AL MOJAHED مهندس ممتاز
عدد المساهمات : 264 تاريخ التسجيل : 17/09/2007 الموقع : في كل مكان اجاهد ضد الفساد رقم العضوية : 92 Upload Photos :
| موضوع: عبدالحليم قنديل: جنازة الأحزاب في مصر الثلاثاء 27 نوفمبر - 14:29 | |
| القدس العربي 26/11/2007 خذها مني نصيحة وجرب، فأنت تستطيع ـ بسهولة ـ هزيمة اي مثقف مصري بالضربة العقلية القاضية، ربما لا تحتاج لسؤال عويص في خرائط الجينوم ولا في النانو تكنولوجي ، اسأله ـ فقط ـ في النانو حزبولوجي ، اسأله ـ فقط ـ عن عدد الأحزاب في مصر، ولا تعقد الفزورة أكثر ـ من فضلك ـ بالسؤال عن أسمائها التي إن تبدو لكم تسوءكم، وقد أعترف أن حالي ليس أفضل كثيرا، رغم أنني من المتابعين ـ فوق الطاقة ـ لدبة النملة في السياسة المصرية، وقد لجأت لمعونة صديق لأدقق الرقم، وأفادني الصديق ـ المتخصص في الحفريات السياسية ـ بان عدد أحزاب لجنة الأحزاب وصل الرقم 24، وهأنذا أهديه لكم بالمجان، فلا فضل لي سوي نقل الخبر، وزف بشري اكتشاف أثري يضاف لثروة مصر التي هي أم الآثار، ولا أريد منكم جزاء ولا شكورا، ولا فرصة للدخول في مسابقة من يربح المليون (!) . وقد يبدو أننا خرجنا بالموضوع عن أصله الجاد، وتحولنا إلي نوع من الكوميديا السياسية، وهي بالفعل ـ ونقولها بكل صرامة وجدية ـ كوميديا أسود من قرن الخروب، فلايصح لبلد كبير ـ بمقام مصر ـ أن تكون هذه هي صورتها السياسية، أو أن تكون هذه هي أحزابها، إنها ـ علي الأغلب ـ لعبة أقنعة، وحفلة تنكرية، الأدوار فيها موزعة بغير عناية، الديكورات معتمة، والإكسسوارات من النوع الفالصو ، وطلعة الممثلين شاحبة، وكأنهم خارجون من قبر، أو ذاهبون إليه، إخصم ـ بجرة قلم ـ من الـ 24 حزبا 20 حزبا، ولن تخسر شيئا من حق المعرفة، فالأحزاب المخصومة من حساب السياسة لا تعني شيئا بإطلاق، إنها مجرد عناوين لفراغ محشو بهواء السحابة السوداء، إنها أحزاب الحزام الأمني، وكما يحدث في الإقتصاد المصري، يحدث أيضا في السياسة المصرية، يحدث في الإقتصاد أن يتقرر لأحد ـ بمنطق رأسمالية المحاسيب ـ أن يصبح مليونيرا في لمحة عين، ويحدث ذلك أيضا في السياسة، يحدث أن يقرر جهاز امن الدولة منح حزب لواحد من محاسيبه ، ليس بالضرورة لكي يلعب دورا، بل ربما ـ فقط ـ علي سبيل الرزق الذي يحب الخفية، ويحدث ـ أيضا ـ أن يتدخل مسؤول ليمنح قريبا له حزبا وربما علي سبيل التكافل العائلي والمساهمة في حل مشكلة البطالة المتفاقمة، فقد تحولت رخص الأحزاب المصرية إلي ما يشبه رخص التصريح بكشك سجائر أو بدكان بقالة في شارع جانبي، ربما الفرق أن المكسب ـ في حالة الحزب ـ يفوق المتوقع من اي مشروع صغير آخر، فقانون الأحزاب في مصر ـ بنص المادة 18ـ يصرف لصاحب الرخصة مئة ألف جنيه في السنة ولمدة عشر سنوات، وتضاف ـ بالطبع ـ مزايا لقب رئيس حزب، ومزايا الانتقال لقعدة الكبار، ومزايا التعيين الوارد في المجالس النيابية بالأمر السامي، هذا ـ بالطبع ـ إن قرر صاحب الرخصة إغلاق فمه، وإغلاق باب حزبه عليه وعلي أولاده وأصحابه، وهذا ما يحدث في غالب الأحوال، فلا يكاد يصدر بيان عن الأحزاب العشرين، إلا وهو يحمل تأييدا حماسيا زاعقا لمبارك وعائلته وحزبه، وربما تصل القصة إلي طور فكاهي، فقد حدث أن ترشح الحاج أحمد الصباحي ـ قارئ كف ـ في انتخابات الرئاسة الأخيرة (7ايلول (سبتمبر) 2005) ضد مبارك، وقد حصل كما كل مرشح في هذه الانتخابات الديكورية ـ بنص المادة 25 من قانون تنظيمها ـ علي نصف مليون جنيه عدا ونقدا، وحدث أن سألوا الصباحي ـ وهو القريب الحسيب لمسؤول رئاسي ـ عن صوته ولمن يعطيه في الانتخابات، وكان جوابه القاطع: أعطيه للرئيس مبارك طبعا (!)، وربما لا داعي لذكر أسماء أخري وفضائح أخري، فمحاكم الجنايات تنتظرنا في قضية نقد الرئيس، ولا رغبة عندنا للدخول في نزاع قضائي مع رؤساء أحزاب هم موظفون كبار ـ أو صغار ـ في ما يمكن تسميته وزارة الأحزاب ، ما علينا، فلنترك محاكم الجنايات في حالها، وتعالوا بنا ننتقل إلي محكمة التاريخ، وهنا قد نصادف أحزابا تنتسب بالإسم إلي معني السياسة، وإن بدت ـ في الغالب ـ أقرب للسكني في ظل التاريخ، فأحزاب كالناصري والوفد والتجمع علي صلة نسب بالسياسة، ويطلق عليها في الصحافة المصرية ـ غالبا ـ وصف أحزاب المعارضة الكبري ، والتسمية خادعة، فقد انتهت كلها إلي خانة الأحزاب الصغيرة حجما وتأثيرا، كلها ماتت بالرخصة، فيها بالطبع قيادات محترمة، ولها ـ بحسب مصادرها التاريخية ـ آراء معارضة، وتبدو علي تفاوت في وجهات نظرها، لكن المصير يبدو واحدا، لم تنفع الوفد أمواله وخزائنه وقصوره الفخمة، ولا نفع التجمع حرفة سياسة بادية في تكوين قياداته، ولا نفع الناصري شبابه وصلابة مؤسسية وتلقائية تنظيمه، انتهي الكل إلي أزمة العجز، وإلي الشيخوخة المبكرة، وإلي الطلاق البائن مع حيوية السياسة(!) . وقد لا نتعب كثيرا في البحث عن السبب، فالسبب الظاهر كامن في شيء اسمه لجنة الأحزاب ، وهي واحدة من عجائب الدنيا السبع، فقد لا يوجد بطول الدنيا الديمقراطية وعرضها شيء يشبه لجنة الأحزاب المصرية، جري النص علي اللجنة العجائبية في قانون الأحزاب رقم 40 الصادر في 3 تموز (يوليو) 1977، وجرت عليه تعديلات وترقيعات تراخت إلي آخرها بالقانون رقم 177 لسنة 2005، قبل قانون 1977 كان قد سمح بحزبي الأحرار والتجمع في تشرين الثاني (نوفمبر) 1976، وتحول السادات باسم الحزب الحاكم من حزب مصر إلي الحزب الوطني ، وقبل نهاية السبعينيات، كان قد سمح لحزبي العمل و الوفد ، وتوالدت ـ بعدها ـ بقية النسل الطالح، والعطب في القانون ظاهر، فهو يجعل ظهور الحزب رهينا بقرار إداري أمني بامتياز، ويأخذ بمبدأ الترخيص المسبق، وليس بمبدأ الإخطار كما جري العرف المقرر في أي بلد يتحدث عن الديمقراطية، ولجنة الترخيص ـ لجنة الأحزاب ـ تشكيل إداري يصدر بقرار من رئيس الجمهورية الذي هو رئيس الحزب الحاكم، ورئيس اللجنة