إبراهيم عيسى: حنفية حبس الصحفيين انفتحت ولن تُغلقالنظام رفع شعار "كما كنت" بعد فوز الإخوان في انتخابات 2005م- لست شيعيًّا ولا إخوانيًّا ومن يملك دليلاً على تعاملي مع أجهزة أمنية يقدمه- الصحفيون الشرفاء يقومون بعمليات صاعقة في الخطوط الخلفية للنظام- أيمن نور كان كلمة السر في إعادة إصدار جريدة "الدستور"هجمة شرسة تعرَّضت لها الصحافة المصرية، بلغت ذروتها بصدور أحكام بالحبس ضد 6 من رؤساء تحرير الصحف المستقلة والمعارضة، والسبب في معظمها هو انتقاد الحزب الوطني والدعوة لرفض التوريث، إلا أن ما زاد من حدة الأزمة هو تحويل أحد رؤساء التحرير إلى محكمة أمن الدولة العليا بتهمة نشر إشاعات "وفاة الرئيس"، وهو الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى- رئيس تحرير جريدة "الدستور" المستقلة- وهو نفسه أحد رؤساء التحرير الذين صدرت في حقهم أحكام بالحبس."إخوان أون لاين" التقى به في حوارٍ شامل "قد يكون الأخير له" لو أصدرت محكمة أمن الدولة العليا حكمًا ضده في قضية إشاعة وفاة الرئيس؛ لأن أحكامها واجبة النفاذ، الحوار جاء ساخنًا كما توقعناه، سألناه عن الاتهامات التي يوجهها له البعض بأنه على علاقةٍ بأجهزة أمنية مصرية وأخرى عربية، وعن علاقته بالإخوان والمسحة الصوفية التي تُلازمه في برامجه التليفزيونية في شهر رمضان، وقد لخَّص هو الإجابة على كل هذه الاتهامات بقوله (أصل أنا شخصية محيرة)، قضايا أخرى طرحناها عليه في هذا الحوار الذي بدأناه بسؤالٍ عن رؤيته للأحكام الأخيرة المتعاقبة ضد الصحفيين، فكانت إجابته:** هذه الأحكام تأتي في سياقٍ مكملٍ للهجمة والحملة على حرية الصحافة، وواضح أن حريةَ الصحافة أصبحت مزعجةً ومقلقةً تمامًا لفريق الحكم، خاصةً في ملف التوريث ونقل الحكم من الرئيس مبارك لنجله جمال مبارك، وعندهم ذعر وخوف شديد جدًّا من ردود الأفعال فقاموا بما يُشبه عملية ضبطٍ للشارع من خلال ما يعرفونه ويملكونه وهو الأمن، وليس عن طريق التطمين والوعي السياسي أو عن طريق التطورات السياسية، فمن وجهة نظرهم "السيف أصدق أنباءً من الكتب"، وبالتالي فالنظام شغال بالسيف على الصحف المستقلة والمعارضة التي تشاغب وتسبب له إزعاجًا، خاصةً تلك الصحف القادرة على الكلام أو ليست (under control) (تحت السيطرة)، ومن ثَمَّ فردود أفعالها ليست على الدرجة التي يريدها النظام.
فالصحافة التي ليست تحت السيطرة قدرتهم على احتمالها كان إلى حين، وهذا الحين انتهى، وأصبح ما يُقدمه إبراهيم عيسى وما يكتبه لا يحتمل، وأصبح ما تكتبه "صوت الأمة" أو "الفجر" أو "الكرامة" وصل إلى خطوطٍ لم يعد يتحملها النظام، ومن الواضح أن دفاع "الوفد" عن الحريات واستقلال القضاء أصبح يخاطب جزءًا كبيرًا من قلقِ النظام فحدث هذا التطويق للصحافة والرغبة في قمعها وضربها في مقتل؛ وذلك عكس الصحف التي تحت السيطرة التي يستخدمها فرق وتيارات وأجنحة النظام، وإحدى صور ذلك بعض حملات الفساد الموجودة في صحفٍ بعينها، والتي تكون لصالح جناحٍ ضد آخر، كما أن بعض قضايا الفساد المعلنة تكون للتخلص ممن هو أفسد منه بمعنى أن الفاسد الذي يتم ضبطه يكون عبر الأفسد منه الذي بلغ عنه أو الذي يتصارع معه.
وبالتالي ففي صراعات البيزنس وصراعات اللعبة على النفوذ يصبح دور الصحافة فاعلاً جدًّا بالنسبة للنظام، وهو تخليص الأمور وإزعاج بعض الأطراف عن طريق القيام ببعض الأدوار القذرة عبر نشر قضايا فساد حقيقية لكن نشرها يكون لغرضٍ معلومٍ ومفهومٍ.
