قبل خمسة أعوام كانت أحواله مختلفة تمام الاختلاف، أما اليوم فينذهل مشجعو كرة القدم عندما يداعب عامل البناء السابق واللاعب المحترف فرانك بلال ريبري الكرة في مهارة تدل على روعته وتميِّزه وقدراته الرياضية الخلاقة. أندريه توسيس يعرِّفنا بهذا اللاعب المحترف.
شعار فرانك ريبري الذي اعتنق الإسلام في عام 2002: "الإيمان بالله دائمًا"
فرانك ريبري، لاعب كرة القدم بالغريزة - يدهش مشجعي الدوري الألماني في كلِّ أسبوع بشيء جديد. كذلك لا يبالغ النقاد في ألمانيا في وصف هذا المهاجم السريع قصير القامة؛ إذ وصفه اللاعب تييري هنري قبل فترة غير بعيدة بأنَّه "كابوس لكلِّ مدافع"، كما وصفه اللاعب زين الدين زيدان بأنَّه "جوهرة كرة القدم الفرنسية".
وفرانك ريبري من منطقة "بولونيه سور مير" الواقعة في شمال فرنسا والتي تعتبر منطقة فقيرة وفيها نسبة العاطلين عن العمل مرتفعة جدًا. ويبدو أنَّ كرة القدم وحدها قد حمت فرانك ريبري من خطر البطالة والاعتماد على المساعدات الاجتماعية.
لكن لقد مضى بعض الوقت قبل أن يبدأ بتحصيل راتبه الذي يبلغ ثمانية ملايين يورو في العام وقبل أن يبيِّن للعالم كيف يمكن لعب كرة القدم بشكل غير تقليدي. وفرانك ريبري يقدِّر ذلك خير تقدير، لاسيما وأنَّه مرّ بأيام صعبة. "نحن المحترفين لدينا كلّ شيء؛ نحن نكسب الكثير ونتمرَّن على أبعد حدّ مرتين في اليوم" - حسب قول فرانك ريبري، الأمر الذي يعتبر أَلذّ من العسل بالمقارنة مع العمل الجسدي الذي كان يؤديه في السابق.
طريق وعرة إلى القمة كان فرانك ريبري يعمل قبل خمسة أعوام مع أبيه معاونًا في ورشات البناء. وقبل ذلك أخفق في أمور كثيرة؛ فعندما كان عمره ثلاثة عشر عامًا ألزمه نادي OSC Lille بالذهاب إلى مدرسة داخلية من أجل إنماء موهبته كلاعب كرة قدم ومعلّم رياضة. ولكن كانت قدراته المدرسية غير كافية، لذا تم طرده من المدرسة الداخلية وصار يلعب في ناد من نوادي دوري الدرجة الرابعة لقاء مائة وخمسين يورو في الشهر. وقد كان ذلك بمثابة إهانة بالنسبة لهذا اللاعب الموهوب جدًا والذي كان يبلغ حينها سبعة عشر عامًا.
وبعدما تم إهمال طلبه بزيادة راتبه اعتزل اللعب في ذلك النادي. وحينها بدت أيامه كلاعب كرة قدم معدودة، حيث صار يذهب في الفجر إلى ورشة البناء بدلاً من ذهابه إلى أرض الملعب للتمرين.
ينظر إلى ريبري على أنه خليفة الأسطورة زين الدين زيدان
استمر فترة على تلك الحال. وعندما بلغ عمره العشرين عامًا أصبح عاطلاً عن العمل. لم يتحقَّق له حينها أي شيء؛ إذ لم يكن لديه المال من أجل تسديد إيجار سكنه ولا حتى من أجل زواجه الذي كان يخطِّط له مع زوجته الحالية، الجزائرية وهيبة. ولكن بعد ذلك شهد تحولاً لم يكن بإمكان سينما هوليوود إخراجه بشكل أفضل. فقد حصل فرانك ريبري على عرض للعب في نادي مدينة بريست في دوري الدرجة الثالثة، ووقَّع عقدًا مع هذا النادي ليثير بعد فترة قصيرة اهتمام نادي متز FC Metz الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى. وفي هذا النادي لاحظ المدرِّب جان فيرنادس Jean Fernandezقدراته العالية.
غير أنَّه واجه أيضًا هنا مضايقات؛ في البداية طالب فرانك ريبري بزيادة راتبه، ثم تسبب في وقوع مشاجرة في ديسكو. لم يستطع نادي متز Metz تحمّل ذلك. غير أنَّ نادي "غلاطة سراي" إسطنبول رأى ذلك على نحو آخر وأحضر هذه الجوهرة غير المصقولة إلى مضيق البوسفور. لكن لم يقدَّر لهذه العلاقة الاستمرار فترة طويلة؛ فبعد ما لا يزيد عن 14 مباراة وأقل من عام رفع فرانك ريبري دعوى ضدّ هذا النادي، وذلك لأنَّ النادي لم يسدِّد له بعض رواتبه الشهرية؛ الأمر الذي كان كافيًا من أجل الانتقال عام 2005 للعب في نادي "أوليمبيك مرسيليا"، حيث أصبح في تلك الأثناء المدرِّب جان فيرنادس الذي كان يدعمه في نادي "متز" الآمر الناهي.
