فهمي هويدي يكتب : طزفهمي هويديتناول الكاتب الصحفي فهمي هويدي بالتحليل اللغوي لأصل كلمة " طز " التي شاعت وانتشرت في الدول العربية ومن بينها مصر حيث انتشرت علي نطاق واسع تعبيرا عن عدم الاكتراث والرداءة وقلة القيمة.
وأضاف هويدي في مقاله الذي نشرته عدد من الدوريات العربية أن المفردات التركية ليست وحدها التي اخترقت خطابنا المتداول، لكن هناك قائمة طويلة من المفردات الفارسية، أيضاً، (غير الكلمات الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية) وهو اختراق كان متبادلاً ذلك أن المفردات العربية، التي دخلت على اللغتين التركية، والفارسية لا حصر لها.
وفيما يلي نص مقال فهمي هويدي:
كانت البداية في أحد مطاعم إسطنبول، حين أثار انتباهي أن وعاء الملح كتبت عليه بالأحرف اللاتينية كلمة "طز"، وهو ما استغربت له. ومن باب الفضول حاولت أن أتحرى العلاقة بين الملح والكلمة، التي أصبحت تجري على لساننا، مسكونة بمعاني عدم الاكتراث والرداءة وقلة القيمة.. لم أجد لها أثراً في قواميسنا اللغوية. وحين رجعت إلى كتاب "المحكم في أصول الكلمات العامية"، وجدت أنها في الفارسية تكتب دز (بكسر الدال)، وتطلق على ما هو قبيح أو رديء أو سيئ الخلق. وفي التركية تكتب "طكز"، وينطقها العامة "طُنز"، التي تعني السخرية، والهزل.. وفي لسان العرب أن "الطنز" هو السخرية، وقد عربت الكلمة وحرفت إلى "طُز"، وقالوا لي في تركيا إنهم أطلقوا على الملح كلمة "طز" للتدليل على تواضع شأنه وقلة قيمته.
سألت أحد أساتذة التاريخ، إذا سلمنا بكل ذلك، فما الذي أوصل الكلمة إلى مصر وأشاعها على ألسنة الناس بنفس المعنى تقريباً؟ ردد صاحبنا قائلاً : إنه في عهد الدولة العثمانية كان جباة الضرائب يحصلونها من التجار عن كل سلعة يبيعونها، ويستثنون الملح لقلة شأنه واستصغاراً لقيمته، وإذ أدرك التجار ذلك، فإنهم لجئوا إلى حيلة بسيطة للتهرب من الضرائب، إذ أصبحوا يخفون بضاعتهم في قاع أجولة أو أوعية كبيرة ويضعون فوقها طبقة من الملح، لا تظهر شيئاً من السلعة المخفية. وحين كان يمر عليهم جباة الضرائب، ويسألونهم عما لديهم، فإنهم كانوا يشيرون إلى تلك الأجولة والأوعية قائلين : "فيها طز"، مستخدمين مفردات لغتهم التركية. ومنذ ذلك الحين ارتبطت الكلمة بالملح عند الأتراك، وسرت على ألسنة المصريين بالمعنى المتداول في الوقت الراهن. وانضمت بذلك إلى قائمة المفردات التركية، التي شاعت في لغتنا الدارجة، ومنها: كوبري ـ شراب ـ شنطة ـ أوضة (حجرة) ـ فستان ـ توكة ـ فرشة ـ قفطان ـ أورنيك ـ بقلاوة ـ بومبار (الأمعاء المحشية وينطقونها منبار) ـ ياميش (الثمر الجاف في التركية) ـ جلاش ـ ماسورة ـ بوية ـ أويمة (للنقش أو الحفر) ـ طابور ـ شلتة ـ حنطور ـ جزمة (حذاء) ـ ماهية (الراتب الشهري) ـ طاسة ـ بسطرمة (ينطقونها بأصدرمة) ـ أورمان بمعني غابة (حديقة الأورمان) ـ جردل (ينطقونها كردل) ـ طقم ـ ضُلمة (المحشي) ـ برش (حصير) ـ أزان (وعاء كبير لغلي الماء) ـ كبشة (المغرفة) ـ كركون (لمركز الشرطة) ..إلخ.
ليست المفردات التركية وحدها، التي اخترقت خطابنا المتداول، لكن هناك قائمة طويلة من المفردات الفارسية، أيضاً، (غير الكلمات الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية). وهو اختراق كان متبادلاً، ذلك أن المفردات العربية، التي دخلت على اللغتين التركية، والفارسية لا حصر لها. ويقدر بعض الباحثين أن نسبتها في هاتين اللغتين تتراوح بين 30 و40 ? من المفردات المستخدمة. ولا غرابة في ذلك لأن انتشار الإسلام في تلك البلدان استصحب معه انتشاراً للغة القرآن العربية. يقول مؤلف كتاب المحكم في أصول الكلمات العامية إن "اللغة التي يتكلمها أهل مصر في الآونة الحاضرة (الكتاب مطبوع سنة 1939م) هي اللغة العربية محرفة عن أصولها، خارجة عن قيودها وقواعدها، وإن التحريف في العربية قديم يرجع عهده إلي زمن النبوة ".
لأن اللحن في اللغة ظهر في كلام الموالي والمتعربين آنذاك فقد لحن أحدهم أمام النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : "أرشدوا أخاكم فقد ضل" وإذ يذكر المؤلف أنه إذا كانت مخالطة العرب لغيرهم من الأعاجم من الأسباب الخارجية التي أدت إلى تحريف اللغة، فهناك أسباب داخلية أيضاً أدت إلى ذلك، وهذه الأسباب ثلاثة هي: تعدد اللهجات بتعدد القبائل واختلافها ـ وخصائص اللغة وسننها ـ واتساع اللغة.
بقي أن تعلم أن مؤلف ذلك الكتاب النفيس اسمه الدكتور أحمد عيسي بك، الذي وجدت تعريفاً له على الغلاف ذكر أنه عضو المجمع العلمي المصري، وعضو في الأكاديمية الدولية لتاريخ العلوم في باريس، وعضو المجمع العلمي العربي في دمشق، وعضو في المجلس الأعلى لدار الكتب الملكية، وعضو اللجنة العليا لمتحف فؤاد، هل لدينا أحد الآن يملك مثل هذه المؤهلات؟!.