لمحة حياتية موجزة عن الشيخ الفاضل محي الدين بن عربي رحمه الله
ولد في المغرب، وهاجر إلى دمشق، هو ولي من أولياء الله تعالى وشيخ وعالم وشاعر وإمام مسجد وكان ثري، له مسجد
باسمه في مدينة دمشق، كان الناس وقتها قليلو الإيمان ولا يذهب الكثيرون منهم إلى صلاة الجماعة، فعمل على تشجيعهم بأن
كل من سيأتي إلى صلاة الجماعة سيعطيه ديناراً، فكثر عدد المصلين، وبدأ يخفض من قيمة المكافأة مع الزمن حتى ألغاها،
عندها لم يعد يأتي أحد إلى المسجد للصلاة مع الجماعة، ثم أعلن مرةً أخرى عن إعطائه دينارين بدلاً من دينار واحد لكل من
يأتي للصلاة في المسجد، وبالفعل ازداد عدد المصلين بشكلٍ كبير، وفي يومٍ من الأيام قال أمام جمعٍ من الناس القادمين للصلاة
والطامعين بالمكافأة : "إن ربكم في ملآتي (عبائتي) وإن معبودكم تحت قدمي هاتين" عندها أعلن الناس بأن هذا الشيخ قد
أصبح زنديقاً ويتوجب هدر دمه، وبالفعل قدموا لقتله، فقال لهم: "لن تعرفوا حقيقتي حتى يدخل السين بالشين"، وبالطبع لم يفهم
أحدٌ منهم ما قصد هذا الشيخ الفاضل في كل من المقولتين، وقاموا بقتله!!!!!
ومرت الأيام، وجاء الحكم العثماني على بلاد الشام، وكان الحكم لـِ سليم الأول، والذي على ما يبدو كان مهتماً جداً بالشيخ
الفاضل محي الدين بن عربي وقدم إلى المسجد (المُسمى باسمه) وسأل الناس هناك "أين كان يخطب الشيخ محي الدين
بالناس" فدلوه الناس على الموقع الذي كان يقف ويخطب بالناس فيه، فقال لهم احفروا مكان وقوفه، وبينما هم يحفرون وإذ
وجدوا كميات كبيرة من الذهب تحت موطئ قدميه (أي مكان وقوفه منذ عشرات السنين)، فقال لهم سليم الأول بأن ما قصده
في مقولته "إن ربكم في ملآتي" هو أن الله عز وجل موجود في كل مكان ومنها عبائته (والمقصود في صدره وقلبه وهذا ما
يجب أن يكون كل إنسان فيه هذا الإيمان أي يشعر بوجود الله عز وجل أينما كان وفي أي وقت)، و أما عبارة "وإن معبودكم
تحت قدماي هاتين" أي أن ما كان الناس يعبدوه حقيقةً هو المال الذي جاؤوا للصلاة من أجله بدليل أنهم لم يعد يأتوا لصلاة
الجماعة حين توقف عن إعطائهم ديناراً، ولما أعلن إعطاؤهم دينارين عاودوا الصلاة.
بالفعل لقد كان هذا الشيخ الفاضل وليٌ من أولياء الله عز وجل، أما دلالة العبارة الثانية "لن تعرفوا حقيقيتي حتى يدخل السين
بالشين" فهي دخول سليم (أول حرف سين) إلى الشام (حرف شين) وهذا للدلالة البليغة التي يتحدث بها أولياء الله
فيستخدمون العبارات والكلمات التي يتوجب التفكير بها كثيراً حتى تعرف ما المقصود، ولا تستغرب فقد كان الناس جميعهم
سابقاً يستخدمون كلمات وعبارات دلالية تدل على أشياء معينة يبقى معناها كما يُقال "في قلب الشاعر".
لن أخوض في الحديث عن الشيخ الجليل فهو أكبر من أن أسرد قصة حياته وأعماله الجليلة ولكن استوقفتني قصة اقشعر لها جسمي حين سمعتها لذا قررت أن أنقلها لكم كما سمعتها وأرجو الله أن يوفقني على فعل الخير
القصة هي لخادم هذا الشيخ الجليل
يقال والله أعلم بأنه كان لهذا الشيخ الجليل أثناء حياته خادماً يقوم على خدمته فيعمل على تحضير طعامه وشرابه ويرعى مكان إقامته . بقي هذا الخادم عند الشيخ الجليل طيلة فترة حياته ولكن شاءت القدرة الإلهية أن تكون وفاة الشيخ الجليل قبل خادمه ..
حزن الخادم الوفي هذا حزناً جماً على فراق الشيخ الجليل فمرض على أثرها وتدهورت صحته كثيراً حتى وافته المنية ومات .
يقال بأن دمشق بكاملها خرجت خلف نعشه كي تودعه نظراً لسيرته الطيبة وإخلاصه للشيخ الجليل وتكريس حياته كلها لخدمته .
ولكن ما استوقف الجنازة يومها هو اختلاف أهل دمشق على مكان دفن هذا الخادم فهل يدفن بجانب الشيخ الذي أحب أم يدفن في مكان آخر ...تعالت أصوات المشيعين منهم من وافق على دفنه بجانب الشيخ الجليل ومنهم من رفض الفكرة وكادت أن تتطور الأمور حتى وصلت
حد المشاحنات بالأيدي .
هنا برز صوت أحد المشيعين في الجنازة قائلاً :
لما الخلاف على هذا الأمر ها هو مقام الشيخ محي الدين بن عربي بجانبنا وحتماً الشيخ الجليل يسمعنا فإن أراد أن يدفن صاحبه بجانبه فليأتنا بإشارة أو يتخذ إجراء معين لنعرف ما هو الحل لهذه المشكلة ؟
كان نعش الخادم موضوعاً على عربة تجرها الخيل وما إن إنتهى ذلك المنادي من كلمته حتى رأى أهل دمشق النعش يتحرك عن العربة وينزلق عنها ليسقط على الأرض بجانب باب المقام الذي دفن فيه معلمه ذلك الشيخ الجليل ...سبحان الله
لذا تقرر دفن الخادم بجانب معلمه الشيخ .
والمقام موجود في حي الصالحية بدمشق وسميت المنطقة بحي الشيخ محي الدين وأقيم جامع يضم مقام الشيخ والخادم وعدة قبور اخرى .
وشكراً