الآن هو السيد صفوت الشريف الأمين العام لحزب مبارك، وصفوت نفسه ـ ضابط المخابرات السابق ـ هو رئيس مجلس الشوري ورئيس المجلس الأعلي للصحافة بالمرة، وتضم لجنة صفوت ـ بنص المادة 8 من قانون الأحزاب ـ وزيرالداخلية ووزير شؤون مجلس الشعب، ويضاف ستة آخرون ـ يعينهم الرئيس مبارك ـ من القضاة السابقين والشخصيات العامة، إنه تشكيل حكومي تماما، ودواعي القرار فيه أمنية بحتة، وإن حدث أن رفضت اللجنة حزبا، وهو غالبا ما يحدث باستثناء أحزاب الحزام الأمني، فلا فرصة لاحتكام أمام القضاء الطبيعي، بل جري تشكيل محكمة استثنائية خاصة، نصف أعضائها ـ بنص المادة 8 من قانون الأحزاب ـ من قضاة الدائرة الأولي في المحكمة الإدارية العليا، ونصفها الآخر ـ بالضبط ـ من شخصيات عامة يختارهم وزير العدل، وهذا التشكيل الاستثنائي جعل محكمة الأحزاب وكأنها نسخة بالكربون من لجنة الأحزاب، وانتهي بها ـ غالبا ـ إلي رفض طلبات إنشاء أحزاب علي صلة نسب بالسياسة، وهو ما جري بالفعل مع طلبات متكررة لإنشاء أحزاب تحالف الشعب العامل و الكرامة و الوسط وغيرها، وربما يكون الاستثناء النادر هو الحكم لصالح الحزب الناصري، وله ظروفه المتعلقة بدور استثنائي لقاض جليل هو المستشار طارق البشري، لكن الدائرة المغلقة لا تنتهي عند باب المحكمة، فهب أنه حدث خطأ امني إداري أو فلتة قضاء، عندها تكون لجنة الأحزاب جاهزة للتصرف، فهي تراقب حدود اللعبة، ولها ـ بأحكام المادة 17 من قانون الأحزاب ـ أن توقف نشاط الحزب وأن تنتهي به إلي الشلل القانوني، والدواعي هنا ـ أيضا ـ أمنية بحتة، وهذا ما حدث ـ بالضبط ـ مع تجميد حزب العمل سنة 2000، وما حدث مع سحب رخصة حزب الغد بزعامة أيمن نور، اي أن القصة كلها عبث في عبث، الحزب الحاكم هو الذي يختار معارضيه بالرخصة، وهو الذي يقرر تأديبهم وتهذيبهم إن هم خرجوا عن النص، أو تصوروا أن اللعبة جد، أو أن الرخصة التي في أيديهم تعطيهم الحق في العمل بالسياسة، وكلها تهيؤات ما أنزل السلطان بها من قانون، فالتزام الأسقف المنخفضة واجب شرعي، هذا وإلا فالمصير معروف، فقانون الأحزاب ـ المادة 22 ـ يعاقب بالسجن مع الأشغال الشاقة المؤقتة أو المؤبدة كل من ينشئ أو يشارك في عضوية تنظيم حزبي محظور، والطريف أن القانون نفسه ـ المادة 24 ـ يعفي من العقوبة كل من بادر بإبلاغ السلطة المختصة عن وجود تنظيم محظور، وفي البلد ما يزيد عن 400 ألف مخبر سري ـ بحسب تقدير متحفظ للباحث عبد الخالق فاروق ـ لهم الأجر والثواب في الدارين: دار المباحث ودار المحكمة(!) . الفخاخ منصوبة كما تري، ولكن هب أنك كنت من الفرقة الناجية، وحصلت علي رخصة حزب في مصر، وأتقنت فنون التحايل والأكروبات السياسي، وقررت ـ في لحظة ضمير ـ أن تمارس السياسة بالفعل، أو أن تعارض في حدود تتخطي القول المرسل، أو الكتابة المصرح بها في صحيفة حزبية معارضة، فهل هذا ممكن؟ الجواب ـ علي طريقة نزارقباني ـ أن طريقك مسدود مسدود يا ولدي ، فالعمل بالسياسة ـ وبالمعارضة بالذات ـ ممنوع بالقانون، الرئيس السادات كان صريحا عند البدء في تجربة تعدد الأحزاب، كان السادات يتحدث دائما عن ديمقراطية فريدة من اختراعه الشخصي، كان يتحدث عن ديمقراطية المفرمة ، وفي أقوال أخري عن ديمقراطية الأنياب والأظافر ، واشتهر السادات بتعبيره اللطيف كله بالقانون !، وحول القانون ـ بقدرة قادر ـ إلي مفرمة وأنياب، كان يقرر تعديلا بالقانون ليسد ثغرات الشر السياسي كل شهرين تقريبا، كان يحدثك ـ طوال الوقت ـ عن رفع الرقابة وحجب الطوارئ، وكان ـ في الوقت نفسه ـ يأمر الترزية بعمل المطلوب مفصلا علي مقاسه، وهكذا صدرت قوانين بأسماء مبتكرة من نوع سلامة الجبهة الداخلية و قانون العيب وأخلاق القريه ، وكان جل همه تأديب الأفندية ـ يقصد المثقفين، وحل مجلس الشعب ـ المنتخب في تشرين الثاني (نوفمبر) 1976ـ لمجرد أن 15 نائبا عارضوا ما اسمي معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية ، فقد انتهت المناقشة مساء 10نيسان (ابريل) 1979، وكان قرار الحل الرئاسي جاهزا في الصباح الباكر، كان السادات مشهورا بصدماته الكهربية والتهاب أعصابه، فيما بدا خلفه مبارك هادئا وبارد الأعصاب، لكنه تعلم الدرس نفسه، ومن أول صدمة صادفت رئيسه في انتفاضة كانون الثاني (يناير) 1977، كان مبارك قد عين نائبا للرئيس منذ اواسط 1975، واوكلت إليه مهمة التدابير الأمنية، ومع تنصيبه رئيسا بعد حادث المنصة في 6 تشرين الأول (أكتوبر)1981، لم يحكم يوما واحدا بدون حالة الطوارئ الممتدة لـ 26 سنة متصلة إلي الآن، وهكذا جري ضغط دائرة السياسة المسموح بها، فالناس هم مادة السياسة، والأصل في السياسة هو حرية الحركة وسط الناس، بينما الحريات العامة محجوزة بالجملة، فالاجتماع السلمي محظور، والمسيرات والمواكب محظورة، والتظاهر محظور، والاعتصام والإضراب محظور، لا شيء من طرق التصرف السياسي مسموح به إلا جزئيا، وفي مواقيت الانتخابات التي تزور بانتظام، ولا تبقي للأحزاب من فرصة بالسياسة سوي طلب عطف الرئيس، والتوسل إليه بعرائض أو ببيانات مشتركة، وقد شكلت الأحزاب ـ مثلا ـ لجنة القوي الوطنية للدفاع عن الديمقراطية في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 1983، واستمرت اللجنة تصحو لتنام قبل وعقب انتخابات 1984 و1987 و1990، كان المطلب المتواضع: مجرد قانون يتكفل بنزاهة الإنتخابات، ولم يستجب مبارك بالطبع، ولم تصر الأحزاب ـ من جهتها ـ علي المطلب المعلق، وكان الإغواء الأمني سببا في خرق قرار مقاطعة الانتخابات، اخترق حزب الوفد قرار المقاطعة المشترك في انتخابات 1984، واخترق حزب العمل اتفاق المقاطعة في انتخابات 1987، واخترق حزب التجمع اتفاق المقاطعة في انتخابات 1990، وكوفئ كل حزب اخترق قرار المقاطعة بجعله زعيما ديكوريا للمعارضة في البرلمان المزور، والملاحظة النافذه هي للمفكر اليساري عبد الغفار شكر في كتابه (التحالفات السياسية والعمل المشترك في مصر ـ من 1976 إلي 1991)، وهكذا لم تكتف الأحزاب بالإضعاف الإداري والأمني ، بل زادت فأضعفت نفسها بنفسها، وقعت في التناقض الفاحش بين القول والفعل، ثم وقعت في التناقض الأفحش بين القول والقول، واتسعت فجوة ثقة هدت حيل العمل العام ، وجرت انسحابات صامتة بالجملة من عضوية الأحزاب المسموح بها، وانتهت قيادات الأحزاب إلي نوع من الحبس الإنفرادي في مقارها، ثم تحولت مقار الأحزاب إلي مجرد عناوين لشركات محدودة النشاط ، جرت خصخصة السياسة ، فيما بدا تيار العنف غالبا في سنين التسعينيات، فقد سقط أكثر من 1100 قتيل وجريح في صدامات العنف الأولي مع الجماعات الإسلامية المتمردة وقتها، كانت تلك فاتورة الدم في ثلاث سنوات فقط من أوائل 1991 إلي نهايات 1993، أضف أن حملات الاعتقال تواترت في اطراد، كان السادات قد أصدر في عهده 18 ألف أمر اعتقال غالبها بعد بدء تجربة الأحزاب، وتطور مبارك بآلة القمع إلي الحصاد المفزع، فقد صدر في عهد مبارك إلي الآن ـ بإحصاءات حقوقية ـ أكثر من مئة ألف أمر اعتقال، وتحول جهاز الأمن إلي عصابة قتل بالمعني الحرفي، ليس ـ فقط ـ بالتعذيب الوحشي في أقسام الشرطة التي تحولت إلي سلخانات بشرية، وفي المعتقلات التي تحولت إلي محارق، بل بسياسة الضرب في المليان التي تطور بها زكي بدر أشرس وزراء داخلية مبارك، وبعشرات الحالات المرصودة للاختفاء القسري، وإلي حد أن صحافيا كبيرا هو الزميل رضا هلال اختفي قبل أربع سنوات، وكأنه فص ملح وذاب، وقعت غالب الانتهاكات ضد أبناء الجماعات الإسلامية، ودخلت اعتقالات الإخوان المسلمين علي الخط منذ أواسط التسعينيات، بدا الرعب العام وكأنه سيد الزمان والمكان، بدا الظل الأسود لعساكر وضباط الداخلية والأمن المركزي ـ وعددهم رسميا يفوق المليون و300 ألف ـ ممتدا بعرض الشارع المصري، وقنعت الأحزاب بالاختباء في مقارها، ولم تعد تصدر نداءات لمقاطعة الانتخابات المزورة طوال سنوات التسعينيات وإلي الآن (اي في دورات 1995 و2000 و2005)، وتورط بعضها في لعب دور الجناح السياسي الداعم لعنف السلطة القاهرة، وتورط بعضها الأكثر في حوارات طرشان مع الحزب الحاكم جري أشهرها مرتين، مرة في سنة 1994، والثانية بعدها بعشر سنوات، وجري تعديل قوانين الأحزاب والانتخابات والقضاة إلي الأسوأ في 2005 و2007، ثم جري الانقلاب علي الدستور ـ بتعديل 34 مادة ـ في سنتي 2005 و2007، وهكذا جري إغلاق المجال السياسي المصرح به وبالجملة، وبدا أن (نظام الحزب الواحد في قالب تعددي) الموروث عن السادات قد انتهي أمره إلي أواسط التسعينيات، وبدا أننا بصدد إحلال نسق آخر هو (نظام العائلة الواحدة في قالب تعددي)، فقد بدأ سيناريو التوريث خطواته الأولي أواسط التسعينيات بعد محاولة اغتيال مبارك الأب في أديس أبابا، وبدأت عملية إعادة صياغة الحزب الحاكم سنة 2000 مع دخول جمال مبارك إليه، وتمت عملية إحكام السيطرة