لا يستطيع المرء أن يخفي دهشته إزاء الإلحاح على التوظيف السياسي لفوز
المنتخب الوطني بكأس أفريقيا لكرة القدم، الذي يراد به إقناعنا بأن الذي
فاز حقا هو النظام المصري وليس المنتخب،
بما يعني أن الذي جلب الفوز
حقا ليس أداء الفريق، ولكنه الرعاية الكريمة التي أولاها له الرئيس مبارك،
والمساهمة الكريمة التي قام بها نجلاه في تشجيع الفريق،
إذ من حق أي أحد يسمع هذا الكلام أو يقرؤه أن يتساءل عن رد فعل الإعلام المصري في حالة ما إذا كان الفريق قد خسر المباراة النهائية،
وهل ستُعدّ تلك «نكسة» جديدة وهزيمة للنظام المصري تستدعي إقصاء «المدرب» والجهاز الإداري؟!
ومن حقه أيضا أن يتساءل عن السبب في أن المساهمة الكريمة للنجلين لم تُحدث
مفعولها في الخرطوم، حين شهدا هزيمة الفريق المصري أمام المنتخب الجزائري،
في حين أن مفعولها كان أقوى في لواندا.
ثمة خطاب في الإعلام المصري يصرّ على إقحام اسم الرئيس والزج بابنيه في مشهد الفرح، وهي مبالغة أخشى
أن تُحدث معفولا عكسيا، باعتبار أن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده،
كما يقال.
وإذ أفهم جيدا وأقدّر أن الرئيس وأسرته أسعدهم الفوز الذي حققه المنتخب، شأنهم في ذلك شأن أي أسرة مصرية أخرى،
لكن هناك فرقا بين الفرح للفوز وبين محاولة اختطافه وتحميله أكثر مما يحتمل، بحيث يغدو شهادة تفوّق وجدارة للنظام في مصر.
كذلك لم يقل أحد بأن الأهداف التي يحققها منتخب كرة القدم، تعتبر معيارا للرقي
أو التقدم في أي بلد، تماما كما أنه لا علاقة بين تشجيع فريق كرة القدم
وبين الوطنية والتعبير عن الانتماء في أي بلد.
فالتقدم له معايير أخرى
مختلفة تماما، كما أن الوطنية لها بدورها معايير أخرى، وللعلم فإن أقوى
الفرق الكروية في أفريقيا تنتسب إلى دول يشكل التخلف والتعاسة القاسم
المشترك الأعظم بينها.
لقد أقامت هيئة الشرطة حفل تكريم لفريق المنتخب يوم الخميس الماضي (4 فبراير الجاري) قبل 24 ساعة من الحفل الكبير الذي أقيم للفريق في استاد القاهرة.
ولم أفهم لماذا أقدمت وزارة الداخلية على هذه الخطوة وانفردت بالاحتفال؟
(أحد الخبثاء قال إن السبب في ذلك أن المنتخب «قمع» فريق غانا «وسحق» الفريق الجزائري).
لكن ما استوقفني ليس فقط فكرة الاحتفال، ولكن أيضا مضمون الكلمة التي
ألقاها وزير الداخلية في المناسبة. ذلك أنه وجّه فيها ثلاث رسائل،
الأولى أن الفوز بالكأس جاء تتويجا للرعاية الكريمة والدائمة التي يوليها الرئيس مبارك للرياضة والرياضيين.
الثانية أن الإنجاز الرياضي الذي تحقق لا ينفصل عن المسيرة المتسارعة لخطى التنمية التي تشهدها مصر.
الثالثة أن الحفاوة الجماهيرية واسعة النطاق بالفوز جاءت تعبيرا عن عمق المشاعر الوطنية وتأكيدا لروح الانتماء لمصر.
هذا الكلام يعبّر بدقة عن المسعى الحكومي لتوظيف الفوز سياسيا، وإصرار السلطة
على استثماره لمصلحة مديح الرئيس وتجميل نظامه، ومن ثم ضم الفوز بكأس
أفريقيا إلى قائمة الإنجازات التي حققها الرئيس في برنامجه الانتخابي.
يكمل الصورة ذلك السؤال الذي وجّهه أحد محرري «الأهرام» إلى لاعب المنتخب محمد زيدان، وكان نصه كما يلي:
«ماذا يمثل وجود ابني الرئيس معكم في اللقاء النهائي؟»
وهو سؤال لك أن تتصور الرد الطبيعي عليه من جانب اللاعب، الذي كان لابد أن
يؤكد فيه أن ذلك الوجود أحدث دفعة قوية للمنتخب ساعدته على تحقيق الإنجاز.
أدري أن بعض العقلاء عبّروا بدورهم عن فرحتهم، لكنهم سارعوا إلى التذكير بأننا
بحاجة لأن نستثمر روح الإنجاز في مجالات أخرى تبني البلد وتنفع الناس،
لكن تلك الأصوات ضاعت وسط الضجيج الإعلامي الذي أصرّ على ابتذال الفرحة تارة، وتحويلها إلى لوثة تارة أخرى.