بدأت الأجازة بعد تلك الفترة الجميلة التي قضاها الواحد منّا من تركيز للفكر في مجال واحد والبعد عن التشتت ، نعم لقد كان الواحد شديد الانشغال بالامتحانات إلا أنها كانت شيء واحداً وليست مجموعة كبيرة من المشاغل تتنازع داخل العقل .
وبهذا الهدوء وتركيز الفكر تخيلت أنني قضيت على همومي ومشاكلي التي طالما أرقت مضحعي وآلامت نفسي إيلاماً شديداً ، ولكن الحقيقة لم تكن كذلك أبداً .. من الواضح أنني كنت مغيب عن الوعي بهذه الامتحانات وما أن فرغت النفس من هموم الامتحانات حتى عادات الهموم القديمة لتشغل الحيز الفكري كله وقد اتسع لها فسيطرت على النفس وبدأت في افتراسها .
أهذا هو شعوري وحدي أم أنه شعورك أنت أيضاً يا صديقي .. ألم تخرج إلى الشوارع ؟ .. ألم تلتزم منزلكم أمام الكمبيوتر ؟.. أم انك أعتكفت أمام تلك المرناة لتتابع مباريات الكرة المتلاحقة ؟ .. وينتهي اليوم وتلقي بجسدك على الفراش لتنام فلا تجد هموم الامتحانات تشغل بالك .. وأيضاً لا تستطيع ان تنام فينطلق فكرك في همك القديم ومطالبك الملحة و ينتهي بك الأمر إلى عاقبة لم تكن لتتمناها أبداً .
خبرني يا صديقي .. ما سبب تلك الهموم متى غزت قلبك ؟ .. متى تملكته للمرة الأولى ؟ .. كيف دخلت إليه ؟
لعلها دخلت من عينك .. حين خرجت من بيتك لقضاء مصلحة ما فاصطمدت عينك بالآلاف المناظر فسببت تلك الهموم ..
لعلك رأيت بناية سكنية غاية في الأناقة و روعة المعمار فتمنيت لك واحدة مثلها .. و لكنك لا تملك الثمن . أو من الممكن أن تكون تلك السيارة الفارهة التي رأيتها هي السبب وأنت تعاني من مشاكل المواصلات في تلك الحرارة المرتفعة . وربما تكون من منظر تلك الفتاة التي خلعت رداء حيائها واستغنت بجمالها وأوقعت في الفتنة .أو رأيت تلك الآخرى الغاية في الاحترام والتي تتمنى أن ترتبط بها ولكنك لا تقوى على ذلك لعجزك المادي التام .
ولو كان فرضي صحيحاً فإن العين هي السبب .. إن الأعين الجائعة ترى ما تشتهي ولا تستطيع الوصول لشيء منه ، فأصيبت النفس بالهم . وأخذت تفكر وتريد أن تنل وتقترب مما تريد ولكنها لا تستطيع فتستعين على ذلك بالصبر وبالأمل في المستقبل القريب المشرق ، وقد منعها ما قد رسخ في النفس من أخلاق كريمة وخلق عالية وآداب لا يمكن التنازل عنها .. ولكن ربما تأتي اللحظة وقد تكالبت الهموم وملأت النفس و لم تجد النفس متنفساً .. فتسعى لتحقيق المراد بطريق مشروع .... أو غير مشروع .
فيتحقق بعض المراد . وتفرح النفس فرحة مؤقته زائفة زائلة ، زائلة مع أول استيقاظ لذلك الضمير وتلك المبادئ المزروعة داخل النفس فيعد الإنسان لرشده ويحاول أعادة تلك النقاوة لماسة الروح التي خدشت وربما تعود . ولكن هل توقفت الهموم ؟ .. وهل هذه هي المرة الأخيرة التي تخدش فيها تلك الماسة ؟ .. أم أن النفوس قد شبعت ولم تعد الأعين جائعة ؟ .
[size=24]:rendeer: [/size]