صورة أخرى يستخدم فيها النظام بعض الصحف، وهي الحملات الجماعية أو ما يُشبه السعار الجماعي؛ فعلى سبيل المثال يريدون تصفية حسابٍ مع سعد الدين إبراهيم فتجد كل الجرائد القومية والخاصة تشن هجومًا على سعد الدين إبراهيم، أيضًا لو يريدون تصفية حسابٍ حتى ولو مع هالة سرحان أو حملة على الإخوان المسلمين يحدث نفس الأمر.
لطمة قوية
* ألا ترى أن الحكم على الهواري، ثم تحويلك لمحكمة أمن الدولة لطمة قوية لنقابة الصحفيين بعدما انتهجت الحوار سبيلاً مع النظام؟
** بالفعل هو لطمة، بل إنها لكمة قوية، وهو ما يؤكد أن النظام ليست مشكلته إبراهيم عيسى أو وائل الإبراشي أو أنور الهواري أو عبد الحليم قنديل أو عادل حمودة، لكن مشكلته منهج الصحف الذي ذكرناه؛ وبالتالي لكي يوقف منهج الصحفي المعارض والحر والذي لا يتلقى أوامر من أحدٍ بالتليفون فهو مستعد أن يطيح بالجميع، وهو ما لم يفهمه أحد، فالجماعة الصحفية نفسها كانت متصورةً أن المستهدف إبراهيم عيسى وأنه "قلَّ أدبه" على الرئيس وتطاول عليه- هذا في مزاعمهم بالطبع- وأنه تطاول عليه وتطرَّف، وإبراهيم عيسى في رواياتٍ أخرى يريد السجن، وبدا الأمر وكأنه صراعٌ بين إبراهيم عيسى والرئيس، ولما خرجت أحكام حبس الصحفيين الأربعة ثم الزميل أنور الهواري وزميليه الصحفيين بالوفد محمود غلاب وأمير سالم، فإن الأمر تأكَّد أنهم ضد حرية الصحافة وليس ضد حرية صحفي، وهذا فرقٌ كبيرٌ، والجماعة الصحفية لا بد أن تنتبه لذلك.
* ماذا لو حُكم عليك في قضيتك المنظورة أمام محكمة أمن الدولة، فهل نستطيع القول بأن إبراهيم عيسى أصبح كبشَ فداء للصحافة المشاغبة للنظام على طريقة "اضرب المربوط"؟
** أنا مستعدٌ أن أعمل فيها المسيح وأفديكم، لكن هذا لن يجني أي فداء؛ فطوال الوقت يقولون إنهم سيخلصون قضية الأربعة مقابل التشدد في قضية عيسى، وهذا تفكيرٌ ساذجٌ لأن الأربعة من الممكن أن يدخلوا السجن أيضًا، والبعض فاكر أن النظامَ عاقل؛ فعندما يسجن إبراهيم عيسى ستكون هناك سلسلة أخرى من أحكام السجن القادمة بمعنى (حنفية انفتحت)، وساعتها لن يكون الموضوع مهاجمة مبارك، بل سيكون نهاية مطافنا في الهجوم على رئيس هيئة الاستعلامات؛ أو مَن ينشر خبرًا يقول فيه إن الإخوان سينظمون مظاهرةً أو خبرًا يقول إن المحاكم العسكرية باطلة فسيكون قد ارتكب جريمةً.
وفي هذا الصدد أستطيع أن أقول بموضوعيةٍ شديدةٍ خارجًا بنفسي عن السياق إني رفعت سقف الحرية في مصر، وبالتالي عندما يحدث لـ"الدستور" أو إبراهيم عيسى أي شيء فسقف الحرية سينخفض، والمعاقبة لن تتوقف، وسيظل التنكيل بالصحفيين كما هو، ولكن على درجاتٍ أقل حسب سقف حريةِ كل صحيفة.
الصحفيون اعتصموا أمام نقابتهم احتجاجًا على تقييد الحريات
* دائمًا ما تنتقد استبداد النظام والتضييق على الحريات، ولكنك تكتب ما تريد في مقالك، ألا يعد ذلك إحدى صور حرية التعبير؟ ** هي شجاعة وليست حرية تعبير أو صحافة، فالصحفيون في مصر انتزعوا حريتهم بشجاعتهم وليس بمواد القانون؛ ويكفي أن هناك 18 مادةً قانونيةً يمكن أن تسجن الصحفي كما يمكن أن يُسجن الصحفي بين غمضة عين وفتحها، ومن ثَمَّ لا يوجد حرية صحافة في مصر؛ لأن حرية الصحافة في العالم تمضي على 3 عناصر، الأول حرية إصدار الصحف، وهذا ليس حقيقيًّا في مصر حيث تمر بموافقاتٍ أمنية وما إلى ذلك، ثانيًا منع حبس الصحفيين، وألا يُضار أحد برأيه؛ وعندنا يوجد حبس للصحفيين؛ ثالثًا حق تداول المعلومات وهو ما لا يوجد عندنا، إذن فالموجود الآن الشجاعة وليست الحرية؛ فهي شجاعة صحفيين أرادوا أن يقوموا بعملياتٍ كالصاعقة خلف صفوف الخصم أو العدو للحصول على حقِّهم.