صفر الجامعات
بقلم د. حسن نافعة ٢١/ ١٠/ ٢٠١٠
نشرت «المصرى اليوم» تحت عنوان: «صفر للجامعات فى قائمة أفضل ٦٠ بحثاً» فحوى تقرير، كان الجهاز المركزى للمحاسبات قد أعده حول ترتيب الجامعات الحكومية المصرية فى التصنيفات العالمية للأبحاث العلمية فى مناطق العالم المختلفة. وقد أشار التقرير إلى أن جامعات منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أنتجت ٦٠ بحثاً بمواصفات عالمية تبين أنه لا يوجد بها بحث واحد لأى جامعة مصرية، بينما تضمنت القائمة ٤٧ بحثاً من جامعات إسرائيلية، و٧ أبحاث من جامعات جنوب أفريقية، و٤ أبحاث من جانب من جامعات سعودية ولكن لباحثين أجانب.
وقد أبدى التقرير اندهاشه من ضآلة الإنتاج العلمى للجامعات المصرية والتى تضم ما يقرب من ٧٠% من القاعدة العلمية فى مصر. صحيح أن التقرير رصد تزايد عدد البحوث التى تنتجها الجامعات المصرية سنويا، لكنه لاحظ، فى الوقت نفسه، عن حق، أن معظم هذه البحوث فى مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، ومنشورة فى دوريات محلية لا يعترف بها علميا ولا تخضع لتحكيم جاد، وبالتالى فمستواها العلمى مازال متواضعا. أما الأبحاث فى مجالات تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية وهندسة الجينات وغيرها من مجالات المعرفة الحديثة فهى نادرة بل تكاد تكون معدومة.
كانت المصادفة وحدها هى التى أدت إلى قيامى بتخصيص عمود الأمس للتعليق على خبر نشر فى الصحف المصرية أيضاً حول انتخابات الاتحادات الطلابية يشير إلى أنها «حسمت بالتزكية فى معظم كليات جامعة القاهرة». وقد رأيت فى هذه النتيجة دليلاً قاطعاً على أنها تعكس مدى تغلغل أجهزة الأمن فى شؤون الجامعات المصرية، بل لا أبالغ إذا قلت إن هذه الأجهزة هى التى تقوم بالإدارة الفعلية لهذه الجامعات. فتدخلها لا يقتصر على الأمور المتعلقة بالأنشطة الطلابية وإنما يتعلق أيضا بشؤون أعضاء هيئة التدريس، بما فى ذلك تعيين رؤساء ونواب الجامعات، وكذلك عمداء الكليات ونوابهم. وأريد اليوم أن أتساءل: هل تدرك الأجهزة المعنية فى الدولة حقيقة الارتباط الوثيق بين انهيار مستوى البحث العلمى فى مصر وتغلغل أجهزة الأمن فى إدارة الجامعات المصرية؟. لا أظن، بما فى ذلك الأجهزة الرقابية نفسها.
فقد ركز تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات ملاحظاته على «انشغال المسؤولين عن التعليم بقضايا فرعية من نوع تعديل وتغيير نظام الثانوية العامة ونظام القبول بالجامعات، وإدخال نظم تعليمية جديدة، مثل البرامج المميزة دون الاهتمام بالنواحى التى تساعد على تطوير وتحديث بنية البحث العلمى وتهيئة البيئة اللازمة له».
وحين أراد أن يغوص قليلا فى الأسباب المباشرة لضعف مستوى الأبحاث فى الجامعات، ركز على أمور من قبيل: تمويل البحث العلمى، والذى لا يتجاوز ٠.٠٢% تستهلك الأجور ٧٥% منها، والزيادة الكبيرة فى أعداد الطلاب، وبطء عمليات التطوير فى البرامج التعليمية والمناهج والطرق الدراسية.. إلخ، غير أن هذه الأسباب هى فى تقديرى أسباب «فنية» يستحيل علاجها والقضاء عليها دون العودة إلى أصل الظاهرة وأس البلاء وهو «غياب الاستقلال المؤسسى والحريات الأكاديمية».
هل تعلمون أن رئيس الرابطة الدولية لدراسات الشرق الأوسط (ميسا)، البروفيسور روجر ألين، أستاذ اللغة العربية والأدب المقارن بجامعة بنسلفانيا، وجه، منذ أيام، خطاباً إلى الرئيس مبارك ووزير التعليم العالى يدين فيه ما يتعرض له الطلاب فى الجامعات من قمع واضطهاد بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية؟.. من الواضح أن ما يجرى فى الجامعات المصرية أصبح مضغة فى كل الأفواه وتحول إلى فضيحة عالمية. ومع ذلك تبدو الحكومة المصرية ماضية فى طريقها لا تلوى على شىء ولسان حالها يقول: التمديد أو التوريث أو الطوفان!