مسن فلسطيني ينتظر الحصول على معونة غذائية
بقلم: د. وائل محيي الدين الزرد
"يَا عُلَمَاءَ الأُمَّةِ.. أَدْرِكُوْا الإِسْلامَ فِيْ قِطَاعِ غَزَّة" بهذه الكلمات صدح قلبي، وأنا أرى الهجمة تزداد في بلادنا فلسطين شراسةً، فقد اجتمع على حربنا واستئصال شأفتنا الأبيض والأسود والعربي والعجمي، وجمعوا لنا كل سلاح، وسلكوا ضدنا كل سبيل، وألَّبوا علينا القريب والبعيد، يريدون من وراء ذلك محوَ النموذج الإسلامي من فلسطين؛ خشيةَ أن ينجح فتصدر فكرته لخارج فلسطين؛ لتصبح التجربةُ الإسلاميةُ في بلادنا الإمامَ لكل من أراد بأمته خيرًا وببلاده تحررًا.
ولما زادَ الخطبُ وعَظُمَ المصابُ، وضاقت الأرض علينا فِيْ قِطَاعِ غَزَّة بما رحبت، وطال وقت الحصار، وَكَثُرَتْ المعاناةُ، ونفدتْ الموادُ التشغيليةُ وَقَلَّتْ البضائع التموينية، ذكَّرنا من جعلهم الله تعالى علينا أولياءَ، وَوُصِفُوا عند الناس بالعلماء، فقلنا بأعلى صوتنا: "يَا عُلَمَاءَ الأُمَّةِ.. أَدْرِكُوْا الإِسْلامَ فِيْ قِطَاعِ غَزَّة".
فيا علماء الأمة.. تعلمون جيدًا أننا لا نحاصَر من أجل لوننا، ولا من أجل جنسنا.. بل إننا- يعلم الله تعالى- لا نُحاصَر إلا من أجل ديننا وعقيدتنا.
- نحاصَر من أجل أننا نطالب بتحرير بيت المقدس من أيدي اليهود الغاصبين.
- نحاصَر من أجل رفضنا التنازلَ عن المسجد الأقصى المبارك.
- نحاصَر من أجل أننا لا نرضى بالتطبيع مع العدو الصهيوني.
- نحاصَر من أجل أننا حملنا المشروع الإسلامي على رؤوسنا وفديناه بأرواحنا.
- نحاصَر من أجل بقاء عَلَمِ الجهاد مشرعًا إلى يوم القيامة لا يُنكَّسُ أبدًا.
- نحاصَر من أجل الدفاع عن حرمات المسلمين ومقدَّرات الأمة.
من أجل هذا كله نحاصَر؛ فالمستشفيات في خطر، ومعظم المصانع قد أُقفلت أبوابُها، والبطالة تزداد يوميًّا، والمشاكل الاجتماعية طَلَّتْ برأسها بقوة، والبضائع التموينية آخذةٌ بالنفاد، ومصابو وجرحى الانتفاضة يئنُّون ولا يعالَجون، ولا يؤذن لهم بالسفر للعلاج، وطلاب الجامعات في الخارج محرومون من إكمال دراستهم، والكثير من الأُسَر قد فُرِّقَتْ بسبب إغلاق المعابر، والتجار يتساقطون واحدًا تلو الآخر حتى الحجاج فِيْ قِطَاعِ غَزَّة لم يسلموا؛ فقد منع اليهود وبالتنسيق المباشر العلني مع "سلطة عباس" مَنَعُوا حجاج قطاع غزة من السفر لأداء مناسك الحج والعمرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فيا علماء الأمة.. يا أهل العلم.. يا طلبة العلم.. أيها الدعاة.. أيها العلماء..
إن أهل الرباط في قطاع غزة باتوا اليوم يفكِّرون في قوت عيالهم، وطعام صغارهم، فأبواب الدنيا أغلقت في وجوههم، ومنافذ الخير ما عادت كما كانت، وصرنا نفتقد سلعةً وراء سلعة، وشيئًا بعد شيء، والهم يزداد، والمصيبة تكبر، والعبء علينا يتسع، ولو أن الهموم همٌّ واحدٌ لاتقيناه، ولكنه همٌّ وثانٍ وثالثُ، والصغار قبل الكبار، والجهَلة قبل المتعلمين يتساءلون: أين علماء الأمة؟! أين أهل العلم؟!
