صحيح: مصر دمها خفيف!
صافي ناز كاظم
هذا الكلام كان له عنوان مختلف، عنوان متجهم هو: «تكاثرت علينا الخشب المسندة»، ولكنني بعد تأمل، وأنا أستعرض نماذج من بعض تلك الأشياء التي يمكنها أن تثير الغضب أو الاستفزاز، وجدت الابتسامة ترف على شفتي تمهيدا للضحك، ففي مصر الآن صيحات احتجاج هائلة تنطلق من كل اتجاه، ومع ذلك من الصعب تجميع هذه الاحتجاجات في حزمة واحدة، لأن الأشياء يتساوى صراخها بالاعتراض مع صراخ نقيضه، ولو أردنا تجسيد هذه الحالة نضع «المايو البيكيني» وسائر نماذج العري أمام النقاب وسائر تنويعات المسدل الساتر من الثياب، ولو صدمتنا «الغود مورننغ»، و«ماي آي هلب يو»، في تحيات الفنادق الكبرى وبعض محال السوبر ماركت والمطاعم، فسوف لا ننتظر حتى نسمع التسبيحات وأسماء الله الحسنى وأناشيد الصلاة على النبي في خاصية الانتظار على هواتف محال ومطاعم أخرى، خاصة مطاعم الكباب والأسماك، وبعض الأحزاب والصحف القومية والمستقلة والمعارضة، ولا ننسى الهواتف الجوالة التي انتشرت شعبيا، بين أصحاب الحرف المتنوعة من السباكة والنقاشة والتجارة، وغالبية طلبة وطالبات المدارس والجامعات، وهي هواتف لها «رنات» تتراوح كذلك بين الانفلات والخشوع!
انعكاسا لهذا الواقع كان من الطبيعي أن تعج صفحات الرأي في الصحف بالمقالات والأعمدة التي تتناطح فيها الآراء المتباينة، يلكز بعضها بعضا، كلها في وقفة محلك سر على بساط واحد لا يمكن جذبه لتغليب قوة على أخرى، لعل هذا ما يعطي المشهد طرافته المؤدية إلى الضحكات وإن كان ضحكا هو البكاء بعينه.
لا حراك، محتجزون عند معبر مغلق، الأعجب فيه أن يشكو الإغلاق المتسبب في الغلق. والله لقد قرأت لواحد يطل من كل شرفات السلطة، يستشهد بكلمات تقول: «وفي شرفات هذا العصر قد وقف الرجال الزائفون...»، كتبها عبد الرحمن الشرقاوي منذ أكثر من أربعين سنة، ولم أدر هل هذا الواحد غافل عن إطلالته من الشرفات أم أنه غير قانع بها، أو لعله حنين لهتاف من زمن شبابه نسي وهو يردده أنه يشتم نفسه؟
فكيف بالله لا نضحك ضحك البكاء؟
وبينما يرصد أحدهم «زبيبة الصلاة»، على أساس أنه ضبط ضبطية مهولة لعلامات التدين، نرى آخر يخرج بضبطية أشد هولا إذ يرى في تحليله أن انتشار تحية «السلام عليكم» تمييز يفرق بين المسلم والمسيحي، ويذرف دموعه ناعيا التحيات الجميلة مثل: «العواف» و«فتكم بعافية» و«نهارك أبيض» و«صباح الفل» و«صباح الهنا» و«اتمسوا بالخير»، التي قضت عليها الجماعات الإسلامية وصوبت إليها سهامها المسمومة، باعتبار أن «السلام عليكم» سهم مسموم!
فكيف بالله لا نضحك ضحك البكاء؟ فيما لم يجد رفيق له أي حرج من قوله: «عندما قال الرئيس الراحل أنور السادات أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة، اعتبرناه قد قدم استقالته للمسيحيين»! ولا ننسى أن هذا يأتي في سياق زمن تعلن فيه إسرائيل حقها في اعترافنا بها دولة يهودية، ولا يكفيها أن الكثير من الأقلام قد اعترفت منذ زمن، بهبل شديد ومن دون طلب، أنها الدولة العبرانية، بغفلة عن حقيقة أنها لا يهودية ولا عبرانية، ناهيك من أنها ليست دولة أصلا، فهي كيان صهيوني محتل، وسائله الوحيدة للاستمرار وإثبات الوجود هي الإرهاب والاغتيالات العلنية التي يجهر بها كأنها حقه المشروع!
فكيف بالله لا نضحك ضحك البكاء؟
وحين يعبر الكاتب محمد عبد القدوس عن إعجابه بتخصيص إحدى دول الخليج سيارات تاكسي باللون الوردي خاصة بالنساء، والحمد لله أنه لم يذكر اللون الأسود، وتمنى أن يرى ذلك في مصر، يعني مجرد تمن تمناه الرجل ولم يتحرك بعده نحو أي إجراء، خرجت له من تسأله عن ثمة علاقة بين فكرة عزل النساء في سيارات خاصة بهن وبين ما جاء في برنامج الإخوان المسلمين من مقولة عدم جواز تولي المرأة المناصب القيادية!
فكيف بالله لا نضحك ضحك البكاء؟
أما احتفال بعض المجموعات المدنية بليلة رأس السنة الميلادية تضامنا مع فلاحي قرية القرصاية، فكان الباعث على إخفاء الوجه بالكفين هربا من مشهد «الجينزات» و«البوي والغيرل فريندز» والتصرفات «الألافرانك» في مواجهة تعبيرات الغضب المختلفة التي ارتسمت على وجوه الفلاحين والفلاحات نفورا من «الجليطة» التي لم تراع السلوك المطلوب في قرية مصرية من قرى مصر التي يلتزم أهلها، مسلمين ومسيحيين، بالاحتشام وبالسلام عليكم ولكم!
فكيف بالله لا نضحك، ضحك الخجل والإحراج؟