دعاء وشكر لله وفي مرسيليا تكوّنت شخصية فرانك ريبري الرياضية، حيث تمكَّن هنا قبل كأس العالم 2006 بفترة قصيرة من دخول المنتخب الوطني. وفرانك ريبري الذي يبلغ عمره حاليًا خمسة وعشرين عامًا متزوِّج ويسكن في فيلا في مدينة ميونخ، كما أنَّه خاض حتى الآن ما يقارب الثلاثين مباراة دولية. ويعتبر كذلك لدى هذا "الفريق" اللاعب الرئيس في قلب الوسط وكذلك الخليفة الشرعي للاعب العظيم زين الدين زيدان.
لكن من غير المؤكَّد إن كان ريبري سيصبح "بطل فرنسا" الذي سيسجِّل لمنتخبها الوطني هدف الفوز في الربع النهائي من كأس الأمم الأوروبية. فعلى كلِّ حال سوف يلعب ذوي القمصان "الزرق" ضمن المجموعة القاتلة "ج" والمكوّنة من منتخب رومانيا وهولندا وبطل العالم إيطاليا.
لكن ما يدعو إلى التفاؤل هو أنَّ فرانك ريبري سجّل في المباراة التجريبية الأخيرة لكأس الأمم الأوروبية في باريس هدف الفوز في ضربة جزاء مقابل صفر لكولومبيا. وهذه واحدة من مثل هذه اللحظات التي يمسح فيها وجهه بيديه ويدعو الله ويشكره؛ وشعار فرانك ريبري الذي اعتنق الإسلام في عام 2002 والأب لطفلتين هو: "الإيمان دائمًا بالله".
آثار جراح وظرافة روح وقوة عقلية يبقى من غير المؤكَّد إن كان سبب اعتناق ريبري الإسلام وتغيير اسمه من فرانك إلى بلال يكمن في حادث المرور الذي تعرّض له. لكن في الحقيقة ما يزال هذا الحادث واضحًا في وجهه حتى يومنا هذا. ففي سن الثانية ركب مع أبيه الذي كان يعمل سائقًا، حيث جلس في سيارة أبيه على المقعد الخلفي من دون أن يربط له الحزام، ونتيجة لحادث مرور ارتطم بزجاج السيارة وقذف خارجها. وقد أكلت شظايا الزجاج وجهه، وحتى عملية زراعة الجلد التي أجرت له بسرعة لم تحول دون التآم جروحه بصورة سليمة.
بيد أنَّ ابن الطبقة العاملة هذا ليس الشخص الذي يكترث لإجراء عملية تجميلية. يقول فرانك ريبري متذكرًا: "لم يكن هذا سهلاً؛ فكثيرًا ما كان البعض يستهزئ بي. لكن هذا كان فقط يزيدني قوة". وعلى كلِّ حال لا ينظر ريبري إلى الماضي بمرارة، بل يعتبر شخصًا صافي المزاج ويكثر دائمًا من المزاح. ففي فترات الاستراحة من التمارين يقوم بتقطيع جوارب زملائه في فريق ميونخ أو أنَّه يدهن معجون الأسنان تحت مقابض أبواب الغرف في فنادق الخليج الفاخرة. وإذا ما اقتضت الضرورة فعندها يقوم بسكب دلو ماء بسعة 10 لتر على زملائه مثلما فعل مؤخرًا مع اللاعب أوليفر خان.
"مجرَّد مزاح" عندما أجرت معه قبل فترة غير بعيدة صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية لقاءً بدأ الحديث بسلاطة لسان: "سمعت أنَّ زملاءكم في الصحيفة ادّعوا أنَّني رجل غير جيِّد"، قال ذلك للصحفيين بينما ارتسمت على وجهه أسارير الغضب. وعندما نظر الصحفيون بفزع ودهشة، تابع كلامه ضاحكًا: "هذه مزحة، لم تكن إلاَّ مجرَّد مزاح".
صحيح أنَّ هذه القصة تبدو مجرَّد قصة ظريفة مضحكة من حياة فرانك ريبري اليومية، بيد أنَّها تبيِّن مدى تواضعه المرح تجاه اللاعبين المحترفين الألمان الوديعين والذين يتكيَّفون مع زملائهم إلى درجة إنكار الذات. فهكذا لا يعتبر هذا اللاعب القادم من منطقة بولونيه سور مير جذّابًا فقط في كرة القدم، بل يعدّ كذلك إثراءً من الناحية الإنسانية.
يحبّ مشجعو نادي بايرن ميونخ لاعبًا مثل ريبري، كما أنَّه يشعر حسب قوله بارتياح: "أنا أقدر أن أكون هنا مثلما أريد، أمزح مزاحي وألعب كرة القدم".