amir عضو بدرجة مهندس إستشارى
عدد المساهمات : 1687 تاريخ التسجيل : 12/11/2007 العمر : 37 الموقع : computrs laps رقم العضوية : 236 Upload Photos :
| موضوع: أزمة القاعات الخالية.. إلي متي؟ الجمعة 28 ديسمبر - 14:03 | |
| في يوليو1999 عقد بشرم الشيخ المؤتمر العلمي السنوي للاتصالات والحاسبات الذي يشرف عليه المعهد الأمريكي لمهندسي الإلكترونيات والكهرباءIEEE وأذكر أن من بين ما كتبته عن المؤتمر في ذلك الوقت أن أحد كبار علماء العالم في المعلوماتية والحاسبات وقف في قاعة المؤتمر بغرض إلقاء محاضرة تعليمية رفيعة المستوي لطلاب الدراسات العليا ومهندسي شركات الحاسبات والبرمجة وظل منتظرا لكن القاعة بقيت خالية لا يدخلها أحد, فاضطرت إدارة المؤتمر لإلغاء المحاضرة والاعتذار بعمق للضيف الكبير الذي جاء إلي مصر بعد جهود مضنية بذلها معه لفيف من علماء مصر المغتربين المنظمين للمؤتمر حتي أقنعوه بترك أعماله والمجيء علي حسابه الشخصي إلي مصر, والأدهي من ذلك أن الحضور المصري في بقية جلسات المؤتمر كانت نسبته20% فقط في مقابل80% للعلماء والباحثين ومهندسي الاتصالات والمعلومات الأجانب, مما جعل المؤتمر يتحول في كثير من الأحيان إلي حديث جاد وعميق بين الخواجات, ولا شأن للمصريين سوي الاستضافة وتقدم الطعام والمرطبات.
وفي13 سبتمبر2000 عقد بالقاهرة المؤتمر السنوي للمنظمة العالمية لقواعد البيانات ضخمة الحجمv.l.d.b وذلك للمرة الأولي منذ25 عاما, وشارك فيه حوالي400 من صفوه الخبراء والمتخصصين في40 مجالا من المجالات الخاصة بعمل قواعد البيانات ضخمة الحجم, وخلال المؤتمر تكرر السيناريو نفسه ولم يهتم المصريون بما يجري في المؤتمر وظهرت القاعات شبه خالية إلا من الخواجات, وتحول الأمر أيضا إلي حوار ونقاش بين الأجانب يقتصر دور المصريين فيه علي أعمال التنظيم وأمور الضيافة وتسيير الرحلات السياحية إلي خوفو وأبو الهول وخان الخليلي.
وفي أواخر فبراير الماضي زار الدكتور جونج كيم رئيس معامل بل للأبحاث ـ أكبر وأعرق جهة بحثية عالمية متخصصة في بحوث الاتصالات والتي يعود تاريخها إلي العالم الكبير جراهام بل مخترع التليفون ـ القاهرة, وكان من المخطط أن يقضي الرجل يومين بالقاهرة يقوم خلالهما ببعض الأنشطة من بينها إلقاء محاضرة في اجتماع موسع مع ممثلي المجتمع الاكاديمي ومجتمع الأعمال والقطاع الحكومي حول'المنافسة والنمو الاقتصادي والابتكار والتجديد' علي مستوي العالم, مع التركيز علي مدي إمكانية بذر بذور الابتكار والتجديد في مصر من عدمه, والدور الذي تلعبه الحكومة في تعزيز تلك التغييرات
لكن اللقاء الموسع الذي خصص لكي يلقي فيه الرجل محاضرته لم يهتم به سوي حوالي30 شخصا كانت نسبة كبيرة منهم من موظفي الشركات, وحينما عرض الرجل للحاضرين أفكارا ومعلومات عن بعض التطورات والبحوث العلمية فائقة التقدم في مجال الاتصالات لم تجد آذانا صاغية لديهم, وعلي الرغم من أن أغلب الحاضرين قالوا همسا وتصريحا أنهم لم يفهموا ما يقوله الرجل فإن إيا منهم لم يجشم نفسه عناء السؤال عن معني ومغزي ما سمعه ولم يفهمه, وقد تضمنت المحاضرة الإشارة إلي تطور علمي يتوقع أن يجد طريقة للأسواق قريبا في صورة تكنولوجيات تجارية سوف تترك آثارا مهمة علي صناعة الاتصالات,
وكان الدكتور كيم قد أعلن عنه في معرض تيليكوم وورلد الذي عقد بهونج كونج بالصين وحظي ساعتها باهتمام واسع, لكن من حضروا محاضرة القاهرة لم يستوقفهم هذا التطور العلمي الكبير ولم يكلف أي منهم نفسه ولو عناء السؤال عنه, الأمر الذي دعا الرجل لأن يعبر عن دهشته للمحيطين به بعد المحاضرة قائلا: لماذا لم يسأل أحد عن هذا الموضوع كما حدث في كل العالم؟ ولولا حفنة صغيرة من العلماء الحقيقيين لكان الرجل في حكم من يجري حوار طرشان.
وفي الفترة من4 إلي6 الشهر الماضي ـ نوفمبر2007 ـ عقد بالقاهرة المؤتمر الدولي للسياسات العامة لصناعة تكنولوجيا المعلومات والذي ينظمه الاتحاد العالمي لتكنولوجيا المعلومات ويعد من أهم المؤتمرات التي تعقد في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في العالم حاليا, وهذا العام شارك فيه حوالي250 شخصا من كبار المسئولين التنفيذيين والحكوميين وصانعي السياسات والقرارات المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات بجميع أنحاء العالم وشارك في تنظيم دورته بالقاهرة جمعية اتصال وهيئة تنمية صناعة المعلومات, ولم يخيب المصريون الظن, فقد بدت قاعات المؤتمر خالية فارغة ليس بها سوي الأجانب,
وكان الأمر محرجا حتي أن رئيس جمعية اتصال اضطر في الجلسة الأخيرة للاعتذار علنا للمشاركين الأجانب عن ضعف المشاركة المصرية أو لنقل اختفاؤها, وعن القاعات التي ظلت خالية من المشاركين المحليين طوال أيام المؤتمر.