بتعديلات في الدستور والقانون علي المقاس العائلي، ثم بتعديلات النظام الداخلي للحزب في مؤتمره الأخير (تشرين الثاني (نوفمبر) 2007)، جري التحول ـ بالتدريج ـ من عائلة الحزب إلي حزب العائلة، جرت العملية في سلاسة مدهشة، فالحزب الحاكم ليس حزبا بل يحزنون، كان مجرد جماعة منتفعين تلتصق بجهاز الدولة، ثم تحولت الدولة ـ بخصخصة ورعب التسعينيات ـ إلي هيكل أمني عظمي ، فتحول الحزب الحاكم إلي مجرد جماعة منتفعين تلتصق بجهاز الأمن، ثم تحولت الرأس البيروقراطية إلي رأس عائلية بأدوار حاكمة للأب والأم والإبن، وتحولت البيروقراطية التي جري تفكيكها ـ بإغواءات النهب العام ـ من دور الوظيفة إلي دور الوصيفة لعائلة الرئيس العريس، فيما بدت أحزاب المعارضة المسموح بها إلي واحد من مصيرين، إما أنها تنتظر خطاب دعوة لدور تنكري في حفل تنصيب الرئيس الإبن، أو انها تموت في جلدها ـ ومقارها ـ خوفا من قرار تجنيد يصدر عن لجنة الأحزاب(!). باختصار، تبدو هذه الأحزاب المسموح بها رسميا سائرة إلي نهاية تراجيدية، فلم تعد طرفا في تقرير مصائر بلد مأزوم وعلي وشك انفجار، فلا هي قادرة ـ بانحسار الدور ـ علي الخروج من حال الضعف، ولا هي قادرة ـ بطبائع التكوين ـ علي إعلان التمرد، وربما لم تدرك ـ إلي الآن ـ أن القصة كلها انتهت، وأن الترخيص الرسمي ـ من نظام قمع فاشي ـ هو مجرد تذكرة لقبر، أو مكافأة نهاية خدمة، فشرط الترخيص ـ في الظروف الملموسة ـ هو وقف العمل بالسياسة، وشرط البقاء الرسمي هو الانتحار السياسي، ونسف خطوط المواصلات السالكة إلي العمق الاجتماعي الساخن، شرط البقاء هو الموت البارد علي السطح البارد، وليست صدفة أن الأحزاب المسموح بها بدأت كبيرة، ثم انتهت صغيرة، وبالعكس تماما من قوانين النمو باتصال الزمن، بدأت عفية مرئية تقتحم النظر، ثم انتهت إلي حجم رأس الدبوس، حزب التجمع ـ وهو الأول ظهورا ـ بدأت عضويته بـ 150 ألفا، وانتهت عضويته لبضعة آلاف علي الورق، وحزب الوفد بدا عند ظهوره الأول ـ نهاية السبعينيات ـ كأنه زلزال سياسي، بدا كأنه علي وشك استدعاء مصطفي النحاس من قبره ليحكم مصر، وانتهي إلي ما نعلم ونأسف، ملاحظة أخري في السياق ذاته، وهي أن الأحزاب التي سبقت للظهور بدأت اكبر حجما، وأن الأحزاب التي تأخرت في الظهور بدات أصغر، فغالب الـ 150 ألفا الذين بدأ بهم حزب التجمع كانوا من الناصريين، لكن الحزب الناصري ـ الذي ظهر رسميا عام 1992ـ بدأ بحجم عضوية لم يتجاوز الـ 25 ألفا، وربما ما من داع لحديث عن حزب الجبهه الديمقراطية الذي سمح به قبل شهور، فعضويته الورقية أقل من ألفين، وللظاهرة ـ بالقطع ـ أسباب مجتمع تبدو أفدح في تأثيرها من دواعي الكبح بالسياسة والقانون والأمن، لكن المحصلة تبقي علي حالها، إنه تآكل العظام الذي ينتهي إلي الحطام، إنه تدافع الزواحف إلي قبر التاريخ، إنها جنازة جيل ونهاية نظام، فاقرأوا الفاتحة وخذوا العظة.
? كاتب من مصر
|
| |
|