احتجوا على هذا القرار البروفيسور "بيتر كوزنيك" ـ الاختصاصي في
تاريخ الحياة الجنسية في الولايات المتحدة الأمريكية ـ الذي يرى أن: هذا
المشروع القاضي بالفصل بين الذكور والإناث لن يخمد الرغبة الجنسية!
وكأني به ينظر إلى القرار من هذه الزاوية التي بحكم تخصصه يعلي منها.
بينما يرى خبراء آخرون أن ما تدعو إليه إدارة بوش سينعكس إيجاباً على
التلاميذ، ومنهم البروفيسور "اميليو فيانو" وهو رجل قانون متخصص في النظام
التربوي في أمريكا، وأكد أن عدداً من الدراسات التي أجريت بإسهام من
الطلاب والطالبات أثبتت أنه في بعض مراحل النمو "ينجز الفتيان والفتيات
دراستهم بطريقة أفضل حين لا يكونون مختلطين". وأكدت هذه النظرة الجمعية
الوطنية لتشجيع التعليم العام غير المختلط عن طريق استعراض نتائج دراسة
أجرتها جامعة "ميتشجان" في بعض المدارس الكاثوليكية الخاصة المختلطة وغير
المختلطة، مشيرة إلى أن الفتيان في المدارس غير المختلطة كانوا أفضل مستوى
في القراءة والكتابة والرياضيات، كما أن الفتيات في المدارس غير المختلطة
حققن نتائج أفضل من تلميذات المدارس المختلطة في العلوم والقراءة..
وقد حث الرئيس بوش ـ في خطابه الأسبوعي الإذاعي الكونغرس ـ على الانتهاء
من قانون إصلاح التعليم قبل بدء الإجازة الصيفية.. ويرى مؤيدو الإصلاح في
التعليم هناك أن هذا القرار يعتبر من أبرز إصلاحات التعليم في أمريكا منذ
خمسة وثلاثين عاماً..
وإذا استرجعنا ما سبق أن قام به بوش من بادرة غير مسبوقة في تاريخ الحكومة
الفيدرالية المتعلقة بتمويل الجمعيات الخيرية والكنائس بمبالغ مقدارها
674مليون دولار.. وهذه الجمعيات والكنائس تشرف على مدارس للناشئة هناك..
سنجد أن هناك عودة لجذور الإصلاح الاجتماعي.
وهذا يؤكد أن الإصلاح للمشكلات التربوية والاجتماعية لابد وأن يبدأ من إصلاح النفس وعودتها للفطرة.
وها هي الولايات المتحدة الأمريكية تعيد صياغة استراتيجياتها في التعليم
بما يخالف النسق الثقافي السائد هناك.. والتعليم العام على وجه الخصوص؛
لأن التعليم الأهلي يتضمن مدارس وكليات غير مختلطة.. كما هو معروف.. وهي
في هذا القرار الذي يتضح أن ظاهره الارتقاء بمستوى التعليم للجنسين وإغلاق
قنوات الضعف والتسرب.. ولكن وظيفته الكامنة هي إيجاد حلول جذرية لحالات
العنف والأبناء غير الشرعيين، وحمل المراهقات، وانتشار الإيدز، وغيرها من
ثقوب تهدد النسيج الاجتماعي وتلغي دور الأسرة وتضعف من البناء القيمي
الأخلاقي في المجتمع..
وبما أننا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية مولعون بتقليد الثقافة القادمة
من الدول المتقدمة صناعياً وتكنولوجيا ـ كما يقول ابن خلدون في معادلته
المشهورة بـ "التبعية والتقليد لحضارة الغالب.. من قبلنا نحن المغلوبين" ـ
فهل سيسارع دعاة التقدم في مجتمعاتنا العربية إلى (تقليد إدارة بوش) في
إلغاء الاختلاط في المدارس الحكومية في مراحلها المختلفة؟ كم أتمنى أن
يمتد هذا القرار إلى مستوى التعليم العالي، خصوصاً في بعض مجتمعاتنا
الخليجية.
أم ترى سننتظر إلى أن تصدر الإدارة الأمريكية قراراً بهذا الشأن .. عندها يكون تقليدنا (حرفياً)؟
د. نورة السعد
(عن جريدة "الرياض" في 7/3/1423هـ)