في مجتمعاتنا العربية تصبح ظاهرة هروب الفتيات في سن المراهقة من منزل الأسرة إلى الشارع بكل ما يحمله من معان ومخاطر وضياع، ظاهرة تستحق الدراسة ودق أجراس الإنذار حولها. وقد يكون هروب البنات في أوربا وأمريكا من بيت الأسرة إلى مرافقة الشباب وغير ذلك من السلوكيات، أمراً طبيعياً هناك وأصبح من قبيل العرف المقبول الذي لا يلتفت إليه، أما في المجتمعات العربية التي تعلي من شأن الأسرة، وغرس قيم الشرف، وتجعل من التماسك العائلي الأولوية على كل ما عداه، وتعلي من شأن العرض، تصبح هذه الظاهرة أمراً خطيراً .. ولكن ما هي الأبعاد الحقيقية لهذه الظاهرة ؟ ولماذا تفشت في الأعوام الأخيرة ؟ وما هي الأرقام والأسباب والدوافع ؟ ثم ما هي النتائج التي تترتب على هذا الهروب؟.
لقد أثبتت الدراسات الميدانية ارتفاع معدل هروب الفتيات من بيت الأسرة في السنوات الأخيرة، ففي مدينة كالقاهرة مثلاً كان معدل هروب الفتيات من سن 12- 17 سنة 28 حالة في عام 1991، زاد إلى 95 حالة في عام 1994، زاد إلى 210 حالات عام 2000. وأسباب هذه الظاهرة المتنامية عديدة منها المؤثرات الإعلامية السلبية. وقد التقيت بنماذج لفتيات مراهقات هربن من أسرهن بعد مشاهداتهن لأفلام تصور الإطار الأسري على أنه قيد والتحرر منه انطلاق إلى عالم الرفاهية والنجاح والتحرر، هذا إلى جانب الظروف الاقتصادية وتطلعات المراهقات من الطبقة الدنيا إلى الثراء والذي يتم التقاطهن ليتحولن إلى سلعة في سوق الرقيق الأبيض. هذا إلى جانب الظروف الاقتصادية والأسرية القاسية وتزايد حدة الخلاف بين الآباء والأبناء من خلال الفجوة بين الأجيال وعدم تفهم كلا منهما للآخر.
وفي دراسة للباحثة عطيات محمد صالح بمباحث الأحداث بالقاهرة، أكدت فيها أن هناك العديد من الأسباب النفسية والاجتماعية لهروب الإناث منها ضعف الوازع الديني لدى الفتيات الهاربات وأسرهن، ومخالطة رفيقات السوء، والتفكك الأسري، والطلاق، إلى جانب الأسباب الاقتصادية كالفقر، وسوء استغلال وقت الفراغ، والأسباب الدراسية كالهروب من التعليم وسوء التكيف الدراسي والجهل والأمية، وأثر الإعلام السيئ، والهجرة الداخلية من الريف للحضر سعيا وراء مظاهر وبريق المدينة بدون رقابة أو رعاية أسرية، وأثر ذلك على النواحي النفسية للإناث خاصة في مرحلة المراهقة.
أما الباحثة شادية الششيني بمباحث القاهرة فتؤكد أن وراء هذه الظاهرة ظروف اقتصادية صعبة، وفي نفس الوقت تطلعات طبقية، والبخل الشديد لبعض الآباء وعدم الاهتمام بتلبية طلبات بناتهم .
ومنها أيضًا الأسباب الاجتماعية مثل قسوة الآباء، أو قسوة زوجة الأب وانشغال الأب وغيابه عن الأسرة، والطلاق النفسي، رغم أن الأسرة موجودة وذلك بسبب المشاكل بين الأم والأب. ومنها أيضًا الأسباب النفسية والسلوك العدواني للبنات الهاربات، والأسباب المدرسية ومنها خوف الفتيات من الامتحانات، أو كرد فعل للفشل الدراسي والتأخر الدراسي والمعاناة وعدم القدرة على التحصيل.
كما يلعب التليفزيون دوراً مهماً في هذا الموضوع من خلال أحاديث الفنانات التي دائماً تشير فيها إحداهن إلى أن سبب نجاحها أنها هربت من منزل أسرتها وعملت بالفن كراقصة، كما أن عرض مسلسلات أجنبية لا تتفق مع قيمنا يؤثر في سلوكيات العديد من المراهقات مثل مسلسل الجريء والجميلات الذي نتج عن مشاهدته والتأثر به العديد من جرائم الهروب بعد أن حقق لهن الإقناع بضرورة عدم التقليد والعيش بحرية وجرأة
لماذا الهروب في شهور الصيف؟
وغالباً ما تكثر حالات هروب الفتيات في فترات الامتحانات وظهور النتائج، وشهور الصيف عامة التي قد تتسم بظهور بعض حالات الاكتئاب وعدم التوافق النفسي مع الأسرة.
