الحزب الوطني برموزه وقياداته ورجاله، لم ينطقوا بحرف واحد لدرء شبهة تأييدهم لشيخ الأزهر، حين طالب بتطبيق حد الجلد على الصحفيين. وقد وصل الأمر ببعض كتبة ومسئولي الحزب الوطني، أن دافعوا عن تصريح شيخ الأزهر، محتجين بأنه كان يقصد قذف المحصنات، ووضعوا عمامة على رؤوسهم وأكدوا أن هذا هو حكم شرعي لا يجوز إنكاره، وإذا كانوا عارفين الشرع "أهه" ويدافعون عنه، فلماذا لا يطبقون الشريعه الإسلامية ؟
طبعاً هم دافعوا عن شيخ الأزهر من موقع أن الرجل يؤيد الرئيس ويباركه ويبايعه، فلا يصح أن يتركوا كلامه فريسة في مخالب المعارضين، وإذا كان من نطق بهذا التصريح عضواً من الإخوان المسلمين لشهدت مذبحة له على صفحات صحف الحكومة وتلفزيونها، أو لو نطق بمثل هذا الكلام شيخ من شيوخ التطرف، ربما كانوا سحلوه في مباحث أمن الدولة، إنما طالما قاله مبايع ومؤيد للرئيس، فلابد للحزب الوطني من الدفاع عنه أو التواطؤ بالصمت لما قاله .
لكن الأهم من هذا كله ما تكشفه هذه الواقعة، فالأمر برمته أن الحزب الوطني – وهذا حال رجاله وعقليات قياداته – لو طبق الشريعة الإسلامية سيفهمها تماماً على طريقة شيخ الأزهر، أنها حدود من الرجم والجلد، ثم سوف يطبقها على طريقة جعفر النميري تزلفاً ونفاقاً وبلا رائحة العدل والعدالة، فإذا سرق الغني تركوه وإذا سرق الفقير أقاموا عليه الحد، تتساوى القوانين الوضعية الدنيوية بالقوانين التي أنزلها الله عز وجل عند الحزب الوطني، فليس المهم ماذا ستطبق بل من الذي سيطبق؟ وطالما هذا الواقع هو واقع الفساد والطغيان والأحكام لصالح الحكام فمن يتدخل في قضاء البشر هو نفسه الذي سيتدخل في قضاء الله المهم أن يخدم بقاءه على العرش وإحتكار للحكم، وهذا ما يجعل الكلام عن تطبيق الحدود أمراً مستحيلاً في وطن لا تتوافر فيه شروط تطبيق الحدود من العدل والحرية والمساواة، وفي ظل العبودية لحاكم أو رئيس لا ينفع ولا يشفع القانون دنيوياً أو إلهياً، فلا شريعة إسلامية في ظل شريعة الغاب .
لكن الأهم من هذا كله أن القرأن الكريم في محكم آياته الستة آلاف لم يذكر الحدود إلا في خمس آيات فقط، ومن ثم فالإسلام ليس شريعة فقط، كما أن الشريعة ليست حدوداً فقط، الإسلام شريعة وعقيدة ومعاملات وعبادات، والشريعة ليست حدوداً خمسة (القصاص الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شئ .. أي أن العفو شريعة كما الحد تماماً، ثم السرقة والزنى وقذف المحصنات والحرابة، ولم يذكر القرآن الكريم حداً لشارب الخمر وأنما طبق عليه الفقه الإسلامي حد القذف، وإختلف الفقهاء في حد الردة من أيده ومن نفاه) .
لكن يبقى أن الحدود نفسها ليست مطلقة في مجتمع ظالم، بل لابد من توافر العدل لتطبيقها، مع إستحالة تطبيق عدد من الحدود سوى بالإعتراف مثل الزنى وقال الشيخ يوسف القرضاوي ذات مرة أن حد الزنى عندما أشترط الله تطبيقه بتوافر أربعة شهود، كأنما الحد لأن الزاني كان وقحاً في فعله، وأمام مشهد من الناس ولم يستتر، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم رد معترفاً بالزنى وقال لعلك فأخذت لعلك قبلت، وأمهل معترفة حتى تلد حملها وهو ما يؤكد أنه لم يكن سعى محموم لتنفيذ العقوبة بقدر سعي كريم للرحمة، بل يجيز بعض الفقهاء تلقين السارق ما يسقط عنه الحد، ثم في الشريعة نفسها ما يسمى التعذير وهو ما يقرره القاضي، أي القانون الوضعي للبشر، وإلا قل لي ماذا ستفعل الحدود مع سرقة الأفكار والإنتاج الأدبي والعلمي، أو جرائم التزوير وتزييف العملات أو الإختلاس من الشركات أو الهروب بقروض البنوك أو تزوير الإنتخابات أو تعذيب المواطنين والمعتقلين أو التجسس؟ هل سنطبق عليهم حد الحرابة فنقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف مثلاً، وهي مشكلات جوهرية وعصرية تفتح أبواب الاجتهاد ولا تجعلنا نقف فقط عند الحدود الخمسة.
ما يعنينا هنا أن الحزب الوطني مستعد متى لزمت الحاجة لتطبيق الشريعة ولن يهتم بردود فعل الغرب بل الغرب نفسه لن يهتم مادام نظام الحزب الوطني يلبي له أوامره ويعمل وكيلاً له في الشرق الأوسط، سيطبق الحزب الوطني الشريعة على أنها حدود فقط، وينفذ الحدود بكل الظلم والعسف والإفتراء والتلفيق الذي تجريه الشرطة مع الأدلة أو تعذيب المتهمين، وليس أوضح من تصريح شيخ الأزهر سوى دفاع الحزب الوطني عنه وعن تصريحه، ... آه نسيت صحيح. سلم لي على المواطنه!!