أين الذين نراهم عبر الفضائيات؟ أين الذين نقرأ لهم في الجرائد والمجلات؟ أين الذين يكتبون في الصحف صباح مساء؟ أين أصحاب الرأي والمشورة؟ أين أصحاب القلب الرقيق والعين الدامعة؟ أين أصحاب الشهادات الشرعية العليا؟ أين أصحاب العباءات المطرَّزة والعمائم الجميلة واللحى المهذبة؟!
أين كل هؤلاء؟ وأين كل أولئك؟
ألا يسمعون أنَّاتِ النساء الثكالى المقهورات، وصرخات المسلمين المعذبين، وصيحات المؤمنين المنكوبين؟ ألا يسمعون نداءات الأسرى واستغاثات المعتقلين المظلومين؟ ألا يرون عبر فضائيات العالم كيف يُذْبَحُ الشعبُ المقهور وَيُجَوَّع؟ ألا يرون عبر شاشات التلفاز وصفحات الجرائد والمجلات كيف يُخَوَّفُ الشعبُ الأعزل وَيُرَوَّع؟!
يا علماء الأمة.. يا أهل العلم.. يا طلبة العلم.. أيها الدعاة.. أيها العلماء..
قفوا لله وقفةَ صدقٍ، وقوموا لله قومةَ رجلٍ واحدٍ، فَخَطُّ الدفاعِ الأول عن شرف وكرامة الأمة، يُرَادُ له اليوم أن يستسلم، وأن يرفع الراية البيضاء، يُرَادُ اليوم لأبناء أرض الإسراء والمعراج أن يرضخوا للإملاءات الصهيونية الأمريكية، يُرَادُ اليوم لأبناء بيت المقدس أن يتنازلوا عن المسجد الأقصى المبارك، وعن حائط البراق، وعن المسجد المرواني، وعن حارة المغاربة، يُرَادُ اليوم للشعب الذي صمد وصبر طوال 50 عامًا، وقدَّم الشهداء والجرحى والمصابين والبيوت والمصانع وكلَّ ما يملك.. يُرَادُ له اليوم أن يبيعَ كرامتَهُ، وأن يتنازلَ عن شرفه وعزة أمته!!
يا علماء الأمة.. يا أهل العلم.. يا طلبة العلم.. أيها الدعاة.. أيها العلماء..
اليوم يُسَاوَمُ أبناءُ قطاعِ غزةَ على دينهم وعقيدتهم ومبادئهم، عبرَ خطةٍ محكمةٍ في تمريرِ الموتِ لنا بالبطيء؛ من أجل أن ننسى أن لنا أرضًا محتلةً مغتصبةً، فيمنعون عنا مقومات الحياة، ويعطِّلون حركة الدنيا، من خلال منعهم المواد التشغيلية أن تدخل إلى القطاع، ويغلقون علينا المعابر لنعيش في سجن كبير اسمه قطاع غزة, ويشترك في هذه المأساة والمصيبة بعض أبناء شعبنا، من الذين باعوا دينهم بثمنٍ بخسٍ دراهمَ معدودة، وكانوا في دينهم من الزاهدين، وما عاد الأمر خافيًا؛ فهم يُصَرِّحُونَ بذلك دونَ حَيَاءٍ!!
الإسْلامُ العَظِيمُ في قطاع غزة- متمثلاً في أبنائه وحملة منهجه ومتَّبِعي طريقه- هو المستهدف، وهو المراد، وهو المبتغى من وراء كل ما يمكرون ويدبّرون، فما تراكم تصنعون وتفعلون؟!
يا علماء الأمة.. يا أهل العلم.. يا طلبة العلم.. أيها الدعاة.. أيها العلماء..
الخير فيكم باقٍ، والأمل في نواصيكم معقود، فانفروا خفافاً وثقالاً من أجل دينكم وإخوانكم المظلومين.
----------
* إمام المسجد العمري الكبير- غزة.