ومن ناحية أخرى فإن الفتيات في سن المراهقة يتعرضن لتغيرات نفسية وفسيولوجية وتكون لديهن حساسية وتقييم خاص للظروف الاجتماعية، وقد يعتقدن أن أي تقويم أو توجيه بمثابة اضطهاد من قبل الأسرة. والإناث خاصة في مرحلة المراهقة لديهن إحساس بأنهن منبوذات وغير مرغوب فيهن من زوج الأم أو زوجة الأب، وقسوة الأخوة الذكور وافتقاد القدوة الحسنة بالأسرة يشعر الفتاة بالإحباط والضياع نتيجة افتقاد الإشباع العاطفي والمادي بالأسرة والإحساس بعدم بالانتماء والنبذ، مما يدفعها الهروب من الأسرة والكذب لتفادي أي عقوبة من الوالدين.
كما تلجأ الفتاة إلى الخداع والتضليل لتصنع لنفسها سداً منيعاً تحمي به نفسها من العقوبة عن طريق الكذب وانتحال اسم آخر والإدعاء بوفاة الوالدين وعدم وجود عائل أو مأوى لهن خوفاً من العودة لأسرهن لرفض السلطة الوالدية التي أشعرتهن بالقهر والإحباط والعدوانية، نتيجة الضغط على الفتاة بالزواج من شخص مسن مما يدفع الفتاة للهرب من الأسرة وخاصة فتيات الريف نتيجة الجهل والفقر.
وهكذا فإن هناك حالة من التمرد والنقمة توجدها أجهزة الإعلام وتفجر بها الأسرة، مما يدفع بالبنات وأيضًا بالمراهقين إلى الضيق بما يصوره الإعلام كقيود وأغلال تكبل بها الأسرة أبناءها، وهي في الحقيقة تعاليم أخلاقية وتقاليد وأعراف عربية عريقة.
كذلك ينبغي أن لا نغفل سيطرة النوازع والمنافع المادية على المجتمع بحيث أصبح للمال اليد الطولي في تحريك كل شيء .. فإغراءات العمل في مهن كالرقص والخدمة في الفنادق، بل وما هو أفظع من ذلك ممارسات لا أخلاقية. كل ذلك يشد المراهقات في مرحلة عدم النضج، ولا ينبغي أن نغفل أن بعض الآباء والأمهات في البيئات الفقيرة يشجعون بالفعل على هروب البنات تخلصا من أعباء التربية والإنفاق وأيضًا على أمل أن تصبح الفتاة قوة اقتصادية تضاف إلى رصيد الأسرة.
وأهم الإجراءات الوقائية والعلاجية للانحراف وهروب الإناث تتركز في تقوية الوازع الديني بالأسرة، وتعديل القوانين لحماية الإناث ووقايتهم من الانحراف، وتشديد العقوبة على الوالدين الذين يهملون رعاية الأبناء، والتركيز على الدور الهام الذي تقوم به وسائل الإعلام في مجال التثقيف العام بأبعاد مشكلة هروب الإناث من الأسرة وأسبابها، وبلورة رأي عام قادر على التصدي لهذه المشكلة والتعرف على الأساليب التربوية في تعامل الأم مع أبنائها في مرحلة المراهقة وتقديم برامج أسرية خاصة بأساليب التنشئة الصحيحة للأبناء.
وفي الوقت نفسه يجب أن تقترب الأم من فتاتها برفق خصوصاً في مرحلة المراهقة، وأن تجمع ما بين الحزم واللين مع المراقبة بطرق غير مباشرة، وأوجه حديثي إلى الأمهات العاملات اللواتي يفضلن العمل على رعاية أطفالهن بأنهن بذلك يوجدن القسوة في قلوب أبنائهن .. فأولى لهن وخصوصاً في مرحلة الطفولة أن يتفرغن نفسياً على الأقل لرعاية الأبناء ويضعن ذلك على قائمة الأولويات ويتخذن وسائل إيجابية لمحاربة الهروب بأن ينتقدن مثلاً وبأسلوب علمي ما يعرض من قصص وحكايات من خلال وسائل الإعلام عن هروب الفتيات، ويحذرن بالأدلة مما قد تتعرض له الفتاة إذا فكرت في هذا الأمر، هذا إلى جانب أنه يجب أن تدقق الأم وتتعرف على رفيقات بناتها وأن تبعد عنهن رفيقات السوء.
وفي الاخير انا لا انصح اي فتاه بالمغامرة ةالجري وراء الافكار الشيطانيه
بالهروب من المنزل مهما كانت الظروف التي تمر بها لان البيت في الاول
والاخر هو الامان لاي فتاه من ذئاب الشوارع
موضوع: قبل أن يصبح هروب الإناث ظاهرة 
الأحد 14 سبتمبر - 0:37
