الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
كثيراً ما تمر بنا قصص وأخبار لشخصيات تاريخية مشهورة أثناء المطالعة في كتب
التواريخ و التراجم ، أو أثناء الاستماع إلى المحاضرات والدروس ، أو في غيرها
من المواضع .. ولعل معظم الناس إن لم يكن أغلبهم يستقي معلوماته ويبني ثقافته
ويكونها معتمداً على وسائل الإعلام المختلفة .. ويأتي في مقدمة هذه الوسائل
التلفاز وما يعرض على شاشاته من برامج وأفلام ومسلسلات وقصص وأخبار وغيرها من
الأمور .. وأنا هنا لست بصدد الحديث عن مضار بعض ما يعرضه التلفاز من أفكار
تهدم الدين و تخرم المروؤة و تشيع الفاحشة و تزين الرذيلة ، فهذا موضوع له من
يقوم به من المختصين من طلبة العلم الشرعي ممن آتاهم الله ملكة في النقد و مناقشة
القضايا الإعلامية.
و الذي أود الحديث عنه اليوم هو :
الدفاع عن شخصية تاريخية كان لها دور بارز في مواجهة الصليبيين بطريقته
الخاصة .. والذي دفعني للحديث عن هذا الرجل وهذه الشخصية ، هو ذلك الطرح
السينمائي الذي قدم منذ عقدين اثنين أو أكثر تحت عنوان الناصر صلاح الدين
.. وكان هذا العمل من إخراج يوسف شاهين ..
*
القصة كما صورها يوسف شاهين في فيلمه الناصر صلاح الدين ..
ظهر هذا البطل على أنه نصراني يقع في
حب فتاة صليبية ، وهذه الفتاة رئيسة لمجموعة من الجنود الهوسبيتاليين ممن
كانوا يرافقون الحملة الصليبية على بيت المقدس .. يكلف هذا البطل على توصيل
رسالة إلى أحد الأشخاص في مدينة عكا أثناء حصارها من قبل الصليبيين ، فيكتشف
أمره أثناء عودته فيجرح ويقع في البحر ثم يتم انتشاله من قبل الصليبين بعد
ذلك وكان هذا البطل يضع الصليب على صدره فعرفوا أنه صليبي عربي فحملوه إلى
إحدى الخيم وهناك تلتقي به فتاته التي وقع في حبها فتسهر على راحته كما
يقولون حتى يتماثل للشفاء .. إلى آخر القصة المزيفة ..
والقصة الحقيقية لهذا البطل
يرويها لنا القاضي بهاء الدين بن شداد في كتابه القيم ( النوادر السلطانية
والمحاسن اليوسفية ) أيام محنة عكا ، وأوردها أيضاً صاحب كتاب : تذكير النفس
بحديث القدس ( 1/378 – 379 ) فيقول : ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن
عواماً (( مسلماً )) كان يقال له عيسى ، وكان يدخل إلى البلد – يعني عكا
أثناء حصار الفرنج لها – بالكتب والنفقات على وسطه – أي يربطه على وسطه -
ليلاً على غرة من العدو ، وكان يعوم ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو ،
وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس ، فيها ألف دينار وكتب للعسكر ، وعام
في البحر فجرى عليه من أهلكه ، وأبطأ خبره عنا ، وكانت عادته أنه إذا دخل
البلد طار طير عرّفنا بوصوله ، فأبطأ الطير ، فاستشعر الناس هلاكه ، ولما كان
بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد ، وإذا البحر قد قذف إليهم
ميتاً غريقاً ، فافتقدوه – أي تفقدوه - فوجدوه عيسى العوام ، ووجدوا على وسطه
الذهب وشمع الكتب ، وكان الذهب نفقة للمجاهدين ، فما رُئي من أدّى الأمانة في
حال حياته وقد أدّاها بعد وفاته ، إلا هذا الرجل .