هذا ما تسعفني به الذاكرة من حوادث مماثلة كثيرة تشهدها معظم ـ إن لم يكن كل ـ المؤتمرات العلمية الجادة والرصينة التي تعقد بمصر, ومن المحير حقا ان تستشري ظاهرة القاعات الخالية علي هذا النحو مع المؤتمرات العلمية الرفيعة في حين ان بعض شركات البرمجة والحاسبات العاملة بالسوق المصرية التي يقترب نشاطها من التجارة والبيع تستطيع دائما حشد أعداد ضخمة من المشاركين في ندوات ولقاءات تستهدف في مجملها تلميع أصحاب هذه الشركات وتنمية أعمالهم التجارية أكثر منها حدث يمثل أهمية خاصة علي المستوي العلمي والتنموي الوطني, ولعلنا جميعا نذكر كيف كان المئات يتقاطرون بلهفة علي لقاءات رؤساء مايكروسوفت وسيسكو وانتل وغيرهم حينما يحلون ضيوفا علي القاهرة متحدثين فيما ليس له علاقة بالبحث والفكر الرفيع.
والمدهش وغير المفهوم أن يحدث ذلك علي الرغم من أن العاملين في مجتمع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بمصر يحتاجون بشدة لكل معلومة جديدة, وفي أمس الحاجة للتفاعل مع العالم وفتح حوار مع الزائرين خاصة إذا كانوا من كبار العلماء والخبراء في مراكز البحث داخل الشركات والمؤسسات العالمية المختلفة, ولان شركات تكنولوجيا المعلومات والجهات الحكومية والمؤسسات التعليمية المعنية بهذه الصناعة لم تحقق بعد مستوي من المعرفة والتقدم يجعل العاملين بها يتعاملون بإهمال وتراخ مع مؤتمرات وأحداث علمية مهمة علي هذا النحو.
ليس لدي وصف لهذا الهزل سوي أنه عار علمي علي مجتمع الاتصالات والمعلومات في مصر, وأنه دليل حي علي أننا أوغلنا في امتهان العلم وأصحابه وأننا نهبط علميا دون وجود حد أدني للهبوط, ففي مرحلة سابقة تخلينا عن مسئوليتنا في إنتاج العلم, ثم هبطنا أكثر وتخلينا عن الأخذ به, ثم ازداد تدهورنا وفقدنا احترامنا له, واليوم نهبط درجة جديدة ونسجل علنا بلا خجل أو وجل امتهاننا له حتي أصبح بين كبار مسئولينا من يصف حديث العلم بأنه مضيعة للوقت.
وفي تصوري أن ما حدث في هذه المؤتمرات جميعا لا يمكن قراءته خارج السياق العام السائد في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر والفكر الذي يديره, فنحن حينما نراجع الخطة القومية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الصادرة مع مطلع عام2000 وتعديلاتها اللاحقة حتي الآن والمنهجية التي تنفذ بها, سنكتشف أنها لم تحدد دورا واضحا لمؤسسات البحث العلمي المحلية العاملة في هذا المجال, وأن غالبية مشروعات وبرامج الخطة جري تصميمها وتنفيذها بطريقة جعلتها إما لا تحتاج كثيرا إلي جهود هذه المؤسسات أو تتجاهلها أو تخاصمها, والغالبية الساحقة من الأنشطة والمشروعات الجارية علي الساحة تدور داخل مفهوم التجارة بالتكنولوجيا والتبشير بها داخل المجتمع و التخديم علي ناتج العقل العلمي الأجنبي أكثر من تنمية وإذكاء العقل العلمي المحلي وتفعيل دوره ليتصاعد مع الوقت قدر الإمكان, ويسهم بفعالية في مختلف جوانب التنمية المعلوماتية.
بعبارة أخري يلقي هذا الفكر بالثقل الأساسي من التركيز والاهتمام علي ما يمكن أن نطلق عليه لوبي الاستيراد وتسليم المفتاح بما يضمه من أصحاب التوكيلات التجارية وكبار المستوردين والقائمين بأعمال الفراشة التكنولوجية محليا الذين لا يهتمون بأي تنمية حقيقية وطنية مستقلة, ولا يعرفون لغة الصناعة ولا يحترمون العلم والبحث والابتكار والأصالة والقيمة الحقيقية النابعة من الاعتماد علي الذات وإعلاء العقل الوطني وتنمية همته, حتي ولو بنقطة بحث تلتقط من بين كلمات باحث كبير يحل علينا ضيفا ليوم أو بعض يوم.
ومن المؤكد أنه في ظل مناخ يحتفي بالتجارة والسمسرة بأكثر مما يحتفي بالإبداع والتصنيع تكثر مثل هذه الممارسات التي تسمنا بالتخلف والعار في عصر العلم والمعرفة, كما يصبح من المعتاد أن تصدر عن غالبية العاملين بالشركات والقطاع الاكاديمي وأعلي مستويات القطاع الحكومي تصرفات تستهين بالعلم والعلماء ولا تطيق الصبر علي الجهد المطلوب لتحصيل المعرفة وبناء العقول المبدعة. | |
|